مثل خرقة بالية، رمى رفعت الأسد عشرات من أتباعه في فرنسا، ليقاسوا العوز الشديد، وليصلوا حد تسول حتى الماء والكهرباء، وهو الذي سبق أن اصطحبهم معه عندما خرج من سوريا، لينفق عليهم من أموال السوريين التي نهبها، علهم يواصلون الهتاف بحياة “القائد” كما يحب رفعت أن ينادى.
فقد دخلت وكالة الصحافة الفرنسية إلى واحد من أهم أملاك رفعت التي يفترض أن القضاء المحلي حكم بمصادرتها مؤخرا، وهي مزرعة خيول شاسعة (تعادل 40 هكتارا)، وتمثل ما يشبه قلعة حصينة فيها مسبح عام واسطبلات وأجنحة ومنازل.
“فرانس برس” لم تكتف بالكلمات لرسم صورة الوضع الذي يعيشه أتباع “رفعت” المنبوذين والمنسيين حاليا، بل اختارت أيضا التقاط مقطع مصور، يظهر إلى أي مدى تآكلت مباني المزرعة الواسعة، وتراجع حال سكانها، مع تآكل مكانة “رفعت” المالية بعد الحجز على أصوله وممتلكاته في أكثر من بلد أوروبي.
وقالت الوكالة الفرنسية إن مزرعة رفعت تقع على طرف غابة في شمال باريس، حيث يعيش عشرات من “رعاياه” في مكان “آمن”، وقد قطنوا هنا لعقود، كان خلالها رفعت يتكفل فيها بسداد فواتيرهم، لكنهم الآن صاروا حتى بلا ماء ولا كهرباء بعد أن انقطع دعم “رفعت”.
“محسن أسعد” واحد من الأتباع الذين تقدم بهم العمر، وتدهورت بهم صحتهم، حتى بات لا يستطيع أن يتابع حياته دون جهاز تنفس صناعي، وبما إن الكهرباء مقطوعة عن المزرعة لتراكم الديون، فإن “محسن” يضطر للذهاب إلى منزل ابنته لتوصيل جهاز التنفس الاصطناعي وكذلك الاغتسال.
وتقول زوجته “فتحية” إنها تخشى على زوجها من الهلاك، إذ إن انقطاع الكهرباء عن الجهاز الطبي يعني انقطاع أنفاسه.
المزرعة الواقعة في بلدة “بيسانكور” على بعد 27 كيلومترا من باريس، حولها “رفعت” إلى مستعمرة لأتباعه، ووطن فيها الكثيرين منهم، بقي منهم حتى اليوم 79 شخصا، كما يفيد “حسين الأسد”، الذي عمل مترجما لقريبه رفعت.
غادر “حسين” اللاذقية عام 1984، ومن يوم أن أُسكن لم يدفع أي أجرة لمنزله في “بيسانكور”، بل إنه ليس لديه عقد باسمه، فأنصار “رفعت” مهما علت مكانتهم بقوا مجرد أتباع وأرقام بجانب “القائد”.
ولكن مع تصدي أكثر من محكمة أوروبية للنظر في دعاوى ضد “رفعت”، تغير الحال كثيرا في السنوات الأخيرة، وبات الأتباع بلا “مظلة”، تماما كحالهم اليوم وهم يعيشون في المزرعة ضمن مساكن غزت الثقوب سقوفها.
تسلط العدسة بؤرتها على وجه رجل بملامح قاسية، ما يزال محافظا على لهجة منطقته، ليري من يعدون التقرير كيف يضغط على زر الإنارة مرات ومرات، ولكن بلا فائدة، فلا كهرباء على الإطلاق في المكان، ولهذا فهو يلجأ حسب قوله لاستئجار غرفة في أحد الفنادق من أجل أن يستحم!.. اللافت أن الرجل أكد في ختام حديثه القصير أنه كان يعمل حارسا عند “رفعت الأسد”.. هكذا لفظها تماما مجردة من أي لقب تفخيم، وهذا بحد ذاته يوضح إلى أين وصلت صورة شخص كان أتباعه يفرطون في تقديسه، ويحاذرون أن يتلفظوا باسمه دون تمجيد.
وعلى غرار غيره من الأتباع المنسيين، يكافح “علي صايمة” من أجل إعالة نفسه ووالدته التي يعيش معها، بعد أن رفع “رفعت” كل غطاء تمويلي عنهم، “صايمة” استطاع توفير موقد لطهي الطعام وتأمين الماء الساخن للاستحمام، لكن قارورة الغاز “نفدت”، وهكذا بات بلا مصدر للطاقة، ودخل في وضع متدهور من ناحية الطعام وحتى النظافة الشخصية.
بالمقابل، يقول رئيس بلدية”بيسانكور”، جان كريستوف بوليه، إن رفعت الأسد خلف وراءه ديونا تعادل 200 ألف يورو، مسجلة على حساب المزرعة، حيث لم يعد يدفع الفواتير ولا باقي النفقات.
ومطلع الشهر الحالي، قرر مسؤولو شركة الكهرباء الفرنسية قطع التيار الكهربائي نهائيا عن مزرعة “رفعت”، بعد أن حكم القضاء بمصادرة أملاك له تقدر بـ90 مليون يورو، فضلا عن حبسه 4 سنوات.
ومن قصره المترف في لندن، سارع “سوار” أحد أبناء “رفعت الأسد” للاتصال بالصحافيين الفرنسيين الذين وصله خبر نبأ اختراقهم قلعة من قلاع أبيه، فبادرهم بالقول إن والده “اعتنى بهذه العائلات لمدة 30 عاما”، وإن توقفه عن دفع الفواتير إنما كان بسبب “مصادرة الممتلكات والحسابات المصرفية”.