تحدثت تقارير إعلامية عن رفض عدد من اللاجئين والمهاجرن في ألمانيا التطعيم ضد فيروس كورونا.أسباب الرفض متعددة، وأبرزها انتشار الشائعات والمخاوف من الآثار الجانبية للتطعيم على الجسم، فضلا عن غياب ثقافة التطعيم في البلدان الأصلية، فهل تقابل هذه الأسباب مبادرات للتوعية؟

“اللقاح أخطر من كورونا”، هكذا جاء رد أحد المتابعين على تدوينة نشرها الطبيب السوري، علاء وهاب الذي يعمل بمستشفى نايلا بمدِينة نايلا الألمانية الواقعة بمنطقة هوف في ولاية بافاريا. إلى جانب عمله بالمستشفى، يعمل وهاب بأحد مراكز التطعيم هناك.على صفحته الشخصية على موقع التواصل الإجتماعي”فيسبوك”، كتب الطبيب السوري تدوينة أشار فيها إلى ازدياد حالات الإصابة بفيروس كورونا في المنطقة التي يقطن ويعمل بها وأهمية الإلتزام بإجراءات الوقاية. كما أشار إلى أهمية التطعيم ضد الفيروس خاصة للاجئين السوريين، وكتب:” للأسف من أصل أكثر من خمسين ألف جرعة لقاح قد يكون عدد السوريين ممن سجلوا أنفسهم للحصول عليه لا يتجاوز العشرات”. وتابع في تدوينته:“ أنا أتواجد بمركز التطعيم بشكل شبه يومي وللأسف إلى الآن لم أصادف سوري واحد سجل للحصول على اللقاح”. وأضاف:” اللقاح آمن جداً وهو الوسيلة الوحيدة للتخلص من وباء كورونا.الفيروس خطير والإصابة به يمكن أن تكون قاتلة للأشخاص الأصحاء وكذلك المرضى”.

تواصل موقع “مهاجر نيوز” مع الطبيب السوري، علاء وهاب والذي أوضح أنه من خلال معايناته اليومية، إلى جانب اطلاعه على ملاحظات عدد كبير من الأطباء السوريين الممارسين للمهنة في ألمانيا، أن هناك إحجاماً من قبل سوريين بشكل عام عن التطعيم ضد فيروس كورونا”.

العزوف عن التطعيم

مهاجر جزائري، يبلغ من العمر 46عاماً ويعيش في ألمانيا منذ عام 2002. برر أسباب رفضه التطعيم ضد كورونا في حديثه مع مهاجر نيوز قائلاً:“أعراض التطعيم غير معروفة لحد الساعة ولا توجد معلومات دقيقة حول كيفية تجاوب جسم الإنسان مع التطعيم مستقبلاً“. يعلل المهاجر الجزائري الذي يعمل بأحد مستشفيات مدينة توبنغن، رفضه للتطعيم أيضا بتأثره من تجارب أصدقاء له أخذوا التطعيم، لكنهم أصيبوا بعد ذلك بفيروس كورونا ويرى أن التطعيم في هذه الحالة مجرد “هراء”، كما أنه بحكم مكان واحتكاكه بالأطباء داخل المستشفى، يتحدثون عن رفضهم للتطعيم ويعتبرونه مجرد “لعبة سياسية“.

اللاجئة السورية أمل، المقيمة في ألمانيا رفقة زوجها وابنها، تقول أنها لاحظت خلال نقاشها مع عدد من اللاجئين في محطيها الإجتماعي حول موضوع التطعيم ضد فيروس كورونا، بأن الأمر لا يتعلق بالرفض القطعي، بل بنوع من الخوف والتوجس من الأعراض والآثار الجانبية لهذا التطعيم على أجسامهم مستقبلاً. وقالت في حديثها لـ “مهاجر نيوز“:“ لا أسميه رفض بل أسميه تروي عندما دار حوار بيني وبين البعض، توصلت إلى أنهم يريدون رؤية نتائج اللقاح أولا “.

منذ أشهر تتحدث تقارير إعلامية ألمانية عن ارتفاع عدد مرضى كورونا بين الأشخاص من أصول مهاجرة في ألمانيا.غير أنه لا توجد أرقام دقيقة في عموم البلاد حول أعداد الإصابات بين المهاجرين، فالأعداد التي تصل إلى معهد روبرت كوخ من قبل المستشفيات والمؤسسات الصحية لا تحدد هوية أو جنسية أو دين المصابين. وربطت التقارير هذا الإرتفاع بعدة أسباب منها ما يتعلق بالوعي والإلتزام بإجراءات الوقاية وهناك أيضاً الأوضاع المعيشية داخل مراكز إيواء اللاجئين، حيث الظروف الملائمة لانتشار عدوى فيروس كورونا. لهذا وضعت وزارة الصحة الألمانية الأشخاص الذين يعيشون في مساكن جماعية، منهم اللاجئون و الأشخاص بدون مأوى ضمن مجموعة الأشخاص الذين لهم الأولوية في الحصول على التطعيم وتترواح أعمارهم بين 70و 79 عاماً.

غير أن بعض المهاجرين و اللاجئين في ألمانيا يرفضون التطعيم، ويشككون في فعاليته وآثاره الجانبية على الجسم. فمنذ أن بدأت حملة التطعيم ضد كورونا في مرافق استقبال اللاجئين وكثيرون منهم يرفضون الحصول على التطعيم. وفقاَ لبيان صدر عن حكومة ولاية ساكسونيا السفلى يوم (11مايو/أيار)، فإن 20 بالمئة فقط من الأشخاص الذي حان موعدهم لتناول اللقاح، موافقون على أخذه. و هذا ما أكدته ولايات أخرى حسبما أكدت هانا هنتزي المتحدثة باسم هيئة التسجيل الحكومية.

انتشار الشائعات وغياب ثقافة التطعيم

ليس فقط في مراكز استقبال المهاجرين فحسب، إذ نشرت تقارير محلية أن نسبة قبول اللقاح تنخفض بين الأشخاص الذين هم من خلفية مهاجرة عن غيرهم. وذكرت صحيفة “بيلد” الألمانية أن وزير الصحة الألماني ينس شبان قال في اجتماع مع هيئة رئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي إن الترويج للتطعيم بين المهاجرين يمثل تحدياً كبيراً.

أوضحت مفوضة شؤون الاندماج في ولاية شمال الراين ويستفاليا سيراب غولر، أن الظروف المعيشية المتردية للعديد من المهاجرين تجعل إمكانية التقاط العدوى أكبر، كما أشارت إلى تداول الخرافات والأساطير بين مجموعات المهاجرين المختلفة. إذ يعتقد العديد من طالبي اللجوء، على سبيل المثال، أن الأشخاص الذين سيحصلون على اللقاح سيتم ترحيلهم بسهولة أكبر. ومن جهة أخرى تخشى الشابات من أن بعض اللقاحات يمكن أن تؤثر على خصوبتهن.

يرى الخبير في شؤون اللجوء والإندماج، د. ابراهيم السيد، أن موضوع الوعي يلعب دورا كبيراً في هذا الشأن، كما قال في حوار له مع مهاجر نيوز:“ غالباً ما نجد أن الأشخاص ذوي المستوى التعليمي المحدود، يؤمنون بالإشاعة، بالأخص أولئك الذين يقضون فترات طويلة على مواقع التواصل الإجتماعي مثل الفيسبوك، اليوتيوب وغيرها. فهناك بعض المأثرين ممن يريدون تحقيق نسبة أكبر من المشاهدات عن طريق الدعاية وغالباً ما يكون هؤلاء ضحايا لهذه الدعاية الغير صحيحة ودقيقة”.

من جهته ذكر الطبيب علاء وهاب، أنه من بين أسباب رفض سوريين للتطعيم، هوعدم انتشار ثقافة التطعيم في سوريا، وأوضح:“ التطعيم كان يقتصر على الفئة العمرية من اليوم الأول حتى الست سنوات وعلى شكل جرعات غير منتظمة وبمراكز تابعة للحكومة بشكل مباشر نادرا ما يتابع طبيب الأطفال موضوع اللقاحات وهذا لاحظناه بعدم وجود وثائق ودفاتر عند معظم اللاجئين حتى الأطفال منهم”. كما عرج الطبيب السوري على نقطة مهمة خلال حديثه، وهي أن غالبية الإصابات بين اللاجئين من الفئة العمرية الشابة، تمر بأعراض خفيفة، وهذا ما يجعل بعضهم لا يريدون اللقاح. كما أن موضوع الآثار الجانبية للقاح والجدل حوله، ومنه لقاح أسترازينيكا والجدل حوله صلته بحالات تجلط الدم والوفيات وتعليق عدد من الدول استخدامه، منها ألمانيا، أكد مخاوف وقناعات اللاجئين من أن اللقاح غير آمن وأن أضراره قد تكون أكبر من أضرار فيروس كورونا”.

المبادرات الفردية غير كافية!

ترى مفوضة شؤون الاندماج في ولاية شمال الراين ويستفاليا سيراب غولر ضعف استعداد المهاجرين للتطعيم في المقام الأول على أنه مشكلة لها علاقة بالتواصل واللغة. إذ قالت “لا يزال يتعين علينا القيام بحملة توعية أفضل باللغات المعنية”. من جهته يرى الخبير في شؤون اللجوء والإندماج، إبراهيم السيد، أن الإشكالية تكمن في أن” جزء كبير من التوعية الموجهة للاجئين والمهاجرين بشكل عام، لازال يقتصر لحد الآن على الشكل المطبوع، وخصوصاً على الملصقات والنشرات. في حين أن مجتمع اللاجئين غالباً ما يفضل ما هو مرئي أو مسموع لأنه يوصل الرسالة بشكل أسرع“.

يرجع الطبيب السوري، علاء وهاب أن الإشكالية تكمن في أن الكثير من المعلومات الخاطئة عن كورونا والتطعيم ضد كورونا منتشرة على وسائل التواصل الإجتماعي، هي باللغة العربية.“ لازالت اللغة العربية هي المصدر الأول للمعلومات لدى اللاجئين. منها بعض البرامج التي تتناول نظريات المؤامرة حول اللقاح وتغييره للبنية الجينية للإنسان وغيرها، في المقابل لا يوجد توضيح كاف عن خطورة كورونا باللغة العربية. قبل ثلاث أشهر تقريباً انتشرت بعض المنشورات باللغة العربية على وسائل التواصل الإجتماعي من وزارة الصحة الألمانية حول إجراءات الوقاية وغيرها، لكن هذه الخطوة جاءت متأخرة إلى حد كبير”.

أشار الطبيب إلى وجود مبادرات فردية من قبل عيادات يعمل بها أطباء سوريين عبر وسائل التواصل الإجتماعي شرحت أهمية التطعيم وحاولوا إيصال رسالة للسوريين واللاجئين عن أهمية اللقاح وآثاره الجانبية الخفيفة، مع ذلك يقول أن الإقبال على التطعيم لا زال ضعيفاً، إذ ينقص الإهتمام على المستوى الرسمي، من قبل وزارة الصحة الألمانية للتطرق لهذا الأمر باللغة العربية.

في ختام حديثه أكد الطبيب على أن عائق اللغة لازال قائماً، على رغم من أن غالبية اللاجئين باتوا يتقنون اللغة الألمانية، إلا أن المعلومات الطبية باللغة الألمانية معقدة بشكل أكبر وجزء كبير من الأهالي لا زال يعتمد على الأطفال بموضوع الترجمة.“الطفل غير قادر على إيصال وشرح معلومة طبية معقدة بشكل جيد و بالتالي عائق اللغة لا زال قائماً”.