”فنانون سوريون في المنفى، أعمال وحكايات“ اسم كتاب نشرته جمعية ”أبواب مفتوحة على الفن Portes ouvertes sur l’art“ في شهر آب/أغسطس 2020، باللغتين الإنكليزية والفرنسية، يوثق مشاهد فنية وإنسانية وسياسية عاشها فنانون سوريون تركوا بلدهم، ولحظات كامنة في ذواكرهم وأفكار تجول في خواطرهم وصورة يرون فيها أنفسهم بعد أعوام. التقى مهاجر نيوز بدنيا الدهان، إحدى أعضاء الجمعية والتي كانت مسؤولة صياغة مقدمة الكتاب وإنجاز القسم الأكبر منه. وطرح أسئلة على الفنانين نور عسلية ومحمد عمران، الورادة شهادتهما في الكتاب.

عام 2017، نشطت مبادرة فنية في باريس، ”أبواب مفتوحة على الفن السوري المعاصر Portes ouvertes sur l’art contemporain syrien“ لفاعلات ثقافيات، سوريات وفرنسيات بهدف تعريف الجمهور الفرنسي بالأعمال الفنية السورية والفنانين السوريين في المنفى. تحولت المبادرة عام 2019 إلى جمعية ثقافية في باريس تحت اسم ”أبواب مفتوحة على الفن Portes ouvertes sur l’art“ تقدم فعاليات ونشاطات ومبادرات وتعمل كجسر يربط بين الفنانين في المنفى، والجمهور الفرنسي.

نشرت الجمعية عام 2020، كتابا بعنوان ”فنانون سوريون في المنفى، أعمال وحكايات Artistes syriens en exil, oeuvres et récits“، باللغتين الإنكليزية والفرنسية، يجمع نصوصا كتبها 24 فنانا وفنانة سوريون في المنفى بصيغة المتكلم، وهي إجابات عن أسئلة أربعة طرحتها عليهم دنيا الدهان، العاملة في المجال الثقافي -السوري سابقا والفرنسي حاليا- وإحدى أعضاء الجمعية، ومن كتبت مقدمة الكتاب وأنجزت القسم الأكبر من تلك المبادرة. التقى مهاجر نيوز بدنيا وسألها عن الكتاب والهدف المرجو منه وكيف تم تنفيذه.

من أين جاءت فكرة الكتاب ؟

كانت إحدى أولى نشاطات جمعيتنا بعد تأسيسها عام 2019، معرض للأعمال الفنية السورية بعنوان ”أين منزل صديقي؟“ “Où est la maison de mon ami في صالة ”بيت الفن“ (La maison des arts, centre d’art contemporain de Malakoff) وهو مركز الفن المعاصر التابع لضاحية ملكوف الباريسية (Malakoff).

كان هدف المعرض تبيان جانب آخر من الفن السوري، بعيدا من الصورة النمطية التي طرحتها وسائل الإعلام وأطرت بها الفن والفنانين/ الفنانات السوريين/السوريات لفترة طويلة. بالإضافة إلى لفت نظر الجمهور الفرنسي إلى قضايا إنسانية وسياسية سورية، بأسلوب غير فج ومباشر.

في الفترة نفسها أقمنا يوما بحثيا للحديث عن الفن السوري بعد الثورة السورية، في مدرسة الفنون الجميلة École nationale supérieure des Beaux-Arts في باريس، لمسنا في كلتا الفعاليتين اهتماما خاصا أبداه من حضر من الفرنسيين بتلك الأعمال السورية وفنانيها، لهذا فكرنا باستكمال المشروع من خلال خلق صيغة توثق التجربة الإنسانية والنفسية والسياسية لهؤلاء الفنانين وكانت النتيجة هي هذا الكتاب.

ما الهدف المرجو من الكتاب؟

أريد أولا إيضاح فكرة مهمة، على الرغم من كوني جزء أساسي في تحديد الأسئلة وطرحها على الفنانين/الفنانات وصياغتها باللغة العربية، والمتابعة مع من صاغها بالفرنسية إلا أنني أعتبره نتاج عمل جماعي، شارك فيه أعضاء الجمعية بالإضافة إلى الناقدة الفرنسية كورين روندو Corinne Rondeau. والكتاب هو مبادرة تابعة للجمعية أنجزتُ بعض مهاما إلى جانب أشخاص آخرين، لتوثيق تجربة الفنانين السوريين في الدرجة الأولى، وإيصال أصواتهم إلى الجمهور الفرنسي. أما الهدف من الكتاب فهو كشف جوانب أخرى من حياة الفنان/الفنانة وذاكرته/ا بأسلوب مكثف وبسيط، وبذلك يمكن أن يعرف الجمهور الفرنسي معلومات إضافية عن الفنان/الفنانة، غير موجودة في أي مكان آخر.

كيف تفاعل الفنانون مع الأسئلة الأربعة التي طرحتها عليهم؟

بدأنا المشروع في شهر حزيران/يونيو عام 2019 تقريبا ونشرنا الكتاب بعد عام بالتعاون مع دار ميديا بوب.

أنجزنا خلال تلك المدة 24 مقابلة مع الفنانين والفنانات الذين كانوا قد شاركو في معرض ”أين منزل صديقي؟“. وفي الحقيقة لم تكن جميع المقابلات سلسة وسهلة، فمنهجية الأسئلة التي اعتمدنا عليها لصياغة نصوصهم النهائية قائمة على ثنائية الزمكان، وتتطلب جهدا نفسيا وذهنيا للإجابة.

لاحظت شخصيا تغير ملامح الفنانين/ الفنانات ومزاجهم مع تغيّر السؤال المطروح، نتيجة المنهجية التي قامت عليها الأسئلة، وهي أربعة أساسية يتعين على الفنانين الإجابة عنها، يبدأ السؤال الأول الذي يلخص الحديث عن تأثير السياق العام للأحداث السورية على الفنان/الفنانة، وهو سؤال يدفعهم للبحث في الماضي والرجوع إلى الذاكرة وكان هذا أمرا شاقا على كثير منهم. يتبعه سؤال عن الأشياء التي أثرت شخصيا في الفنان/ الفنانة في السنوات العشر الماضية، وهو يقوم أيضا على التفكير ومراجعة الفنان لنفسه ودوافعه والعودة في الذاكرة إلى الوراء. ومن ثم يأتي السؤال عن الزمن الحالي، وأخيرا كيف يرى نفسه بعد 10 أعوام. أعتقد أن الأسئلة كانت عنيفة على البعض واضطروا أن يعودوا إلى أزمنة داخلية بعيدة للمرة الأولى أحيانا.

وهناك مقابلات استمرت لأكثر من أربع ساعات، وأذكر أني تواصلت مع البعض عقب المقابلات للاطمئنان عليهم، فالأسئلة، كما قلت سابقا، كانت شديدة الوطأة ومتعبة على البعض. كما احتجت في كثير من المقابلات، إلى مشاركة تجربتي الشخصية مع الفنانين/الفنانات والإجابة بنفسي عن تلك الأسئلة أمامهم.

أعتقد أن ما يميز الكتاب المُنجز هو صدق إجاباتهم وتنوعها مع تنوع الشخصيات والتجارب وتغير تأثير الزمان والمكان على نفسية الفنان وأعماله، خصوصا أن النتيجة النهاية بصيغة المتكلم وتنقل أصواتهم الشخصية.

وتعليقا على هذه النقطة، قالت الفنانة نور عسلية، إحدت المشاركات في الكتاب، لمهاجر نيوز “عندما بدأت دنيا بطرح الأسئلة تأثرت كثيرا، أعتقد أنها بخبرتها العملية مع الفنانين من تشكيليين وموسيقيين وغيرهم، كانت على ثقة أنها بمجرد فتح باب الذكريات، ستحرض الكيان الفني والجانب الإنساني للفنان في آن معا”. مضيفة، أن أكثر الأسئلة تأثيرا عليها هو الأخير ”أين أنا بعد عشر سنوات من الآن“، فهو سؤال ”حتّم أن تجيب بواقعية“، وكونها أم قبل أي شيء اتجهت إجابتها لتصب في تلك الحقيقة التي لا تملك ثابتا غيرها.

وأوضحت نور أن الأسئلة التي طرحتها دنيا، أدت وظيفتها ”بتحريض الفنان على قول مالا يقال فبنية الكتاب فكرية وليست تاريخية أو سردية“. كما أضاف الفنان محمد عمران، فنان مشارك في الكتاب، في حديث لمهاجر نيوز، أن ميزة البنية التي اختارتها دنيا في صياغة الأسئلة هي الانتقال من العام إلى الخاص وما بينهما، أي أنها بدأت بحدث عام مؤثر يمكن مشاركته في فترة الثورة السورية واستكملته بالـ ”خاص“ أي تأثير هذا الحدث على نفسية الفنان ومجرى حياته على نحو شخصي جدا. وهنا لم تؤطر دنيا المنحى السياسي وتأثيراته بأسلوب بارد وإنما على نحو حميمي.

الأسئلة والإجابات ومضموع المقابلات تم باللغة العربية، كيف نقلتها إلى الفرنسية؟

فعلا تمت المقابلات باللغة العربية وكان لا بد من إعادة صياغتها وتحريرها باللغة الفرنسية، مهمة عملت عليها مع إحدى الزميلات في الجمعية وهي بولين دو لابولاي Pauline de Laboulaye.

سردت عقب كل مقابلة الإجابات التي تلقيتها والتي أعدت ترتيب أفكارها لتنسجم، باللغة الفرنسية، ثم تولت هي صياغتها بالفرنسية وكنت أتابع الأمر معها. كانت الخطوة حساسة جدا إذ عملنا على إعادة صياغة ما يسمى بالـ ”ذاكرة الفوضوية“ التي تحتاج إلى منهجية دقيقة ومرتبة لتصاغ نصا واضحا وسلسا باللغة الفرنسية وبصيغة المتكلم، وكما أدلفت سابقا، استمر بعض المقابلات لساعات، وكان علي تكثيف مضمونها بأسطر مكثفة.

ما ردود الفعل التي وردتك بعد نشر الكتاب؟

لم نستطع إقامة حفل خاص بنشر الكتاب بسبب جائحة كورونا وتدابير الحجر الصحي، لذا لم نستطع التواصل مع عدد كبير من الناس لمعرفة آرائهم. ولكن مع ذلك جميع الردود التي وردتني كانت إيجابية، وفهم غالبية القراء هدف الكتاب وتفاعلو مع إجابات الفنانين/ الفنانات.

الفنانة نور عسلية في حديثها مع مهاجر نيوز، قالت إنها تأثرت بعد قراءة نصها الوارد في الكتاب ”أعتقد أني إذا رغبت في يوم بتقديم سيرتي الذاتية (بيوغرافي) لابنتي، سوف تكون هذا النص“. كما وجدت أن الكتاب بصورة عامة وبصيغته النهائية مكثف ومفزع قليلاً. فالذكريات التي يتضمنها مؤثرة ومعظمها مرتبط بالحرب والشتات والفقد.

وأضاف الفنان محمد عمران، أحد الفنانين المشاركين أن ”انطباعي إيجابي على هذه التجربة، وأعتقد أن ميزتها كونها لا تصوّر نموذجا واحدا للفنان السوري في المنفى، فهي على الرغم من اجتماعنا على قيم العدالة والحرية والديمقراطية كفنانين، تعكس اختلافنا واختلاف تفاصيل علاقة كل منا مع سوريا ومع الثورة ومع المنفى“.

وخلص إلى أن الكتاب هو عبارة عن وثيقة غنية ومختلفة لأنها تجمع بين نص الفنان وعمله الفني، وأن ”أي وثيقة من هذا النوع مهمة جدا، خصوصا إذا صيغت بحرفية واحترام ومن دون الابتذال في محاولة إثارة العواطف“.