على مدى أيام عدة، حاول مئات المهاجرين عبور المانش من بلدات فيميرو أو بولوني سور مير أو حتى آرديلو في شمال فرنسا. المدن الواقعة جنوب كاليه تحظى بمراقبة أقل وقد تشكل رديفا لطريق بحري جديد للوصول إلى الساحل الإنكليزي. ويحاول العديد من المهاجرين، ممن لا يملكون النقود، خوض تلك الطريق من خلال الصعود إلى زوارق تستعد للمغادرة في اللحظة الأخيرة.

الساعة 6:30 صباحا، يجلس خالد على قمة الكثبان الرملية على الشاطئ يراقب شروق الشمس. يحاول هذا الشاب الإثيوبي البالغ من العمر 21 عاما، مسح الشاطئ أدناه. البحر هادئ والمكان لا يزال مهجورا. “أراقب، أشاهد المغادرين”. ينام خالد في مكان ليس ببعيد عن الشاطئ، أشار إليه بيده بشكل مبهم. وصل الشاب إلى فيميرو، وهي بلدة صغيرة ساحلية في شمال فرنسا، منذ حوالي 10 أيام.

“ما تحتاجه هو الجري بسرعة”، يقول وهو ينظر لقدميه الحافيتين وحذاء رياضي مخبأ في حقيبة ظهر بجانبه. يقول “ليس لدي نقود ولا مهرب ولا قارب”.

منذ 10 أيام، يأتي خالد إلى هنا كل صباح، بانتظار “حظه”، ويقول لمهاجرنيوز “خطتي هي البقاء هنا. أشاهد (مهاجرين) آخرين يمرون، وعندما أراهم يركضون على الشاطئ أجري باتجاههم أيضا وأحاول القفز على متن أحد الزوارق في اللحظة الأخيرة مجانا”.

“قد يرفضون السماح لك بالصعود”

المكان الذي يجلس فيه خالد مثالي. فهو يطل على شاطئ فيميرو بأكمله، ويوفر إطلالة واسعة على منطقة الكثبان الرملية المغطاة بالعشب الطويل والشجيرات، وتقع بين مدينتي فيميرو وأمبلوتوز في با دو كاليه، وتبعد عن كاليه 30 كلم فقط شمالا. في هذه الاستراحات الطبيعية يختبئ خالد ليلا بانتظار الوقت الأنسب للذهاب إلى الشاطئ.

خالد ومهاجر سوداني آخر، يقفان على الكثبان الرملية بمواجهو الشاطئ، 8 أيلول/سبتمبر 2021. مهدي شبيل / مهاجر نيوز
خالد ومهاجر سوداني آخر، يقفان على الكثبان الرملية بمواجهو الشاطئ، 8 أيلول/سبتمبر 2021. مهدي شبيل / مهاجر نيوز

على عكس النمط المعتاد المتمثل باستخدام مهربين، يحاول العديد من المهاجرين إيجاد بدائل يائسة للوصول إلى الساحل الإنكليزي. يقول خالد “لا يتم رفضك دائما. عندما نكون وحدنا، يوافق الناس على اصطحاب شخص معهم مجانا. لكن عندما يصل العديد منا إلى موقع نفس القارب، يرفضون ركوبنا”.

“الكثير من رجال الشرطة”

قبل أيام قليلة، كاد خالد أن ينجح بالصعود إلى أحد الزوارق. قال “كنت قريبا جدا من الماء… لكن تدخلت الشرطة” وتم ثقب الزورق، “منذ ذلك الحين وأنا أتجول على الشاطئ ذهابا وإيابا في الليل أنتظر فرصة أخرى”.

بعد دقائق طويلة من مراقبة المنطقة المحيطة بصمت، يقرر خالد المغادرة، “إنها 7:15 صباحا وضوء النهار بات ساطعا، لن يكون هناك المزيد من المحاولات اليوم”.

“سنحاول مرة أخرى”

قبل ذلك بساعات قليلة، حاولت مجموعة أخرى من المهاجرين السودانيين حظها من منطقة الكثبان الرملية، لكنهم لم ينجحوا. قالوا إن المهربين سرقوهم على الرغم من أنهم دفعوا خمسة آلاف يورو، إلا أنهم لم يتسلموا قاربهم مطلقا. منذ ذلك الحين، يتجولون على الشاطئ وبين الكثبان الرملية، بينما يبحثون عن خطة بديلة.

في ذلك المساء، حوالي الساعة الواحدة صباحا، توقفوا عن محاولة العبور. قال أحدهم بهدوء “سنحاول مرة أخرى”. هذا الشاب السوداني البالغ من العمر 20 عاما، والذي يتحدث الإنكليزية بطلاقة، توقف عن محاولة الهجرة من شواطئ كاليه. قال ببساطة “هناك الكثير من رجال الشرطة”.

مهاجرون يركضون باتجاه الكثبان الرملية للاختباء، 8 أيلول/سبتمبر 2021. مهدي شبيل / مهاجر نيوز
مهاجرون يركضون باتجاه الكثبان الرملية للاختباء، 8 أيلول/سبتمبر 2021. مهدي شبيل / مهاجر نيوز

على مدى أشهر، عمدت باريس ولندن إلى نشر تقنيات ومعدات (أسوار وطائرات بدون طيار وكاميرات حرارية وما إلى ذلك) وموارد بشرية (زيادة عدد الدوريات) في كاليه وغراند سانت وسانغات، للحد من انطلاق المهاجرين باتجاه بريطانيا. وفي مواجهة استحالة المرور من تلك المناطق، يبحث المهاجرون، مثل خالد وعلي، عن طرق جديدة.

تشرح مارغريت كومب ، منسقة جمعية “يوتوبيا 56” في كاليه أن المهاجرين “يتجهون إلى الجنوب من ساحل أوبال… كانت هناك دائما عمليات مغادرة من فيميرو وبولوني سور مير، لكنها لم تشكل ظاهرة. فهم يحتاجون لوقت أطول للوصول من هناك”.

“قوارب رديئة”

نفس الملاحظة من رئيس بلدية فيميرو، جان لوك دوبايل. في الأيام الأخيرة، قال إن هذه الظاهرة “تتجاوزه”. يُعتقد أن ما يقرب من 300 مهاجر يختبئون في الكثبان الرملية في الوقت الحالي، إثيوبيين وإريتريين وسودانيين… في ليلة الأحد – الاثنين، هرع العشرات منهم في نفس الوقت على الشاطئ قبل أن توقفهم الشرطة. كانت الظروف الجوية والملاحية مثالية. يقول دوبايل “إنهم يغادرون من هنا لأن الحراسة أقل”.

غالبا ما يكون النمط نفسه، وفقا للعمدة الذي يرافق دوريات الشرطة على الشواطئ، “يلتقي المهربون بالمهاجرين هنا. يرسلون إليهم إحداثيات عبر أجهزة تحديد الموقع عبر الأقمار الاصطناعية، […] يودعون الطرود [الزوارق] في مواقع الإحداثيات ليأتي المهاجرون ويأخذونها، ثم ينتظرون. يخرجون من بين الكثبان الرملية على حين غرة، يركضون معا “وهم يحملون القارب والمحرك” – الذي غالبا ما يزن حوالي 500 كيلوغرام.

رئيس بلدية فيميرو جان لوك دوبايل يتفقد أحد الزوارق المهجورة على الكثبان الرملية، 8 أيلول/سبتمبر 2021. مهدي شبيل / مهاجر نيوز
رئيس بلدية فيميرو جان لوك دوبايل يتفقد أحد الزوارق المهجورة على الكثبان الرملية، 8 أيلول/سبتمبر 2021. مهدي شبيل / مهاجر نيوز

بالنسبة للعمدة، أولا وقبل كل شيء، “إنهم يغادرون على متن قوارب رديئة… الزوارق ليست قوية بما فيه الكفاية، كما أنه هناك خطر كبير من تعرضها لأضرار أو أعطال في المحرك في عرض البحر”. يوم الأربعاء 8 أيلول/سبتمبر، تم انتشال قارب قبالة آرديلو، على بعد حوالي 10 كلم جنوب فيميرو، كان على وشك الغرق.

“لسنا هنا لتحدي المهاجرين”

“لا أريد” غابة “جديدة في بلدتي”، يقول العمدة خوفا من تكرار تجربة مخيم الغابة في كاليه.

للتعامل مع الأمر، اتصل جان لوك دوبايل مباشرة بوزارة الداخلية لطلب المساعدة وتعزيزات للشرطة. مع ذلك، تشك الشرطة في أن وجود عناصرها، حتى بكثافة، سيثني المهاجرين عن محاولة العبور. قال شرطي في دورية عند الفجر على شاطئ مدينة سلاك “لقد قطعوا كل هذا الطريق للوصول إلى أوروبا، لن يتوقفوا بالقرب من هدفهم. لديهم 100 متر فقط للوصول إلى البحر. ما زالوا يحاولون العبور”.

دورية للشرطة على شاطئ فيميرو فجر الثامن من أيلول/سبتمبر 2021. مهدي شبيل / مهاجر نيوز
دورية للشرطة على شاطئ فيميرو فجر الثامن من أيلول/سبتمبر 2021. مهدي شبيل / مهاجر نيوز

بمجرد الوصول إلى البحر، يعرف المهاجرون أنه لن يكون لديهم ما يخشونه من دوريات الشاطئ. وقال ضابط شرطة آخر “عندما يصلون المياه، يصبح الأمر بعهدة السلطات البحرية. المهاجرون يعرفون ذلك. لن نذهب للبحث عنهم في الماء. لهذا السبب يركضون بسرعة كبيرة إلى البحر في كل محاولة”.

على الشاطئ، ينحصر دور الشرطة في منع القوارب من الوصول للماء. “ما نفعله هو محاولة انتزاع القارب وتحطيمه لجعله غير صالح للاستخدام”، وفقا لضابط الشرطة، الذي أضاف “مسألة الاعتقال ليست على جدول أعمالنا. لسنا هنا لتحدي المهاجرين”.

غالبا ما يعود المهاجرون للاختباء في الكثبان الرملية بعد كل محاولة فاشلة، يرفضون الرعاية والمأوى. لكن البقاء على قيد الحياة هنا صعب للغاية. لا توجد منظمات غير حكومية في المنطقة، لذلك لا يتم ضمان توزيع المواد الغذائية عليهم.

كثير من المهاجرين مثل خالد، يغادرون كل صباح إلى كاليه “للراحة” قبل العودة في وقت مبكر من المساء إلى فيميرو وبولوني سور مير. “أنا أعيش في كاليه”، أوضح خالد في الصباح، “سأعود الآن لأنه لا يوجد شيء هنا. سآكل وأرتاح ثم أرجع”.