تم القبض على المتهمين الرئيسيين في قضية “شاحنة الموت”، التي راح ضحيتها 39 فيتناميا في عام 2019، حيث حُكم عليهم بالسجن لمدة تترواح بين 8 إلى 10 سنوات، من قبل محكمة في باريس. ومن جانبهم، أعلن محامو الدفاع أنهم سيقدمون استئنافا على الحكم.

 

في يوم الجمعة 10 تشرين الثاني/نوفمبر، حُكم على توني، 39 عاما، ودوك، 23 عاما، بالسجن لمدة 10 سنوات، وذلك لتورطهما في قضية شاحنة المهاجرين، التي راح ضحيتها 39 مهاجرا فيتناميا عام 2019 في المملكة المتحدة.

 

وجاء قرار المحكمة بعد جلسات استمرت ثلاثة أسابيع، وفرضت المحكمة أقصى عقوبة على جريمة المساعدة على الدخول أو الإقامة غير القانونية لأجنبي، والتي تم ارتكابها كجزء من عصابة منظمة، وكذلك جريمة القتل غير العمد. ورافق هذه الأحكام حظر كامل من التواجد على الأراضي الفرنسية.

 

أما هوانغ وتانغ ولونغ، الذي كان غائبا عن صندوق الاتهام بسبب حالته الصحية، فحُكم عليهم بالسجن تسع سنوات للأسباب نفسها. بينما حُكم على أصغرهم، توان، 21 عاما، بالسجن ثماني سنوات. وتعتبر السلطات المتهمين الأخيرين، تانه وتوان، هاربين، لكن ذلك لم يمنع المحكمة من الحكم عليهما بالسجن لمدة أربع سنوات وسنة واحدة على التوالي، في سجن جنائي.

 

وإجمالا، تمت محاكمة 19 متهما من جنسيات فيتنامية وفرنسية وصينية وجزائرية ومغربية، في هذه القضية.

 

“قرار قانوني غير مسبوق”

 

واعتبرت المحكمة أن المتهمين متورطون في تنظيم “عبور أشخاص في أوضاع محفوفة بالمخاطر على أمل حصولهم على حياة أفضل”، وأن جريمة القتل غير العمد تم تحديدها بشكل واضح في هذه الحادثة، بالنظر إلى عدد الأشخاص الذين كانوا في مقطورة الشاحنة المبردة.

 

وقالت رئيسة المحكمة كارول بوشتر، “لقد خلقتم الظروف التي أدت إلى وفاة هؤلاء الأشخاص. لو كان عددهم أقل، ربما كانوا سيتمكنون من البقاء على قيد الحياة”. وفي يوم الثلاثاء، طلب المدعي العام السجن لمدة تتراوح بين تسع و10 سنوات للمتهمين الفيتناميين الأربعة، ممن وجهت لهم تهمة القتل الخطأ، وسبع إلى 10 سنوات للأربعة الآخرين.

 

وقال جاسبارد ليندون، محامي المدان توني، في نهاية الحكم “هذا قرار قانوني غير مسبوق في فرنسا لأنه تعامل مع الأشخاص الذين تولوا مسؤولية الأماكن التي أقام فيها المهاجرون، بنفس الطريقة التي تعامل فيها مع المهربين”. وأعرب المحامي عن أسفه إزاء هذه القرار مضيفا أنه يريد استئناف القرار، “قدمنا حججاً للدفاع في قضية القتل غير العمد، لكن المحكمة لم تأخذها بعين الاعتبار، ونأمل أن يتم الاستماع إليها في محكمة الاستئناف”.

 

من جانبه، قال هشام قدوم، أحد محاميي “الأطراف المدنية”، إنه “سعيد بإيصال أصوات الأطراف المدنية في هذه المأساة الرهيبة. نحن سعداء بأن المحكمة استمعت إلينا وأننا سلطنا الضوء على خطورة نشاط هذه الشبكات التي تتعرض اليوم لمواجهة شديدة من قبل المحاكم”.

 

السجن مع وقف التنفيذ للسائقين، وتبرئة متهم واحد فقط

 

وبالنسبة للسائقين وأصحاب العقارات الذين استقبلوا المهاجرين الضحايا أثناء رحلتهم، وعددهم 11 متهماً، كانت الأحكام الصادرة بحقهم أقل شدة بكثير. وحُكم على 10 منهم بتهمة المساعدة في دخول أجنبي غير شرعي إلى فرنسا أو الإقامة فيها، ضمن عصابة منظمة، ووصلت الأحكام إلى ثلاث سنوات في السجن، اثنتان منها مع وقف التنفيذ. ومن ناحية أخرى، تمت تبرئتهم جميعا من جريمة المشاركة في عصابة إجرامية، بناء على توصية النيابة.

 

وأوضح رئيس المحكمة أن “خطورة الأفعال تبرر حجم العقوبة”، موضحا أن المتهمين قبلوا كل أفعالهم وندموا عليها. وكانت معظم هذه الأحكام مصحوبة بغرامات تتراوح بين 2000 إلى 10 آلاف يورو.

 

ولم تبرئ المحكمة سوى سائق واحد، جودي أ.، وهو جزائري يبلغ من العمر 54 عاما، “معتبرة أنه لم يفهم وضع الركاب”. وهو أحد المتهمين النادرين الذين خاطبوا المحكمة عند النطق بالحكم. وأعلن قبل أن يجلس مرة أخرى “أود أن أعرب عن امتناني للبراءة، فمن المؤكد أنها ستكون بمثابة درس لي”.

 

الغوص في عمل شبكات التهريب

 

وخلال مرافعات الدفاع، حاول محامو المتهمين الرئيسيين تخفيف الاتهامات باستنكار غياب القيادات الرئيسية للشبكة الإجرامية عن المحاكمة. وقال جيليميت ديس بوسك، محامي الدفاع عن المتهم “تانغ”، إن “ما نشدد عليه بخصوص هؤلاء الأشخاص، هو أنهم كسبوا المال على حساب أشخاص في أوضاع هشة. بالنسبة لموكلي، نحن بعيدون كل البعد عن كونه رئيس الشبكة. موكلي يقول إنه دُفع إلى المشاركة في هذه الأعمال، لأنه هو نفسه أراد عبور المانش بتكلفة أقل”.

 

وفي اليوم السابق، حاول محامي هوانغ إسقاط التهمة عن موكله، الذي رهن كل شيء في بلاده لجمع 17 ألف جنيه إسترليني (ما يقرب من 20 ألف يورو)، لتحقيق “مشروع العمر بالوصول إلى أوروبا”. وتحدث السيد ديلان سلامة عن الآلية الجهنمية التي تدفع العديد من المهاجرين للمشاركة رغما عنهم في شبكات التهريب لدفع ثمن رحلتهم، وأحيانا بالإكراه.

 

وبعد أربع سنوات، أغلقت محكمة الجنايات في باريس قضية “شاحنة الرعب”، التي مرّت أمام المحاكم البريطانية والبلجيكية خلال السنوات الماضية. لكن وعلى الرغم من ذلك، لا يزال رؤساء الشبكات الإجرامية يمارسون أعمالهم ويجنون أرباحاً كبيرة، بينما لا يتم إلقاء القبض إلا على العناصر الصغيرة، الذين غالبا ما ينتظرون العبور إلى المملكة المتحدة. ويخلص غاسبارد ليندون إلى القول “من الواضح أنها مأساة إنسانية، لكن الرد الجنائي يجب أن يكون متناسبا، ويجب ألا يكون قرار المحكمة هذا بمثابة حيلة دعائية”.