عاد “عبد المفضي” إلى مدينة الرقة بعد غياب أكثر من سنة؛ للتعرف على جثة زوجته بعد انتهاء لجنة إعادة الإعمار من إخراج الجثث، التي وصل عددها إلى 500 جثة، من ملعب الرشيد، كما أكد عبد الله العريان المسؤول في لجنة إعادة الإعمار بالرقة.

 

ففي أثناء الحصار الذي فرضته قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، على مدينة الرقة في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017، والتي كان يسيطر عليها مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية”- وجد العديد من أهالي المدينة أنفسهم محاصَرين بين تنظيم “الدولة الإسلامية” وقوات سوريا الديمقراطية، ومن بينهم “عبد المفضي”.

تنظيم داعش لغَّم مفارق الطرق ومداخل المدينة، ومنع الأهالي من الخروج منها، وصاحب ذلك قصف جوي من قِبل طيران التحالف الدولي؛ مما أدى إلى وفاة زوجة “عبد المفضي”، فاضطر إلى دفنها ليلاً في ملعب الرشيد قبل أن يغادر المدينة صحبة ابنه، الذي بُترت ساقه في القصف.

أين قبرها؟

في أثناء دفن زوجته، لم تكن أرض الملعب مقبرة بشكل كامل، كما يتذكر “عبد المفضي”، كانت القبور توزَّع بطرق عشوائية؛ ظناً من الأهالي أن الأمور ستنتهي قريباً، ولكن اليوم من الصعب “تذكُّر مكان القبر، ومحاولة البحث عن الجثة أمر شاق”، يتحسر الرجل بعد محاولات يائسة.

وتتوفر الرقة على مقبرة “تل البيعة” التي تعتبر المقبرة الرسمية في ضواحي المدينة، والمقبرة الثانية داخل المدينة وهي “مقبرة حطين”، التي كانت مستهدَفةً من قِبل قناصة مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية.

خوف الأهالي من رصاص قناصة الطرفين المتصارعين دفعهم لدفن ذويهم بمقابر بديلة تتغير بحسب التوزع الجغرافي في أثناء المعارك، كالحدائق والساحات العامة، وكان ملعب الرشيد إحدى المقابر البديلة؛ لسهولة الحفر، ودفن الضحايا إما في قبر فردي أو قبور جماعية، وإما بحُفر يتم فيها تجميع أشلاء لمجهولي الهوية ووضعها في كيس وردمها داخل الجورة.

أحد أبناء الرقة يحكي لـ”عربي بوست”، أن أوقات الدفن تكون ليلاً وبالقرب من جدار الملعب؛ خوفاً من رصد طيران التحالف الدولي.

هوية الضحايا

الدفن ليلاً ومن غير تحديد المواقع، زاد من صعوبة التعرف على هوية الكثير من ضحايا المقبرة المكتشفة، وحتى تنظيم الدولة استخدم الملعب لدفن مقاتليه الذين قُتلوا في أثناء المعارك الدائرة بينه وبين وقوات “قسد”.

الكشف عن مقبرة ملعب الرشيد وانتشار الخبر، دفعا أبو وليد شاوية، من أبناء مدينة الباب، للتوجه إلى مدينة الرقة؛ للبحث عن جثة أخيه، البالغ من العمر 56 عاماً، والذي كان قد اعتقله التنظيم في يونيو/حزيران عام 2014 بتهمة الردة عن دين الإسلام، وحتى اللحظة لا يعرف مصيره إن كان حياً أو ميتاً.

عامر مطر، منسق حملة أين “مختطفو داعش”، يصرح لـ”عربي بوست” بأنه بعد انتشار خبر العثور على مقبرة جماعية بملعب الرشيد في مدينة الرقة، وصلت لهم رسائل من ذوي المخطوفين تسألهم عن صحة الخبر وإمكانية العثور عن جثث ذويهم داخل هذه المقبرة.

مطر، وهو أخو المختطف من قِبل تنظيم داعش محمد نور مطر، في أغسطس 2013، يوضح أن العديد من الصفحات والمواقع والقنوات الإعلامية نشرت خبر العثور عن مقبرة جماعية داخل ملعب الرشيد تعود لمعتقلين كان قد قتلهم التنظيم داخل الملعب، في حين أن الأمر غير ذلك تماماً، “المدفونون ليسوا فقط من ضحايا داعش؛ إذ توجد قبور لمقاتلي التنظيم الذين دفنوا عناصرهم داخل الملعب وكتبوا عليها أسماءهم”، يضيف مطر.

مقابر سابقة

وكانت قوات الأسد كشفت عن مقبرة جماعية بريف الرقة الغربي بالقرب من بلدة الرمثان، تعود لعناصر قوات النظام الذين أعدمهم تنظيم داعش، ووثّق ذلك في إصدار مرئي صيف عام 2014، إثر سيطرته على مطار الطبقة العسكري، بحسب وكالة سانا للأنباء التابعة لحكومة النظام السوري.

وذلك ما دفع الكثير من ذوي المعتقلين الذين تم اعتقالهم في سجون تنظيم الدولة من المحافظات السورية كافة، للشعور بالأمل علّهم يجدون جثث ذويهم ويتم دفن رفاتهم في مقابر نظامية.

فقد كان تنظيم داعش ينتهج سياسة عدم دفن المعتقلين في مقابر جماعية أو تسليمهم لأهاليهم، ويعود ذلك لنصوص دينية يستشهد بها شرعيو التنظيم، تفيد بعدم تسليم جثة “المرتد”، وهو اسم يطلق على كل مخالف لفكر التنظيم.

ويطالب منسق حملة “أين مختطفو داعش؟”، عبر “عربي بوست”، القنوات الإعلامية التروي والتأكد من صحة الأخبار الواردة من الرقة؛ مراعاة لشعور أهالي المعتقلين.

ولا تزال عملية البحث جارية عن المدفونين داخل مقبرة الملعب، وسيتم نقل رفاتهم إلى مقبرة حطين، والسماح للأهالي بالتأكد من ذويهم عن طريق المعنيِّين من مكتب إعادة الإعمار في محافظة الرقة.

 

 

 

 

 

عربي بوست