من أغرب (خطب) الرئيس السوري (بشار الأسد)، على مدى عقدين من حكمه لسوريا ، كانت كلمته في (المجلس الموسع لوزارة الأوقاف) بدمشق يوم 7 كانون الأول الجاري. من غير سبب وبدون مناسبة، الأسد افتعل (تصادم هوياتي) مع اعرق وأقدم المكونات السورية (السريان الآشوريين) بنفيه المرحلة (السريانية المسيحية) من تاريخ سوريا، التي تشهد عليها معظم المراجع والوثائق التاريخية المتعلقة بـ(حضارة وتاريخ) سوريا.

في سياق كلمته، قال الأسد ” هناك موضوع خطير يثار يمس صلب المجتمع يستهدف العروبة والاسلام . طروحات تشكك بعروبة القرآن بالقول أنه سرياني، وبعروبة محمد بالقول أنه مستعرب غير عربي، وبعروبة سوريا بالقول أن سوريا كانت قبل الاسلام سريانية مسيحية تتحدث وتكتب بالسريانية”. يضيف الأسد” المستهدف من كل هذه الطروحات، فكرة العروبة، لأنها العنصر الجامع بين الرسول والقرآن وسوريا. فلا بد من ضرب العروبة لتفكيك هذه العناصر وعندها يحل محل هذا العنصر الجامع، العناصر التفريقية المختلفة “.

الأسد بتناوله تاريخ سوريا (ما قبل الاسلام)، أوقع نفسه بمغالطات عديدة. مقاربته جاءت متناقضة بمضامينها وافكارها. بشار، بدا أسير ثقافة (بعثية عربية اسلامية) مؤدلجة. الرئيس الأسد، دافع عن (العروبة والاسلام ) كهوية وانتماء لسوريا وشعبها، رغم أنها عناصر (تفريق وخلاف) بين السوريين، لأنهم ليسوا جميعاً عرب ومسلمين . فيما الأسد طعن بـ( السريانية السورية) وهي (الهوية الوطنية) الجامعة لكل السوريين، وتهجم على دعاة إحياء (الهوية السريانية) لسوريا. (بشار)، استبدل “المؤامرة الكونية ” المزعومة على (سوريا والعروبة والاسلام) بـ”المؤامرة السريانية “. كل هذه (الاحتلالات الأجنبية والميليشيات المحلية والمستوردة والتنظيمات الاسلامية الارهابية) على الارض السورية، لم تثير مخاوف وقلق الأسد على سوريا، بقدر ما أثارته الأصوات الوطنية المدافعة عن(الهوية السريانية السورية)، التي تشكل (العمق الحضاري والتاريخي) ليس للدولة السورية القائمة فحسب، وإنما ايضاً للأمة السورية (سوريا الكبرى) المعروفة اليوم بـ( بلاد الشام).

الأسد، تعمد إخراج الاهتمام بـ(السريانية )، من سياقه الوطني وتصويره على أنه “موضوع خطير” للظهور بموقع المدافع الأول عن (العروبة والاسلام). ولإرضاء مستمعيه من (العرب السنة) باعتبارهم (الحاضنة التاريخية) للعروبة وللإسلام التقليدي المحافظ واستمالتهم الى جانبه في معركة (الصراع على السلطة). ليطمئن الرئيس( بشار) ووزيره الإسلامي(عبد الستار السيد)، الذي سبقه بالهجوم على (الهوية السريانية ) وعلى (الأمة السورية) في خطبة له بأحد مساجد طرطوس، بأن ما من قوة في العالم قادرة على تفكيك ونسف العلاقة بين (العروبة ) و( اسلام) خرج من رحم هذه العروبة.

من حق العرب أن يدافعوا عن (الاسلام) وأن يتمسكوا به. فلولا (الاسلام) لما وجدنا اليوم كل هذه (الكيانات العربية الاسلامية) في المغرب والمشرق، على أرض (سوريا السريانية – الآرامية) و(بلاد الرافدين الآشورية- البابلية) و(مصر الفرعونية) و(المغرب الأمازيغي)، ولما وجدنا (عرباً) خارج شبه الجزيرة العربية إلا الفارين منها وطالبي اللجوء.

الهجوم على(السريانية) والنيل منها، أعاد الى ذاكرتنا ما كان يُعلم في كتب (التربية القومية العربية) في المدارس السورية في ستينات القرن الماضي. تلك (المناهج العنصرية) كانت تنعت الحركة (الآشورية- البابلية) بـ”الحركة الشعوبية” للنيل من (الحركة الآشورية) والاساءة للأشوريين (سرياناً كلداناً) ومن مكانتهم الوطنية وتصويرهم على أنهم (دخلاء وافدين) على سوريا والعراق . الحملة الممنهجة على (السريانية) تؤكد من جديد على سعي (البعثيين والعروبيين الاسلاميين) على اجتثاث وطمس كل ما يتعلق بالحضارة (السومرية – الأكادية – الآشورية- البابلية) من سوريا وبلاد ما بين النهرين (مهد هذه الحضارة) . إنها منهجية (الغازي المحتل)،الذي يسعى لطمس تاريخ وحضارات الشعوب الأصيلة (صاحبة الأرض) وإمحاء وجودها ليشرعن وجوده وبقاءه فيها. هذا النهج جعل من سوريا(مقبرة للثقافات)، بعد أن كانت على مر التاريخ (مهداً للحضارات وفضاءً مفتوحاً لتلاقي وتمازج الثقافات والأفكار). نعم، ليست فقط سوريا بحدودها الحالية وإنما أيضاً (سوريا الكبرى – بلاد الشام) وكذلك (بلاد ما بين النهرين)، كانت أوطاناً (سريانية آشورية) مسيحية تتحدث وتكتب بالسريانية، قبل أن يغزوها العرب المسلمين في القرن السابع الميلادي . نفي الأسد لهذه (الحقيقة التاريخية) يعد طعنة كبيرة لـ(الهوية السريانية السورية ) وهي (الهوية الوطنية) الأصيلة و الأولى لسوريا. النيل من مكانة (السريان المسيحيين السوريين) والطعن بهويتهم وحضارتهم العريقة، شكل خيبة أمل كبيرة وجديدة للمسيحيين والوطنيين السوريين، لجهة المستقبل (السياسي والحقوقي) الذي ينتظرهم في وطنهم الأم سوريا.

يُخشى أن يكون تهويل الأسد و” دق أجراس الخطر” من نمو الحالة (السريانية )، مقدمة لسن (قانون) يُجرم ويُعاقب كل سوري يدافع عن (الهوية السريانية) وكل من يشيد بها ويتحدث عنها عبر وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. الهجوم على (السريانية) ودعاتها، ( سابقة خطيرة وغير مسبوقة) في تاريخ العلاقة بين (رئيس البلاد) والآشوريين(سرياناً كلداناً) ،هذا المكون السوري الأصيل، عنه سوريا أخذت اسمها وهويتها الوطنية الأولى.

 

 

 

 

 

 

 

 

باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات.
shuosin@gmail.com