توفي في اسطنبول صباح الخميس الشيخ “عبد القادر قويدر” عن عمر ناهز التسعين عاماً بعد حياة حافلة بالدعوة إلى الله تعالى والجهر بالحق ومنافحة الطغاة.
ونعت هيئة علماء فلسطين الشيخ قويدر واصفة إياه بـ “أحد علماء سوريا الذين ناهضوا الظلم والطغيان وهُجِّروا في الأرض في ثمانينيات القرن الماضي”.
وينحدر الشيخ “عبد القادر حسن قويدر” من حي “الميدان” الدمشقي لعائلة تعد من وجهاء دمشق وتنتسب إلى الجد الأكبر الحاج “قويدر بن محمد سكرية” من وجهاء حي “الميدان” أواخر القرن 18، ومن ذرية “عثمان بن طلحة الحجبي” من “بني شيبة” الذي كان في يده مفتاح الكعبة زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وعُرف الشيخ الراحل بموقفه المشرف حيال حادثة إجبار السوريات على خلع الحجاب بالإكراه، من قبل مظليات رفعت الأسد أمام أعين المارة في الشوارع والأمكنة العامة في دمشق خريف عام 1980، وهي الحادثة التي هزت الشام. فيما لم يصدر عن علماء آخرين أي تنديد أو استنكار ومنهم مفتي الجمهورية حينها “أحمد كفتارو” عندما توجه إليه “الشّيخ فؤاد شميس” وهو أحد العلماء التّجّار المرموقين في دمشق وطالبه بالتّحرّك، فكان جواب “كفتارو” له اعتذاريًّا بتلطّف: “يا شيخ فؤاد الأمر أكبر منّا جميعًا”.
وروى “د. أحمد فؤاد شميس” في منشور على صفحته في “فيسبوك” أن “قويدر كان يصلي الجمعة حينها في جامع المنصور بحي الميدان، وبعد انتهاء الخطبة التي كان يلقيها الشيخ محمد كريم راجح، ارتقى قويدر المنبر بقوة، متأبطاً قطعة قماش بيضاء وبدأ يخطب وكأنه منذر حرب، بصوت جهوري، يندد ويستنكر العمل الإجرامي الذي قام به أولئك السفلة، ثم توعدهم بالويل والثبور وتناول الطاغية المقبور وأخاه الضليل رفعت باسميها جهرة، معلناً أنه لا بخاف إلا من ربه، وهذا كفنه تحت إبطه، جاهزاً للموت، مدافعاً عن شرف و كرامة وعفة نساء وبنات الشام الطاهرات العفيفات”.
وأضاف “شميس” سارداً تفاصيل ما حدث آنذاك بأن “قوات القمع والظلم جاءت بعد دقائق قليلة، وطوقت المسجد والشوارع المحيطة به يبحثون عن ذلك الرجل الشجاع، ولكن الله أنجاه منهم، فقد دخل أحد المحلات، وجلس مع بعض سكان تلك المنطقة، ودخلت مجموعة من قوات الأمن إلى المحل ذاته، يستشيطون غضباً، فأغشى الله أبصارهم و لم يروه، فنجا منهم بفضل الله”.
بعد هذه الحادثة طلب أهل “قويدر” وأحبابه منه الهجرة إلى الأردن فهاجر واستلم جامع الفيحاء في عَمان، فكان فيه الخطيب والمدرس والداعية المخلص.
وروى “شميس” أنه التقى الشيخ “قويدر” في عمان منذ سنوات، فقال له:كيف لم ترك قوات القمع يومها؟ فرد عليه: يا أخي أحمد “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” والنجاة من الظالمين مخرج ورزق من الله”.
ودأب “قويدر” على إعطاء دروس دينية صباح كل خميس في مسجد “الفيحاء” بحي “الشميساني” في العاصمة الأردنية عمان، وكانت تجتمع حوله نخبة من الطلبة والمحبين وأهل الفضل، يعظهم ويرشدهم ويفيدهم -كما يقول- تلميذه الدكتور المغربي “حمزة الكتاني”، مضيفاً أن الشيخ الراحل كان -رحمه الله تعالى – بشوشاً دمث الأخلاق، متواضعًا، لا يتميز بلباس ولا بمقام، محترما مهيبا من الجميع، محبا للجميع، شديداً في الولاء والبراء، والغيرة على الدين ومحارم الله تعالى.

وفي نهاية التسعينات حصل عفو عام، فزار دمشق مرات، ودرس أبناءه بمعهد الفتح بها ومع بداية الثورة على النظام انتقل إلى اسطنبول ليعيش فيها إلى أن وافته المنية ليدفن في مقبرة “أدرنة كابي” بمنطقة الصحابي “أبي أيوب الأنصاري”.

 

 

 

 

 

 

 

 

فارس الرفاعي – زمان الوصل