أقرت سلطات النظام السوري خلال العقد الأخير العديد من القوانين التي تعطي للوحدات الإدارية الحق في مصادرة ممتلكات وأراضي مواطنين سوريين، ما يشمل النازحين داخل سوريا واللاجئين خارجها. فما هي أهم الآليات التي تتبعها السلطات للسيطرة على هذه الممتلكات؟ وكيف يمكن للمهاجرين السوريين معرفة مصير أصولهم؟

أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريراً يتناول تبعات القوانين التي أقرتها الحكومة السورية، والتي تمنح الدولة سلطة وضع يدها على أراضي وممتلكات نحو 12 مليون سوري ممن فروا من الحرب خلال العقد الأخير.

وحث التقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على تسليط الضوء على هذه القوانين، باعتبارها إحدى العقبات الرئيسية أمام عودة اللاجئين إلى ديارهم.

للمزيد >>>> رعب الترحيل من لبنان إلى سوريا.. “لا نخرج من المنزل إلا في حالات الضرورة القصوى”

ويشرح التقرير بشكل تفصيلي القوانين التي أقرتها حكومة الرئيس بشار الأسد قبل وبعد الثورة المدنية التي بدأت في عام 2011، في محاولة لتحديد القوانين التي يجب إعادة صياغتها حتى يصبح من الممكن للمهاجرين والنازحين العودة إلى بلادهم، في حال أرادوا ذلك.

تُستخدم القوانين بمثابة تفويض مطلق للنظام السوري للسيطرة على جميع المناطق الاستراتيجية

وشهدت الأشهر الأخيرة عودة النظام السوري إلى الساحة الدبوماسية، بعد سنوات من المقاطعة إثر الأحداث الدائرة في سوريا. حيث حضر الرئيس الأسد قمة جامعة الدول العربية يوم الجمعة الماضي، في خطوة تثير مخاوف اللاجئين السوريين في دول كتركيا ولبنان والأردن، من أن “تطبيع” العلاقات مع النظام قد يؤدي إلى إعادتهم “قسرياً” إلى سوريا.

وقال فاضل عبد الغني، المدير التنفيذي للشبكة السورية، “يخشى الناس العودة لأنه حتى لو كان لديهم وثائق أو وصول إلى السجلات المدنية لإثبات ملكيتهم للعقار، فقد تم إصدار قوانين متعددة تتركهم بلا حقوق، وعلى أرض الواقع لا يوجد تعويض. تُستخدم القوانين بمثابة تفويض مطلق للنظام السوري للسيطرة على جميع المناطق الاستراتيجية والمهمة في سوريا”.

وأضاف عبد الغني أن القوانين تؤثر على عائلات 500 ألف مدني سوري لم يسجلوا بعد كموتى، لكن معظمهم قتلوا على يد النظام، و115 ألف مختف قسريا، بالإضافة إلى 12,3 مليون سوري منقسمين بين نازحين داخل سوريا، أو مهاجرين خارجها.

ويعتبر التقرير نتاج دراسة لمدة عام لقوانين الملكية التي أقرها المجلس السوري أو بأمر تنفيذي حكومي، ويسلط الضوء على الصعوبات القانونية التي ستواجهها عائلات المهاجرين السوريين في محاولة استعادة أراضيهم وممتلكاتهم السابقة.

للمزيد >>>> كيف يعيش السوريون في تركيا نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية؟

أكثر من 11 عاماً على إصدار القانون الأول “لاستهداف معاقل المعارضة”

ووفقاً للتقرير، بدأت القوانين التمييزية بالمرسوم رقم 66 الصادر في عام 2012، والذي كان يهدف إلى إعادة تطوير العشوائيات في جميع أنحاء دمشق، لكنه في الواقع “استهدف معاقل المعارضة”.

وأعطى القانون اللاحق رقم 23 لعام 2015، والذي سمي رسميا قانون التخطيط والتنمية العمرانية، صلاحيات للوحدات الإدارية مثل البلديات والمحافظات، لاستقطاع الأراضي مجانا من الممتلكات الخاصة الواقعة خارج مناطق التقسيم العمراني.

كما صدر قانون آخر (قانون رقم 10) في نيسان/أبريل 2018 وتم تعديله لاحقا في نفس العام بعد بعض الاحتجاجات، وسمح هذا القانون للحكومة بتوسيع مخطط منطقة التطوير الذي تم إنشاؤه لأول مرة في دمشق، ليشمل جميع أنحاء البلاد، مما يمنح أصحاب العقارات 30 يوما لتقديم استئناف لإثبات ملكيتهم. يقول تقرير شبكة سوريا إن نافذة الـ30 يوما الأولية، والتي تم تمديدها لاحقا إلى عام، “ببساطة لا تكفي لأي شخص سواء كان لاجئا أو نازحا داخلياً، لتحديد مكان المستندات اللازمة (لإثبات الملكية) وإعدادها”.

وأشار التقرير إلى أن الهدف المعلن للقانون رقم 10 هو تمكين إعادة بناء الممتلكات التي دمرها الصراع العسكري وإعادة بناء المناطق العشوائية في المدن الكبيرة، لكن النتيجة الفعلية كانت “تجريد المعارضين من ممتلكاتهم وإعادة توزيعها على النخبة الموالية للنظام، بالقوة”.

وتشمل قوانين الملكية الأخرى التي تم تحديدها في التقرير، القانون رقم 19 الصادر في عام 2012، والذي أجاز مصادرة الممتلكات العائدة لمن يعتبرون “إرهابيين” أو “يهددون أمن الدولة”.

 

ما الآليات التي تتبعها السلطات للسيطرة على أراضي وممتلكات السوريين؟

 

وفي اتصال مع مهاجر نيوز، شرح دياب سرّيّة، وهو مؤسس مشارك في رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، الطرق التي من خلالها تسيطر السلطات على أراضي وممتلكات السوريين. وقال “تتمثل الطريقة الأولى في إصدار أحكام قاضية من قبل المحكمة الميدانية العسكرية، وهي محكمة تتكون من قاض عسكري وضباط في الجيش، وغالباً ما تحدث في جلسة واحدة سريعة، دون إعطاء المتهم أي حق في الدفاع عن نفسه. وفي نهاية المطاف، تتم مصادرة أصوله (ممتلكاته)”. وفي أغلب الأحيان، تكون هذه الأحكام ضد أشخاص متهمين بالمشاركة في الثورة السورية أو ما تبعها من أحداث ضد النظام السوري.

أما الطريقة الثانية التي تتبعها السلطات، فترتكز على القانون رقم 10. ووفقاً للمصدر ذاته، وسع هذا القرار من صلاحيات السلطات للسيطرة على الممتلكات الفارغة من أصحابها.

أضاف سرّيّة أنه “مع وجود ما بين 10 إلى 14 مليون سوري بين نازح ومهاجر، استغلت السلطات الممتلكات الفارغة. بدأ الأمر بالسيطرة على الأحياء التي كانت معاقلاً للمعارضة، مثل حي القابون في الغوطة الشرقية الذي تم تجريفه بالكامل بعد السيطرة عليه، وحي الرازي في المزّة. ثم توسع استخدام القانون ليشمل أي ممتلكات فارغة”. وأشار المسؤول في الرابطة أن السلطات “تجد مخارجاً قانونية” لتنفيذ مخططاتها.

ومن جانبه، قال شادي هارون، وهو مدير المشاريع في الرابطة، إن هناك طريقة أخرى “تعسفية” للسيطرة على ممتلكات ومنازل الغائبين، تتمثل في “قيام أي شخص من فرع الأمن أو من الأجهزة الأمنية، بوضع يده على ممتلكات الناس، وتحويلها إلى مركزاً أو السيطرة عليها بشكل فردي”. وذكر هارون نماذج عن أشخاص “صودرت” سياراتهم ومقتنياتهم عند اعتقالهم، ولم يتم إرجاعها لهم بحجة “أنها أُتلفت”، كما تمت مصادرة أي ممتلكات ترى السلطات أنها كانت تستخدم في خدمة المعارضة، “كمصنع خياطة بحجة أنه كان يصنع الأعلام، أو مصنع أحجار بناء بحجة أنه كان يمد المعارضة بالأحجار”.

 

كيف يمكن للمهاجر أو النازح السوري التأكد من أن ممتلكاته لم تتم السيطرة عليها؟ أو المطالبة بها؟

 

يجيب دياب سرّيّة “إذا كان الشخص خارج سوريا، ولا يعتقد أنه مطلوب للسلطات، فمن الممكن أن يطلب من أقاربه أن يتوجهوا إلى السجل العقاري مصحوبين بعقد يثبت الملكية، حتى يسألوا إذا ما كانت الأصول محجوزة أم لا. في حال كان هناك أمر بحجز العقار، عليه أن يوكل محامياً، وأن يتوجه للسفارة السورية لإجراء توكيل للمحامي، ما سيترتب عليه إجراء فحص أمني لملفه، وإذا ثبت أنه مطلوب أمنياً، فلن يتم إجراء التوكيل. لكن حتى وإن تمكن من الحصول على التوكيل، فالإجراءات طويلة ومكلفة، ونتائجها غير مضمونة أبداً”.

ومن الممكن أيضاً، أن يعود الشخص المعني إلى سوريا (إذا لم يكون مطلوباً للسلطات)، وأن يتابع قضيته بنفسه، لكن الإجراءات “قد تستغرق سنوات”، خاصة وأن الكثير من السوريين فقدوا حجج ملكيتهم لأصولهم.

ونوّه سرّيّة إلى أن العديد من المتضررين تعرضوا “للاحتيال من قبل أشخاص ادعوا أنهم باستطاعتهم إزالة الحجز عن الممتلكات، لقاء مبالغ مالية”، مؤكداً على أن هذا النوع من الإجراءات معقد للغاية ولا يمكن إنجازه بسهولة بطرق مماثلة.

 

وفي ظل الجدل السياسي المتعلق بهذه القضية، من جهة، والذي يدور حول كيفية إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد “استقرار” الوضع فيها، على الرغم من فقدانهم لممتلكاتهم، والجدل القانوني من جهة أخرى، والذي يدور حول شرعية هذه القوانين وكيفية مواجهة المواطنين السوريين لها، تبقى حسرة المهاجرين والنازحين السوريين مشروعة على مدنهم التي دمرت وبيوتهم التي “سُلبت”، بما فيها من ماضٍ وذكريات.