يتجدد الجدل بين فترة وأخرى في مجموعات السوريين على وسائل التواصل الإجتماعي حول حالات زيادة نسبة الطلاق بين السوريين في أوروبا، حيث يذهب بعضهم لإلقاء اللوم على المجتمع الجديد، ومن القوانين التي تتعلمها السوريات خلال دروس (التثقيف المجتمعي) أو ما يسمى بأيام الإندماج والتي قد يتخطاها الرجال، وتقف عندها بعض النساء فيما يخص حقوقهن، وكما يتجه لإلقاء اللوم على ما سموه صراحةً بـ “الموضة” والتي يفسرها بعض رواد التواصل الاجتماعي بعدوى أصابت النساء في المجتمعات الأوروبية المفتوحة بتساوي الحقوق والواجبات بين الجنسين.

 

ليست أنانية ولا طريق للمجهول

“نعم.. البعض اتهمني بالأنانية، لأنني طلبت الطلاق بعد وصولنا لألمانيا وخروجنا من الكامب، الظروف اضطرتني للاختيار بين مستقبل أولادي وبيتي غير المستقر، وبين زوجي وعصبيته وتصرفاته اللامسؤولة التي تنعكس على تعليم أطفالي، حتى المدرسة بدأت بالتدخل، الأطفال تركيزهم صفر، طلبت المساعدة من مؤسسة ألمانية مهمة للانفصال”.

وتتابع “سلاف.م” بثقة: “لا أعتقد بأن الانفصال هنا في أوروبا هو طريق للمجهول، بل هو فرصة جديدة لي ولأطفالي لنبدأ من جديد، الأطفال عندي وأنا على اتفاق مع زوجي السابق في الحقوق والواجبات، كما ينص القانون “.

كما رفضت “سلاف” تحميل المجتمع الجديد عبئ حالات الطلاق تلك وتركت السؤال مفتوحاً، طالبة منا سؤال غيرها المزيد من المعلومات قائلة:

“طبعاً سمعت عن الكثير من حالات الطلاق، لا أستطيع الحكم على الظروف، لست ضد ولا مع فلكل حالة توابعها التي لا يعرفها أحد فكما كنا نقول سابقاً (البيوت أسرار) “.

 

لا أحد يستطيع إنكار وإخفاء العديد من حالات الطلاق السلبية التي حصلت بين السوريين في العديد من البلدان الأوربية، وهنا لسنا بصدد روايتها سواء جرائم قتل أو عنف من أي نوع، لكن من المؤكد بأن هناك ظواهر عديدة انتشرت بين صفوف اللاجئين السوريين، قد لا تجدها في صفوف أيّة مجموعة بشرية وصلت إلى أوروبا!

 

حسب مسح قامت به جمعيات محلية كجمعية DAF الألمانية و MDM الفرنسية بالتعاون مع دوائر الهجرة في ألمانيا وفرنسا وهولندا، والتي أجمعت عبر تقاريرها أن: (لا يمكن وصف حالات الطلاق والانفصال التي تخص الجالية السورية في تلك الدول بأنها مشكلة فردية وطارئة) فبحسب أحد مراكز اللجوء بمدينة “ويرت” جنوب هولندا، والذي شهد 11 حالة طلاق بين قاطنيه، وتكرر الرقم تقريباً في أكثر من مركز، حيث قال المحامي “حسن الحيوي” إنه يحضر “كل أسبوع” جلسة أو جلستي طلاق بين اللاجئين، حيث تتميز كل جلسة بسرعة اتخاذ القرار والاستسهال بالقضية.

هذه المشكلة كان من الممكن أن تكون مثلها مثل جميع المشاكل التي يمكن وصفها بالحالات الفردية، لكن مع الازدياد الكبير لعدد السوريين القادمين -حسب المسح- يمكن وصفها بالظاهرة، فأعداد السوريين هي ضعف القادمين من جنسيات أخرى كالأفغان والعراقيين وبعض الفلسطينيين ودول شرق أوروبا، وتبقى تلك النسبة مهما كانت قيمتها لا تقارن بنسب الطلاق بين المغاربة والجزائريين المقيمين منذ سنوات طويلة على التراب الأوروبي، من منَّا لم يسمع بحالات الطلاق الغريبة في المطارات والكامبات والبيوت في مختلف دول الاتحاد الأوروبي، هذا عدا عن عزوف الشباب  شبه الكامل عن الزواج لغلاء المهور وتعقيدات أخرى.

 

قصص كثيرة نقلها الإعلام الغربي دعمت رأي اليمين المتطرف في أوروبا الذي يسعى دائماً لوقف تدفق المهاجرين وإعادة ما يمكن إعادته منهم كمتهمين بعدم الاندماج بقيم المجتمع الجديد والكراهية والتعصب والعنف الأسري، عبر الإضاءة على قصص تعدد الزوجات بين المهجرين السوريين كتقارير بثتها DW و  RTL عن مهجرين سوريين يجمعون بين زوجتين أو أكثر في بيت واحد كقصة اللاجئ السوري “أحمد” والذي يعيش مع زوجتيه وأطفاله السبعة قرب “هامبورغ” على مساعدات “الجوب سنتر” في بيت كبير، والذي أظهره التقرير كظاهرة سلبية تستهلك ولا تنتج، ومن “أحمد” لتقرير آخر عن سورية انفصلت عن زوجها في ألمانيا، بعد أن كان يضربها وهي بعمر الـ15 سنة فقط، تعيش وأولادها الأربعة تحت حماية الدولة الألمانية التي قدمت لها البيت والمال والطعام وحتى الملابس وتكفلت بمصاريف الطلاق، ولن ننسى قصة “أبو مروان” والذي أنهى قضية طلاقه بطعن زوجته في مقاطعة “مولاكا” ألمانيا، والتي تبعها عدة حوادث تحدث عنها إعلام اليمين المتطرف في وجه الرأي العام، مُصدراً أصحابها كصورة نمطية للسوريين، كما تناولت الصحافة الأوروبية عموماً هذا الجانب.

 

قصص وأسئلة تغرق السوشال ميديا والمجموعات الخاصة بالمُهجرين السوريين نسوق لكم منها مثال بسيط لاحقناه وكشفنا حقيقته في (أنا إنسان)،  فقد تابعنا منشور في صفحة (منتدى السوريين في فرنسا) يقول: “زوجي يقيم عدة علاقات خارج إطار زواجنا، أنا خائفة من الأمراض.. هل أستطيع طلب الطلاق؟”، استدرجنا صاحبة المنشور لنكتشف أنها تطلب الطلاق لأن الزوج لا يعمل ومخصصات الإعانة التي تقدمها الدولة لا تكفي العائلة، فقررت الزوجة رفع دعوى الطلاق لتحتفظ بالأولاد ومخصصاتهم المالية.

 

عبد الحق، وحسب روايته لنا، خاطر مع زوجته وابنته 7 سنوات: “ركبنا قوارب الموت.. انقلب بنا القارب وغرق الكثير ممن رافقنا، بعد وصولنا إلى “هولندا” بشهر تقريباً فوجئت بطلبها الطلاق.

يقول عبد الحق لم يعد لديّ ثقة بالزواج أبداً، وعلى الرغم ما قاسيناه في دول اللجوء وحادثة الغرق، إلا أن زوجتي السابقة بدأت حياتها في “هولندا”، وكأنها في دمشق أجواء السهر النسائي، والجارات والتسوّق.. تعيش وكأننا سياح في هولندا، ولسنا لاجئون من دولة فيها حرب طاحنة حتى يومنا هذا.

 

نساء مظلومات

وهنا لا نستطيع إلقاء اللوم فقط على النساء، فكثيرة هي القصص التي تروى عن الطرف الآخر.

السيدة سمية تقول حين كنّا في سوريا،  وصلت لفرنسا عن طريق “لم الشمل”، كانت لدينا مشاكل ككل الأسر السورية، لكن بعد وصولي تفاجئت بأنه “يريد الطلاق لم أكن أريد ذلك، رغم تعرضي للكثير من العنف من قبل وأنا في سوريا، المشكلة لدينا ثلاثة أبناء الكبار اختاروا العيش معه في المنزل، بينما الصغير بقي معي بحكم القانون الفرنسي ، حتى الآن لا أملك منزل فأنا أعيش في الغرف المخصصة من قبل الدولة للمطلقات”.

 

تابعت: “بعد أن أختار الإنفصال، طلبت منه أن يتم بهدوء خوفاُ على الأطفال، هو قال إنه لم يعد يحتمل حياة الزوجية المعقدة، هو يريد أن يكون حر، يسهر ويسافر ويصادق أعرف الكثير من السيدات وصلنّ إلى فرنسا أو ألمانيا، ومن ثم طلبنّ الطلاق، أمر غريب حقيقة لا أستطيع تفسيره”.

 

صديقة سمية قالت لنا: “لو بدّي فضفض للمرشدة الاجتماعية المسؤولة عنا، سيقتاد البوليس زوجي من المنزل مقيدا بالسلاسل، لكن لدي طفلة ومن غير المعقول أن أقدم على ذلك، أحاول دائما حل أيّة مشكلة بالتراضي بيني وبينه “.

 

حالات عديدة وظروف، تدهشنا دائماً، مستترة بـ “كليشيهات” جاهزة عند الطرفين متناسين مصلحة الأطفال، وتأثير تلك الكارثة المجتمعية على نفسياتهم في التعليم والاندماج.

 

ونجد هنا من واجبنا الاعتراف بأن النساء في أوروبا من المهجرين السوريين والعرب، تلقى تهميشاً وتأطيراً لدورها ببناء نفسها ومستقبلها وهي ترى العالم يسرع حولها  وهي تقف فقط لتنتظر زوجها وتنظف وتطبخ، فمن حقها أن تتطور وتبحث عن المزيد في مجتمع يكفل حقوقها ويشعرها بالارتياح في العلاقات البشرية والإنسانية.

 

تتراوح نسبة قبول ورفض موضوع الطلاق بين القادمين الجدد، فلا يزال هذا الأمر موضع خلاف واتفاق مثله مثل كل المحظورات المحمولة من البلد الأم، والتي يعتقد الأكثرية إنه من الصعب تجاوزها.

كما يحرض هذا الأمر سؤالًا أخرًا يخص مفهوم الأسرة السورية قبل الحرب ، على ماذا كانت تُبنى وكيف تستمر؟ إذا كان موضوع الطلاق بهذا التزايد فهذا يعطي مؤشرًا لضرورة إعادة بناء مفاهيم جديدة وهل الوقوف عند تأمل نهاية تلك العلاقات من شأنه أن يقدم بعض الإجابات على السؤال السابق؟

 

ظاهرة سببها تراكمات

نتيجة كل التحطيم الحاصل في بنية المجتمع السوري تبدو الأسرة كمتضرر أساسي في منظومة مجتمعية تتداعى تباعاً، تركت الحرب أثراً عميقًا فيها، هل بات من الضروري تشكل وعي مختلف لتغيير الذهنية وكسر النمطية السائدة حول مفهوم الزواج والأسرة والمرأة؟ أم أن هذه الحالات لا تعدو كونها حوادث طبيعية منفصلة ولا يمكن تسميتها “ظاهرة” إذا اعتبرنا أن للمجتمع الجديد تأثيرات مختلفة من غير الممكن تجنبها نتيجة لعاملي التأثر والتأثير؟

 

في حديثه لـ أنا إنسان، قال الباحث الاجتماعي “بثينة جمعان”: “كثر الحديث عن ظاهرة الطلاق مؤخراً في وسائل الإعلام وعلى المجموعات القانونية وأنه يمكن رصد هذا في نسب الطلاق بين هذه الفئة من المهجرين الجدد خلال الحالات التي تستقبلها مكاتب الإرشاد الاجتماعي والقانونية وحتى المساجد في المدن التي يقطنها عدد كبير من اللاجئين السوريين، أن الطلاق في أوساط اللاجئين تحول إلى ظاهرة”.

وعن أسباب انتشار الطلاق بين اللاجئين في ألمانيا، وهل للمجتمع الجديد وثقافته وقوانينه، دور في تغير الثقافات والقناعات للقادمين الجدد وبالأخص للمرأة؟ يرى “جمعان” أن هناك تأثيراً نسبياَ للمجتمع الجديد ، لكنه ليس “المسؤول المباشر” عن حالات الطلاق بين اللاجئين، وإنما هناك عوامل مختلفة وتراكمات من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي عانت منها المرأة بالأخص في بلدها السابق ، أو خلال رحلة النزوح والهجرة القسرية الطويلة.

ويضيف: “الاستقلال المادي واكتشاف المرأة حقوقها، في المجتمع الأوروبي، جعلها تطمح لممارسة نمط جديد من الحياة ، أكثر تحرراً دفعها لمواجهة الرجل ووفر لها عوامل ساعدتها في اتخاذ القرار”.

 

ونتيجة كل التحطيم الحاصل في بنية المجتمع السوري تبدو الأسرة كمتضرر أساسي في منظومة مجتمعية تتداعى تباعاً، تركت الحرب أثراً عميقاً فيها، هل بات من الضروري تشكل وعي مختلف لتغيير الذهنية وكسر النمطية السائدة حول مفهوم الزواج والأسرة والمرأة .

 

مرهف مينو