بعد طردهم من الأندلس عام 1492، هرب اليهود إلى أراضي السلطنة العثمانية حيث عاشوا ونجحوا في الحفاظ على ثقافتهم وخبراتهم، في ظل الدولة العثمانية “التي منحت فرصة التعايش المشترك للجميع على هذه الأراضي”.

هذا ما تقوله مديرة متحف اليهود الأتراك التابع لـ”وقف العام 500″ نيسيا إيشمان أللوفي، مؤكدة أن اليهود عاشوا بطمأنينة على مدار عصور في المجتمع العثماني.

وفي منتصف القرن الخامس عشر، جرت عمليات منظمة لطرد المسلمين واليهود من إسبانيا، بعد ثمانية قرون من تعايشهم معاً هناك، وأجبرت محاكم التفتيش مَن بقي منهم على تغيير دينهم واعتناق الكاثوليكية، تحت طائلة طرد الرافضين جماعياً.

وروت أللوفي لوكالة الأناضول التركية أن اليهود اضطروا للهجرة من الأندلس إلى الأراضي العثمانية بموجب “مرسوم الحمراء” الصادر عام 1492، وهو “قرار طرد” أصدره الملك الإسباني فرناندو الثاني والملكة إيزابيلا الأولى، في 31 مارس من ذاك العام.

مُنح اليهود مهلة ستة أشهر لتغيير دينهم، أو مغادرة إسبانيا في موعد أقصاه الثاني من أغسطس 1492.

وقالت إن ثامن السلاطين العثمانيين بايزيد الثاني (1447-1512) شعر بالدهشة من القرار الإسباني، وتساءل موجهاً كلامه لفرناندو الثاني: “كيف يمكن وصف حاكم بالحكيم إن كان يثري بلادي فيما يُفقر بلاده؟”، إذ كان ينظر إلى اليهود على أنهم عنصر جدير بالثقة في التجارة.

وذكرت أن 150 ألفاً، من أصل 300 ألف يهودي توزعوا في العالم عقب المرسوم، وصلوا إلى الأراضي العثمانية بشكل آمن عبر السفن التي أرسلها السلطان العثماني بايزيد الثاني إلى إسبانيا.

وبحسب أللوفي، لم تميّز الدولة العثمانية بين مواطنيها، وخلقت بيئة للتعايش المشترك بين مختلف المكونات على مدار مئات الأعوام، لافتةً إلى أن اليهود والأتراك ما زالوا يعيشون إلى يومنا هذا جنباً إلى جنب في تركيا، ويتبادلون التهاني في الأعياد.

حرية الديانة

ويشير رئيس تحرير صحيفة “شالوم” الأسبوعية التي تصدرها الطائفة اليهودية في تركيا إيفو موليناس، الذي يتحدّر من اليهود المطرودين من إسبانيا، إلى أن “اليهود مارسوا دينهم بكل حرية في الأراضي العثمانية”.

ويقول إنهم أيضاً عاشوا بحرية في الأندلس في عهد المسلمين، ولم تبدأ الصعوبات إلا عقب سيطرة المسيحيين على شبه الجزيرة الإيبيرية، لأن الأخيرين لم يكونوا يرغبون في وجود أي دين مختلف في تلك المنطقة.

وبحسب موليناس، عاش اليهود بسلام على مرّ عصور في الدولة العثمانية، ولم يتعرضوا لأية سياسة تذويب قسري في المجتمع، باستثناء بعض الحوادث الفردية “المؤسفة”.

ويتحدث موليناس عن وجود حملات في الآونة الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف اليهود في تركيا، على خلفية الغضب المتصاعد ضد الممارسات الإسرائيلية، معرباً عن قلقه من تحول “خطاب الكراهية” هذا إلى معاداة للسامية واليهود، وآملاً تدخّل الدولة والقضاء التركيين للتصدي لذلك.

وقال: “لا يصح تحميل اليهود الذين يعيشون هنا فاتورة ممارسات إسرائيل”.

بدوره، قال ممثل أوقاف الأقليات لدى المديرية العامة للأوقاف بتركيا موريس ليفي: “لطالما جرى احتضان الأقليات مثل الأرمن والسريان والكلدان جنوب شرقي الأناضول وشرقه، والروم في غربه، واليهود المتواجدين في أرجاء الدولة العثمانية، بشكل جيد على الدوام”.

وأشار المؤرخ التركي البوفيسور لطفي شيبان إلى أن اليهود بقوا في إسبانيا بفضل مسلمي الأندلس، مضيفاً أنه “قبل فتح المسلمين للأندلس كانت قبائل القوط الغربية تستعبد اليهود في إسبانيا”.

وروى أنه “عقب الفتح ألغي الاستعباد ودخل اليهود التجارة والدبلوماسية، شأنهم شأن اليهود في بقية الأقطار الإسلامية”.

ونوه إلى أنه لا توجد أرقام مؤكدة عن أعداد اليهود الذين طردوا من إسبانيا، إلا أن معظمهم هاجروا إلى الدولة العثمانية، فيما بقيت قلة منهم في الدول البروتستانتية مثل هولندا.

وبيّن أن اليهود القادمين إلى الدولة العثمانية توزعوا في شمال إفريقيا ودول البلقان وإسطنبول والأناضول وفلسطين.

وعن حياتهم في السلطنة، قال إنهم تمتعوا بحرية العبادة وبدأوا بتقلد مناصب سياسية واقتصادية في الدولة العثمانية اعتباراً من مطلع القرن السابع عشر.