في حكاية الشاب السوري ديلار الكثير من الألم، ليس الجسدي فقط، وإنما النفسي أيضا بعد ما حل به على إثر اعتداء فقد بعده الكثير. لكن ألمه لم يجعله نادما على المساعدة التي قدمها لفتاة كانت تتعرض في أحد شوارع فيينا للتحرش. فما قصته؟ وهل هو ضحية عنصرية بسبب خلفيته المهاجرة فعلا؟
وصل الشاب السوري إلى النمسا بداية 2015، وهو لا يتجاوز الـ 22 من عمره بعد، فاراً من التجنيد الإجباري في بلده، مجتازا رحلة لجوء قاسية كغيره من آلاف الشباب السوريين.
لم يتوقع ديلار الذي رأى في اللجوء إلى بلد آمن أن يصير حاله أسوء من قبل بسبب اعتداء وحشي، تعرض له بسبب تطوعه لمساعدة شابة كانت ضحية تحرش مجموعة من الشباب في إحدى الليالي التي تسبق الحجر الصحي الذي رافق فترة كورونا قبل سنتين.
ما قبل الحادثة!
“مسار اللجوء في النمسا كان سهلا”، يحكي ديلار أنه لم يتطلب منه الأمر سوى شهر للحصول على كل الوثائق والإقامة الخاصة باللاجئين. كما أنه أتم دراسة مستويين من اللغة ليبدأ العمل رسميا بعد ما يناهز السنة والنصف، ليتخلى عن دعم الدولة بعد استقراره جيدا في عمله، وبعدها صار معتمدا تماما على نفسه ماديا.
“أموري كانت على خير ما يرام منذ وصولي إلى النمسا، جسديا ونفسيا وعلى المستوى المادي والإقامة القانونية، كل أمور حياتي كانت سليمة ومنظمة، ولم تواجهني يوما أي مشاكل أيا كان نوعها”. إلا أن هذا الهدوء قد غاب عنه منذ ليلة الحادثة، إذ انقلب إلى فاجعة، وحدث ذلك بالضبط مساء يوم الاثنين 24 مايو/أيار 2021. في هذا المساء اختار خلاله ديلار عدم البقاء وحيدا في المنزل، وزيارة صديقه للذهاب في جولة ليلية في شوارع وسط العاصمة فيينا.
ليلة دامية!
“هناك رأيت شابة قد حاصرها ثلاثة شباب في ركن من شارع رئيسي بوسط المدينة، كانوا يتحرشون بها ويحاولون الاعتداء عليها بالقوة فقررت التدخل. تظاهرت بأني واحد من أقاربها، ودخلت بين الشباب الثلاثة وسحبتها لأجل تخليصها منهم، لقد كانت مذعورة للغاية، فبقيت أراقبها إلى أن غادرت”.
؟
؟
بعد ذلك يحكي ديلار أنه كان يحاول أن يهدئ الوضع مع الشباب الثلاثة، الذين حاولوا منذ البداية أن يعتدوا أو يفتعلوا شجارا معه ومع صديقه. يقول “لكني تفاديتهم بهدوء وبقيت مكاني إلى أن تأكدت أنهم غادروا المكان فعلا، حتى لا يتتبعونا رغبة في الانتقام. لكن للأسف هذا ما حصل بالضبط، لقد تبعونا إلى منزل صديقي دون أن نشعر بذلك، وهجموا علينا داخل المنزل، أسقطوا صديقي أرضا وضربني أحدهم بزجاجة مشروب كحولي على وجهي، فأغمي علي تماما وغرقت في دمي”.
اتصل صديق ديلار بالشرطة وسيارة الإسعاف، لكن لم يتم تسجيل محضر بما حصل وقتها، حسب ما يحكيه الشاب السوري. “عاينت الشرطة مكان الحادث وذهبوا دون تسجيل الشكوى، وتم نقلي إلى المستشفى. هناك أيضا رغم أنني كنت في وضع حرج، لم يسألني أحد عن الحادث، ولم يتم استدعاء الشرطة للتأكد من أن يأخذ التحقيق مجراه العادي والفوري. فبقي الوضع مبهما إلى غاية خروجي من المشفى، بعد إجراء العملية الضرورية، والقدرة على المشي، أي بعد تسعة أيام. حينها اتجهت إلى مركز الشرطة لتقديم بلاغ بالمعتدين”.
على إثر الاعتداء تضررت عين ديلار كثيرا ولم يعد يبصر بها، كما أن الضربة بزجاجة المشروب الكحولي كبيرة الحجم، تسببت أيضا في فقدانه خمس أسنان على إثر العملية الثالثة التي كانت ضرورية لإصلاح ثقب في عظم الجفن، حسب قوله.
ظروف زادت من حدة الأزمة الصحية!
في ظل هذه الظروف الصحية العصيبة فقد ديلار عمله، وتوقف في ذات الآن تأمينه الصحي، كما لم يعد يستفيد من التعويضات المالية التي تقدمها الدولة، وهنا تفاجئ بأن عليه أن يدفع للمستشفى 9 آلاف يورو وهو ثمن العملية الجراحية التي خضع لها على مستوى العين، بعدما فقد عدسة عينه وتم تعويضها بأخرى طبية.
من حظ ديلار أن الشابة التي تدخل لإنقاذها من التحرش كانت قد سجلت رفقة صديقتها فيديو يظهر فيه الشباب المعتدون، خاصة من قام بالاعتداء عليه بالضرب بالقنينة الزجاجية، وقد وفر هو والشابة هذا الفيديو للشرطة بعد الحادث. لكن ديلار خلال حديثه لمهاجر نيوز، عبر عن استغرابه كثيراً لعدم استعمال الفيديو للبحث عن المعتدي، وعدم اتخاذ الإجراءات الروتينية مثل توزيع صورته وإصدار مذكرة بحث عنه اعتمادا عليها.
؟
؟
هذا الأمر لم يستصغه ديلار إلى اليوم، معتبرا أنه “نوع من العنصرية في تعامل الشرطة مع ملفه إذ قال “حتى المحامي الذي تطوع للترافع في قضيتي، قال لي لو كنت نمساويا لكن تعاملهم مع الشكاية مختلفا، لم يقوموا بأي مجهود ولو بسيط لأجل إلقاء القبض على المعتدي”.
كما أن ديلار أكد أن “قناة تلفزيونية نمساوية محلية حصلت في تلك الفترة على نسخة من الفيديو، وبثت مقطعا منه بعد تشويش الوجه في احترام تام للقانون، ما يعني أن ادعاء الشرطة طيلة سنتين بأنهم لا يتوفرون على صورة المتهم من أجل تعميمها في إطار البحث عنه كان أمرا غير قانوني وعنصرية واضحة”.
خذلان من عدة مؤسسات!
يقول ديلار أنه شعر بالخذلان من “تعامل الشرطة مع شكواي وملف قضيتي، كما أن التأمين وصاحب العمل الأخير الذي عملت معه، صعبوا علي الحياة بعد الحادثة، لقد خذلوني فعلا”.
وضعه الصحي بعد العمليات الجراحية المتتالية التي خضع لها والصدمة النفسية من وضعه المادي وفقدانه بصر عينه وعمله، جعلته غير قادر على متابعة التفاصيل الدقيقة للقضية بشكل يومي، يقول “كانت صحتي جد متدهورة ولم يكن لدي من يساعدني على تدبر أموري الإدارية والمعاملات الورقية كل يوم لتسوية وضعيتي وإيجاد حلول للمال الذي يجب أن أدفعه”.
لكن ديلار لا ينفي أنه بعد بضعة أشهر، قررت سيدة نمساوية سمعت بقصته هي وأسرتها مد يد العون له أكثر من مرة، وأيضا كانوا يتابعون مجرى القضية لمدة طويلة.
؟
؟
بعد سنتين من الحادثة، تدخلت برلمانية من حزب الخضر توصلت بتفاصيل القضية، وحاول مكتبها الاستفسار من الشرطة عن سبب التراخي في قضية الشاب السوري ديلار، حسب تصريحه لمهاجر نيوز. “بعد أسبوعين من تدخلها، نشرت الصورة التي كانت متوفرة منذ البداية لدى الشرطة، التي اختارت طيلة هذه المدة عدم استعمالها نهائيا للبحث عن المعتدي، حتى أن جريدة محلية عنونت الخبر باستغراب الكاتب من إخفاء الصورة طول هذه المدة”. لكن ولحدود الساعة، لم يتم الوصول إلى المعتدي، “وهو أمر يوضح أن هناك تماطلا في البحث عنه” يقول ديلار.
؟
؟
؟
ماجدة بوعزة