كابوس من الكراهية يلاحق عائلة سورية في هولندا

أمستردام، هولندا – ما الذي قد يدفع عائلة ناجية من حرب، وجدت أخيراً موطئ قدم لها في مدينة هولندية هادئة، إلى أن تطلب بنفسها إخفاء قصة نجاحها عن الأنظار؟ الإجابة تكمن في الوجه المظلم الذي كشفته هولندا هذا الأسبوع: وجه الكراهية والعنصرية الذي حول قصة أمل إلى كابوس.

بدأت القصة في مدينة كاتفايك الساحلية، عندما قررت صحيفة محلية الاحتفاء بعائلة سورية وصفت قصتها بـ”الشجاعة والإيمان والمستقبل الجديد”. لكن ما إن نُشر المقال على الإنترنت، حتى انفجر مستنقع من البغض. عشرات التعليقات العنصرية والمهينة، من حسابات حقيقية ووهمية، هاجمت العائلة لمجرد وجودها ونجاحها.
المفارقة الأكثر إيلاماً كانت أن أكثر عبارة أثارت حفيظة المهاجمين هي قول العائلة إنها “تشعر بجذورها في كاتفايك وتسعد بأهلها الطيبين”. هذه العبارة التي تعبر عن امتنان واندماج، قوبلت بوابل من الكراهية، مما دفع العائلة المذعورة إلى مطالبة الصحيفة بحذف المقال وإلغاء نشره، خوفاً من تحول التهديدات الافتراضية إلى خطر حقيقي.
رئيس تحرير الصحيفة، مارك فونينك، خرج عن صمته مندداً بما حدث، وقال في نداء عاجل: “حرية التعبير لا تعني السماح بالإهانة. ما حدث تجاوز كل الحدود”. لكن الحادثة لم تكن معزولة، بل تزامنت مع ظهور صلبان معقوفة وشعارات نازية على كثبان المدينة الرملية، في ظل صعود مقلق لليمين المتطرف الذي تصدر الانتخابات الأخيرة في المدينة.
من الفضاء العام إلى مكان العمل.. العنصرية تلاحق السوريين
لم تقتصر مأساة كاتفايك على الفضاء العام، بل امتدت لتكشف عن تمييز ممنهج في أماكن العمل. ففي مدينة هوخيفين، تقدم لاجئ سوري يدرس المحاسبة بشكوى ضد مدير الشركة التي كان يتدرب فيها.
فبدلاً من المحاسبة، كُلّف الشاب بتنظيف دورات المياه. وعندما طالب بحقه في العمل بمجال دراسته، زعم أن مديره أجابه ببرود: “نظّف دورة المياه فقط. هذا هو سبب وجودك في هولندا”.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فعندما طالب الشاب بمستحقاته المالية، تلقى رسالة إلكترونية من المدير تفيض بالعنصرية: “بأفعالك، ألحقت العار بنفسك وبعائلتك ووطنك سوريا… أنتم الأجانب تستفيدون من ازدهارنا ومدارسنا ومساكننا”.
هاتان الحادثتان، وإن اختلفتا في تفاصيلهما، ترسمان صورة قاتمة لواقع يعيشه الكثيرون بصمت. إنه الواقع الذي يتحول فيه النجاح إلى جريمة، والاندماج إلى استفزاز، والمطالبة بالحقوق إلى وقاحة. إنه جرس إنذار يدق في قلب أوروبا، محذراً من أن “التصلب المقلق للمجتمع” الذي تحدثت عنه بلدية كاتفايك، قد يكون أعمق وأخطر مما يتصور الكثيرون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى