بعد مرور يوم واحد فقط على صدمة فقدان شاب سوداني توفي أثناء محاولته العبور إلى بريطانيا، عاش المهاجرون في كاليه مرة جديدة التشرد، بعد أن أخلت السلطات الفرنسية، أمس الخميس، أحد أهم المخيمات المقامة على أطراف المدينة والذي كان يقيم فيه حوالي 350 مهاجرا.

في الساعات الأولى من صباح أمس الخميس، أخلت السلطات الفرنسية مخيما كان يؤوي حوالي 350 مهاجرا على أطراف مدينة كاليه الساحلية شمال فرنسا، والتي تعتبر أحد نقاط التجمع الرئيسية قبل العبور إلى المملكة المتحدة، إما في الشاحنات التي تعبر النفق الأوروبي أو عبر بحر المانش على متن قوارب صغيرة.

وبحسب المحافظ جاك بيلانت، فإن هذا المخيم كان بمثابة “أكبر موقع يتجمع فيه المهاجرون في كاليه”. وشدد على أن إخلاء الموقع، جاء بناء على قرارات المحكمة الصادرة في آذار/مارس الماضي، مبررا ذلك بأنه كان “ضروريا للغاية” من أجل مواجهة “حالة انعدام الأمن والظروف غير الصحية” السائدة في المخيم المتواجد على أرض تعود لملكية خاصة.

تؤكد السلطات على أن “جميع” المهاجرين الذين كانوا حاضرين صباح الخميس، “قرابة 300 شخص”، وافقوا على نقلهم إلى مراكز استقبال في شمال فرنسا خلال عملية نفذت “بهدوء”.

هذا المخيم الذي أخلته السلطات أمس، كان يعيش فيه شاب سوداني تعرض لحادث مأساوي أودى بحياته، صباح الأربعاء 31 أيار/مايو، بعد فشل محاولته بالعبور إلى بريطانيا.

“لا خيار سوى المغادرة”

لكن منسق جمعية “أوبيرج دي ميغران” بيير روك، استنكر تعامل السلطات مع المهاجرين مشيرا إلى أن نقل الأشخاص إلى المراكز لم يكن طوعيا تماما، بل وصف ما حدث بأنه “إيواء إجباري”، مشيرا إلى أن الأشخاص الذين يرفضون الصعود إلى الحافلات “سيتعرضون للتوقيف، لذلك لا خيار أمامهم” سوى المغادرة.

وأضاف الناشط أن حوالي خمسين شخصا غادروا المخيم بمفردهم دون أن يُنقلوا إلى مركز استقبال.

ونددت “أوبيرج دي ميغران” بطريقة عمل شركة التنظيف التي أوكلت إليها مهمة إزالة آثار المخيم. وقال روك الذي كان حاضرا أثناء عملية الإخلاء إن العاملين “استخدموا السكاكين لإزالة أربطة الخيام [التي كانت مرتبطة ببعضها]، ومن ثم قاموا بجر الخيام على الأرض، ما يجعلها تالفة وغير صالحة للاستعمال مرة أخرى”.

لكن المحافظة، ورغم الصورة التي تظهر إتلاف خيمة بالسكين، دافعت عن تلك الممارسات قائلة في تغريدة على تويتر “لم تتضرر أو تُسرق أي ممتلكات شخصية خلال هذه العملية”.

 

 

 

وكان بالكاد مر يوم واحد على وفاة الشاب السوداني، الذي يبلغ 25 عاما من العمر، دهسا تحت عجلات شاحنة كان يحاول ركوبها للوصول إلى المملكة المتحدة.

رد الدولة “الوحيد” هو إبعاد المهاجرين عن كاليه

أعربت منظمة “أطباء بلا حدود”، التي كانت تنوي إجراء استشارات طبية ونفسية بالقرب من المخيم بعد الحادث، عن أسفها لعدم تمكنها من إنشاء عيادتها المتنقلة بسبب تفكيك الشرطة للمخيم.

وتأسف كلوي هانيبو، أخصائية علم النفس في المنظمة غير الحكومية، لعدم تمكن فريقها من تقديم الدعم للمهاجرين الذين لم تتح لهم حتى فرصة الحداد على صديقهم. وتقول “نعتقد أن الأشخاص الذين عاشوا في المخيم تعرضوا لصدمة بعد المأساة، لا سيما وأن هناك من يعرف الشاب المتوفى”.

“الرد الوحيد الذي تقدمه الدولة على هذا الحدث المأساوي هو تدمير مساكن الأشخاص وإبعادهم عن كاليه”، حسبما نقلت صحيفة “لا فوا دو نور” المحلية عن أخصائية علم النفس.

مراكز تبعد أكثر من 200 كلم عن كاليه

منظمة “هيومن رايتس أوبزرفر” التي تراقب سير عمليات الإخلاء، أكدت على أن المهاجرين لم تكن لديهم خيارات بديلة عن الصعود إلى الحافلات التي وضعتها الدولة لنقلهم إلى مراكز بعيدة عن مدينة كاليه، “دون إعلامهم بالوجهة أو بمدة السكن التي ستكون متاحه لهم في المراكز”.

بعد هذه العملية، قالت المنظمة الحقوقية إن مهاجرين تواصلوا معها، “أعلمونا بأنهم نُقلوا إلى مواقع تبعد أكثر من 200 كلم عن كاليه”. وأضافت المنظمة أنه “على عكس ما ادعت المحافظة، عملية الإيواء ليست عرض مقترح (على المهاجرين)، والهياكل التي توجهت إليها الحافلات هي مراكز سكن مؤقتة لا تتوافق مع الوضع (الإداري) لأغلب الأشخاص”.

وفي الوقت الذي تتضاعف فيه محاولات المهاجرين للعبور إلى المملكة المتحدة، تشدد السلطات الفرنسية على أنها تسعى للتخلص من تجمعات الأشخاص في المدن المطلة على الساحل الشمالي.

وكانت عززت فرنسا دورياتها ونظام المراقبة لديها لرصد محاولات عبور المهاجرين على ساحل القناة. كما جددت تعاونها مع وكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس” ومع المملكة المتحدة، إذ أبرمت مع الأخيرة اتفاقا يقضي بدفع أكثر من 500 مليون يورو على مدى أربع سنوات لزيادة عسكرة الحدود البحرية.