“أفرغت الكثيرَ من وجع روحي لتصير كلمات على سطح الورق” هكذا لخصت الإعلامية والكاتبة “سعاد قطناني” فكرة  كتابها “الشراقة.. ما قيل وما لم يقل في برنامج يا حريّة” الصادر حديثاً عن دار “موزاييك” في تركيا، ساردة فيه عبر  370 صفحة من القطع الكبير حكايات وشهادات عدد من المعتقلين السابقين الذين قضوا سنوات عديدة في زنازين النظام كـ”مصطفى خليفة” صاحب رواية “القوقعة”، و”محمد برو” صاحب كتاب “ناج من المقصلة”، إضافة إلى “فدوى محمود، رياض أولر، مالك داغستاني، تهامة معروف، حسن النيفي، إبراهيم بيرقدار، عمر الشغري، رزان محمد، باسل هيلم، ونظمي محمد”.
وتنحو “قطناني” وغيرهم، وبطبيعة عملها الصحفي الاستقصائي الذي يبحث عن الحقيقة اهتمت “قطناني” بهذه الشهادات وعملت على تدوينها بلغة أدبية متوهجة تنضح بالألم الشفيف، ومعتمدة منهجية التوثيق والدقة والموضوعية.
و”سعاد قطناني” فلسطينية الأصل سورية المولد والنشأة، ولدت في مدينة اللاذقية، وكبرت وتعلمت في مدينة دمشق، درست الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق، وبدأت خطوات عملها الأولى في الإعلام في الإمارات كمذيعة أخبار في “تلفزيون وإذاعة الشارقة”، وعملت أيضاً في إعداد وتقديم البرامج السياسية والثقافية، وعملت بعدها في تلفزيون “إنفينيتي” كمعدة ومذيعة ثم هاجرت مع عائلتها إلى كندا وهناك حصلت على شهادة في أساسيات الإعلام والاتصال من كلية “كونوستوغا” ثم عملت في محطة “بي بي سي عربي” في لندن وبعدها جاءت إلى إسطنبول وعملت كمعدة ومنتجة ومقدمة برامج، ثم كمديرة لقسم البرامج في تلفزيون “سوريا”، كما ترافق عملها في الإعلام المرئي بالكتابة في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية مثل “القدس العربي” وموقع “ألف” وغيرها من الصحف والمواقع.
وحول كتابها الجديد “الشراقة” الذي يتضمن شهادات ومعلومات وحقائق دامغة على إجرام نظام الأسد ومتى، وكيف بدأت فكرة تأليفه تقول “قطناني” لـ”زمان الوصل” إن فكرة الكتاب بدأت أثناء عملها في برنامج “يا حرية”، فمن ناحية كانت تشعر أن كل اللقاءات، وما كان يجري من حديث قبلها وبعدها والتفاصيل الكثيرة في أثناء اللقاء لا يمكن لبرنامج مدته نصف ساعة أن يتحملها، فلجأت إلى تدوين الملاحظات كنواة لتدوين كل الشهادات في كتاب وعندما توفر لها الوقت اللازم أنجزت هذا المشروع.
ورغم الانتشار الكبير لبرنامج “ياحرية “كانت “قطناني” تلتقي بمن يقول لها إنه لم يستطع أن يحضر أكثر من حلقة من البرنامج لما فيه من آلام وأوجاع رغم أنها كانت تجهد لتكثيف الشهادات وفي بعض الأحيان لم تعرضها كلها لفداحتها، ولهذا كان هذا الكتاب، لأنه دائما هناك من يستطيع أن يقرأ هذا الألم ولا يستطيع مشاهدته.
ونوّهت مؤلفة “الشراقة” إلى أن العمل التلفزيوني قد يكون طويلاً، ولكن عمر الكتاب قد يكون أطول وإمكانية ترجمته واستخدامه كوثيقة في الهيئات الدولية المعنية بالعدالة يكون أسهل.
لا تمر شهادة في ثنايا الكتاب من ذكر كلمة “الشراقة” كمفردة مترافقة ليوميات السجن والمعتقل وحول مغزى ودلالات اختيارها هذه المفردة عنواناً للكتاب أشارت “قطناني” إلى أنها بدأت بعد الانتهاء من الكتاب بالبحث عن اسم من الكتاب أردفت: “كان لدي الكثير من الاقتراحات التي تعنى بمفردات الاعتقال ويومياته، وكان من بين الاقتراحات اسم (الشراقة) الذي تم اعتماده بعد التصويت عليه في عائلتي الصغيرة كمرادف واقعي ورمزي لسجون الأسد، وخاصة أن (الشراقة) عندما تفتح لا تفتح على الفضاء والضوء، بل تفتح لتلقي أوامر السجان”.
وعن ظروف تأليف الكتاب بمادته الخام، وهل كان من السهل عليها الوصول إلى المصادر والشهادات وخصوصاً أنهم يعيشون في بلدان شتى أبانت محدثتنا أن المادة الخام لكتابها هي ساعات اللقاءات الممتدة التي أجرتها في برنامج “يا حرية” دون أي عمليات مونتاج وهي تختزل وتكثف الحكاية بكل تفاصيلها، مضيفة أنها أنشأت جداول تحتوي أسماء المعتقلين والمعتقلات، وكانت –حسب قولها- حريصة أن تحتوي على شهادات من عهدي الأسد الأب والابن، كما حرصت على أن تتنوع هذه الشهادات سواء بالمعنى الإيديولوجي أو الفكري، وكذلك بالمعنى المناطقي والإثني، كما حرصت على أن تغطي  هذه الشهادات مساحة سوريا من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
ونوهت مؤلفة الكتاب إلى أنها استعانت بالشبكة السورية لحقوق الإنسان للتأكد من بعض المعلومات أو الأشخاص أو الشهادات بما يتعلق بالتجارب بعد عام 2011  ولم يتقاعسوا عن مساعدتها ومنهم مدير الشبكة “فضل عبد الغني” والناشطة “نور الخطيب”.
وحول المنهجية التي اعتمدتها في تأليف الكتاب نوهت “قطناني” إلى أنها عادت إلى تقارير “أمنستي” أو “هيومان رايتس ووتش”، إضافة للاستعانة بالشبكة السورية لحقوق الإنسان لتتأكد من تطابق شهادات الناجين مع ما تم ذكره بما يتعلق بشخص أو فرع أو طريقة تعذيب، إضافة إلى التقارير الصحفية في الصحف والمجلات المرموقة للتأكد من هذه الشهادات، لذلك جاء العمل -كما تقول- منهجياً بما توفر لديها من أدوات للتوثيق.
وحول تأثير القصص التي دونتها في داخلها بما تحمل من الألم والمأساوية أشارت محدثتنا إلى أن استعادة الحكايات التي دونتها كان مؤلماً للغاية أثناء العمل التلفزيوني، ولم تكدْ تنتهي من هذا الألم حتى صارت فيلماً توثيقياً وذلك لكثرة تكرار الجمل في المونتاج أو أثناء التفريغ أو كتابة المشاهد الدرامية.
وتابعت بنبرة مؤثرة: “ما أذهلني أثناء تدوين هذه الشهادات وكتابتها كحكاية ضمن كتاب.. كان الألم يعود طازجاً وطرياً في روحي وكأني أسمع هذا الهول والوجع لأول مرة”.
واستدركت أن “الطاقة اللازمة للكتابة وإعادة سرد الحكاية كان جهداً روحياً عالياً: “لم أكن أتوقع أن أعود أبكي وأنا  أكتب الحكايات، لم أكن أتوقع أن يضيق صدري وأنا أصف الزنزانة وكأني أستعيد حسها عند المعتقل أو المعتقلة” وأضافت في العمل التلفزيوني كان هناك ألم المستمع وألم الشاهد لأكون في الكتاب أنا الشاهد وأنا المستمع، أستعيد وقع الألم عندي وعنده”!
وعبرت “قطاني” عن اعتقادها بأن العمل التلفزيوني بشروطه المعروفة غير قادر على الإلمام بكل جوانب الحكاية: “غاب أثر الألم فيّ، وفي بعض الأحيان لم تستطع الكلمات أن تعبر عما يمكن أن يقال فكانت العبارات تتقطع واللغة تتكسر عند الناجين والناجيات”، مضيفة أن تحويل الأوجاع إلى كلمات هو ما استطاعت أن تفعله في هذا الكتاب فالمساحة مفتوحة للكلام، والورق الأبيض يتسع مهما ضاقت العبارات.

ومن المقرر أن يكون هناك جزءاً ثانياً لكتاب “الشراقة” استكمالًا لشهادات وثائقيّة عُرضت في برنامج “يا حريّة” الذي بثّ عبر “تلفزيون سوريا”، كما أفصحت “قطناني”، مضيفة أن الجزء الثاني سيحتوي شهادات الجزء الثاني من برنامج “يا حرية”: “رشا شربجي، عمر إدلبي، لينا الوفائي، مريم خليف، منار جابر، بدر زكريا، براء السراج، غسان النجار، جلال مندو، جورج صبرا، وأحمد حمادة،والراحل سلامة كيلة”.

 

 

 

 

 

 

 

 

فارس الرفاعي – زمان الوصل