كان جلادان أحدهما يلقب بـ”عزرائيل” والآخر “أبو شاكوش” يُخرجان عدداً من المساجين في مشفى “يوسف العظمة” أو “المزة العسكري” (601) إلى الباحة الخارجية ويُجريان لهم محاكمة أطلقا عليها “المحاكمة الإلهية” لأن السجان في نهايتها كان يقول لمعتقل ما “حكمت عليك المحكمة الإلهية بالقتل”، ويقتله بعدها بطرق متعددة.
هذه واحدة من صور التعذيب والتصفية التي كانت تجري داخل أسوار المشفى سيئ الصيت.
وروى المعتقل السابق “نورس مطر حمدان” وهو لاعب منتخب سوريا السابق في رياضة الجري لـ”زمان الوصل” أن مخابرات النظام اعتقلته بتاريخ 2/7/2012 في الفرع (227) الذي يقع في شارع التوجيه في “كفر سوسة”، وتعرض لتعذيب جهنمي، وأُصيب بتورم في قدميه لدرجة أن الديدان بدأت تخرج من جروحه المتفسخة في القدمين واليدين والظهر جراء الشبح والتعذيب والصعق الكهربائي الذي كان يتعرض له في الفرع المذكور، فتم نقله إلى المشفى (601).
وقال “حمدان” إن عناصر الفرع (227) قيدوا اسمه للذهاب إلى مشفى (601) للعلاج وتضميد الجروح، ولكنه تمنى الموت في المشفى المذكور، حسب تعبيره.
وكشف أن عناصر الفرع اقتادوه معصوب العينين ومقيد اليدين في الصندوق الخلفي لسيارة “ستيشن”.
وروى المعتقل الناجي أن التعذيب في المشفى كان يتم بالضرب بخيزرانات وقضبان بلاستيكية على الصدر بعنف ودون رحمة، فيما يتم تقييد اليد اليمنى للمعتقل إلى طرف السرير الحديدي.
وكشف “حمدان” أثناء حديثه عبر ماسنجر مع “زمان الوصل” عن آثار وندبات لا يزال يعاني منه في مختلف أنحاء جسده، رغم مرور أكثر من 10 سنوات على الاعتقال، وكان المعتقلون الذين يراد تعذيبهم يوضعون ضمن غرف داخل المشفى سيئ الصيت في الطابق الأول، ومن كان يخرج إلى الحمام في هذه الغرف يرى عشرات المعتقلين الشبان والأطفال وكبار السن في الكوردورات في أوضاع مأساوية.
وكشف محدثنا أن من الجلادين الذين تناوبوا على تعذيبه عنصرا يلقب بـ”عزرائيل” من عائلة “شحود”، ينحدر من محافظة طرطوس، وكل من اعتقل في هذا المشفى أو تم جلبه من الفروع الأمنية يعرف هذا الشبيح، مضيفاً أن “عزرائيل” الذي كانت تفوح منه رائحة الخمر باستمرار كان يصفي بشكل يومي ما لا يقل عن 3 معتقلين، وربما وصل العدد إلى  أكثر من 10.
وروى المصدر أن المسمى “عزرائيل” قتل أثناء اعتقاله 12 معتقلاً دفعة واحدة بعد أن أخبرهم أنه “مكلف من الله بقتلهم”، فكان يطلب من المعتقل منهم الجلوس جاثيا، ليقتله بضربة واحدة ببوري “أنبوب” حديدي خلف الرقبة أو على الرأس مباشرة، ثم يجر الجثة إلى الحمام لُتجمع مع أخواتها بعد أيام.
وكشف محدثنا أن هذا الجلاد كان يناوب في المشفى منذ الساعة السادسة مساء كل يوم إلى السابعة صباح اليوم التالي، وخلال الفترة التي لا يكون فيها يقوم المعتقلون برفع “الطماشة” عن أعينهم بواسطة ركبهم لأنهم كانوا مقيدي الأيدي أيضاً ويراقبون الساحة من نافذة الزنزانة، ويشاهدون عشرات المعتقلين العرايا إلا من اللباس الداخلي مكوّمين فوق بعضهم البعض وأكثرهم في حالة من اللاوعي وبعضهم توفي لأن أجسادهم لم تقاوم التعذيب.
قبل أن يتم نقلهم إلى موقف السيارات الذي التقط فيه قيصر الكثير من صوره للمتوفين تحت التعذيب.
من جراء التعذيب الذي تعرض له “حمدان”، فقد أسنانه الأمامية وانكسرت ثلاثة من أضلع صدره جراء ارتطام رأسه بكرسي حديدي إذ اعتاد الجلادون-كمايقول- على إدخال رأس ويدي المعتقل فيه وكان للكرسي يد ملحومة يتم سحبها، فينطوي ظهر المعتقل إلى الخلف ويشعر بآلام شديدة لا تطاق. وروى محدثنا، الذي حمل الرقم 300 في المشفى 601، أنه كان شاهداً على وفاة الكثير من المعتقلين جراء التعذيب داخل المشفى، ومنهم الصيدلاني “أسامة براوي” الذي قتل على يد “عزرائيل” في سرير مجاور له ورجل يبلغ من العمر 60 عاماً من درعا كان يعمل كسائق شاحنة براد وتم اعتقاله بسبب عدم وقوفه على حاجز أمني، وشاب كان إماماً لمسجد “القدم العسالي” وتم حرق لحيته.
ومضى المصدر سارداً تفاصيل تجربة اعتقاله في (601) التي استمرت 7 أشهر حيث أغمي عليه -كما يقول- 3 مرات ودخل في غيبوبة لمدة 7 أيام وكان رفيق له وزميل في الرياضة معتقل معه يقوم في كل حالة إغماء بسحبه من الحمام إلى الزنزانة قبل أن ينتبه عناصر السجن إلى إغمائه ويقومون بإنزاله إلى المشرحة في الطابق الأسفل ومن ثم نقله بسيارة “انتر” ودفنه في مقبرة سرية في منطقة “نجها” دون التأكد من الوفاة، كما جرت العادة.
بعد 21 يوماً تم إعادة “حمدان” إلى الفرع (227)، وبتاريخ 27/12/ 2012 تم تحويله إلى المحكمة العسكرية في المزة وهناك قرر قاض يدعى “عادل الأحمد” الإفراج عنه بعد 7 أشهر من الاعتقال، ولكن بجسد منهك وكيان محطم شأنه شأن مئات الآلاف من المعتقلين في زنازين النظام..