على الملأ، لا في الغرف المعتمة أو في الكواليس، انتقدت بطلة «النار بالنار» مسلسلها، وهي قالت ما كان يكرره كاتب المسلسل نفسه على مدى شهر بحاله، تحدثت عن «قلة الأمانة»، في التجرؤ على حذف وتعديل وإضافة مشاهد، ما أوصل المسلسل إلى ما وصل إليه من تفكك ولا منطقية في أحداث وتحولات، لكن الجواب من مخرج العمل جاء من مطرح آخر، ففي الوقت الذي يتوقع فيه أن يظهر الرجل ليفصّل في الضرورات الدرامية وراء كل تعديل أو إضافة، ذهب فوراً إلى الضرب تحت الحزام.

تحدثت كاريس في صلب المهنة، فيما تحدث في أمور شخصية تماماً: «قلة الأمانة تكمن في الجحود والنكران والنميمة والوصولية قلة الأمانة، تكمن في الغيرة المجانية من زملائها، وقلب الحقائق».

ليس ذلك فحسب، فقد قرر المخرج أن يذهب أبعد، شاهراً سيف التهديد: «لذا، مع مثل هذه النماذج العدائية لا ينفع سوى نشر الحقائق بالصوت والصورة «قريباً»، والمزدوجان لكلمة «قريباً» من أصل المنشور الذي كتبه مخرج العمل، ربما لكي يكون التهديد واضحاً وجدياً لا لبس فيه. لكنه يضيف ما هو أخطر للحقائق المزعومة: «والتي ستطال محتواها آراء مخجلة للأسف بحق الكثير من زملاء العمل التي عملت تحت إدارتهم طوال سنوات ولزملائها وزميلاتها في آخر عمل، ومنهم كاتب العمل، الذي إذا سمع ورأى ما قالته لكسبَ عليها عشرات الدعاوى والقضايا بتهمة الذم والقدح».

تسجيلات «بالصوت والصورة»، لأشياء جرت في الكواليس، ولا شك أن نشرها سيكون مخالفة للقانون. ستضحك طبعاً، ستقول لي من يهتم لهكذا أمور في بلد بلا قانون!

خصوصاً إذا استمعت إلى رأي الشركة المنتجة (هي ذاتها التي أنتجت «الهيبة»)، وهي تدخل على الخط وتقول، على لسان صاحبها، إن كاريس خانها التعبير، و»النجم الحقيقي يُبقي الكواليس لأهل البيت، لأن النقاشات تحدث في أي عمل، لكن لا تظهر للعلن بهذا الشكل، خاصة بعد التفاخر بنجاحه»، معلّقاً «يمكن كاريس انبهرت باللقاء الإعلامي»، متابعاً: «بس إذا بدها تشتغل معنا لازم نتفاهم على رؤية الممثل بالشركة، والذي يقتصر دوره على تجسيد الشخصية، إنما تبقى البصمة الأخيرة للمخرج فقط، لأن احترام تراتبية المهنة هو ما يوصلنا لبر الأمان».

لا نتوقع من الشركة المنتجة غير ذلك، فما يهم المنتج عادة هو مدى التسويق، ولا شك أن جدلاً أكبر يعني تسويقاً أكثر، من أين للمنتج أن يهتم بالدراما والقواعد وتحولات الشخصيات وخلافه!

لذلك من المرجح أن يبقى نقد كاريس لمسلسلها حادثاً استثنائياً سيتعلم منه زملاؤها درس الصمت والانصياع، وتقديم الطاعة.

المأساة المزدوجة لممثلة سورية

من فرط الفاجعة فيه تكاد لا تصدق هذا الفيديو، تقول لنفسك يستحيل أن تجتمع كل هذه الأشياء معاً. فيديو متداول أخيراً، من مسابقات لأحد مراسلي تلفزيون النظام السوري في حلب، وكان أحد المراسلين الميدانين في الحرب، هو شادي حلوة. ولا ندري متى عرض الفيديو، أو إن كان عرض فعلاً على شاشات النظام، ذلك أنه متوفر على وسائل التواصل الاجتماعي من دون «لوغو».

هذه المرة، المتسابِقة، التي تصيّدها حلوة على باب نقابة الفنانين في حلب، هي ممثلة سورية لها بعض الأدوار في مسلسلات سورية معروفة، مثل «سيرة آل الجلالي»، وأدت فيه دور زوجة الشخصية التي أداها الفنان بسام كوسا. امرأة وجهها وحده يقول كم طحنتها الحرب. خريجة أدب عربي، إلى جانب كونها ممثلة، ولكنها تعمل مستخدمةً في وزارة التربية على شهادتها الثانوية. هجرها الزوج، تركها مع أولادها منذ 13 عاماً.

أحد الأولاد مصاب بالتوحد، خرج على غفلة منها، فلحقت به وباب البيت مفتوح، في الأثناء سُرق البيت، ومن ضمن ما سرق جرّتا غاز. لا منجد للمرأة من فقر بادٍ للعيان، عندما اتصلت بعمّ الأطفال، شقيق الزوج قال لها متنصلاً «اللي عيّش الأولاد لـ 13 سنة مضت، بيقدر يتكفل فيهم».

فوق كل مصائبها، أرسل لها الحظ شادي حلوة، بثقل دمه وحضوره اللئيم، ومقدرته الفائقة على إذلال ضيوفه. لو كانت محاولة للمساعدة حقاً، لفعل حلوة ذلك بعيداً عن عين الكاميرا، لكنه ما جاء إلى ليعرض الذل أمام الكاميرا، وليعرض فوقها غروره وادّعاء العطاء: واحد زائد واحد= اثنان. تجيب المسكينة. فيمد لها المئة ألف ليرة الأولى، تتتابع الأسئلة السهلة، تجيب السيدة، وتكاد تبكي، تشكر وتدعو للمذيع الصفيق بدوام الرزق.
توجع القلب مآسي هذه السيدة (وترعب قلب المرء أكثر عندما يفكر بأنه بالمصادفة ليس في مكانها)، لكن هناك مهزلة فوق كل تلك المآسي، هي وجود شادي حلوة بوقاحته الاستثنائية، وتجرؤه على عرض هذه المأساة الشخصية لعموم الناس.

لا قلب لمن يستطيع مشاهدة هذا الفيديو من دون أن يدمع أو يغضب أو يشعر بالمهانة، لمجرد المشاهدة، فما بالك لوجود مأساة بهذه الحجم من الأساس في حياتنا. ولا ضمير لمن بوسعه عمل شيء يسند هذه السيدة، أو من في مثل حالها، ويدير برأسه بعيداً.