“عندما تمر قرب هذه المقاهي لا تجد بالكاد قهوة واحدة تخلو من مدمن أو تاجر مخدرات”.. بهذه العبارة لخّص الشاب “محمد.ن” واقع شمال غربي سوريا أمام ازدياد أعداد المتعاطين على الحبوب، حتى بات -وفق وصفه- منتشراً وبين متناول معظم الشباب العاطل أغلبهم عن العمل.

الشاب الذي أدمن على تناول أنواع الحبوب المخدرة، منذ قرابة 7 سنوات، نتيجة لتدهور حالته الصحية بعد إصابة في العمود الفقري، إثر غارة شنّتها طائرات النظام السوري على بلدة معارة الأرتيق شمال غربي حلب، يقول لـ موقع تلفزيون سوريا متحسّراً: “اليوم لا أستطيع النوم من دون أن أتناول 4 حبات من نوع (ترامادول) على أقل تقدير”.

وأضاف أن أعداد المتعاطين على الحبوب المخدرة، تشهد زيادة ملحوظة وغير مسبوقة بين الشباب منذ قرابة 8 أشهر، مشيراً إلى أنّ معظم المقبلين الجُدد يتناولون حبوب “الكبتاغون” لسببين وهما: “كثرتها ورخص ثمنها”.

وتابع: “إذا طلبت الآن ألف حبة كبتاغون، خلال ساعتين تكون حاضرة”، “متفاخراً” بسهولة وسرعة تأمين هذه الكمية من الحبوب المخدّرة والخطرة.

تتراوح أعمار المتعاطين الجُدد ما بين (17 و30 عاماً)، بحسب التاجر “محمد”، الذي أكّد أنه مع حلول المساء، يتجمّع داخل المقاهي ما لا يقل عن 30 شاباً، غالبيتهم يتعاطون الحبوب المخدّرة، ولكن تتفاوت أسباب التعاطي بينهم، كما تتفاوت الكميات ونوع الصنف.

 

في هذا التقرير، توصّل موقع تلفزيون سوريا إلى عدد من متعاطي المخدّرات في ريف إدلب الشمالي، الذين قابلناهم في المقاهي التي تنتشر عادة على الطرقات العامة، إذ أجمع غالبيتهم أن كل قهوة لا تخلو من بائع حبوب “لا يفارق أبداً”، وهو معروف من قبل فئة معينة من الشباب وزبائن القهوة تحديداً.

وأجمع مَن التقيناهم أن هؤلاء الباعة (تجار المخدرات)، يملكون جميع أنواع المخدرات أبرزها: “الكبتاغون، ترامادول، التفاحة، زولام، إتش بوز” إضافةً إلى الحشيش، لافتين إلى أن هذه المواد لا يحملها التاجر داخل القهوة، إذ يطلب التاجر -لإبعاد الشك عن نفسه- من المشتري الذهاب معه إلى المنزل، لإعطائه الكمية المطلوبة، أو تسليمها في منزل المشتري”.

؟

أصناف الحبوب ومصادرها

؟

تتعدّد أصناف حبوب الكبتاغون المنتشرة في شمال غربي سوريا بين محليّة ومستوردة، بحسب تاجر في مدينة الدانا بريف إدلب -فضّل عدم الكشف عن اسمه- قائلاً لـ موقع تلفزيون سوريا إنّها ثلاثة أصناف:

  • الأبيض (XL): سعر الحبة 8 ليرات تركية ما يعادل (0.25$) وتمتاز بلوها الأبيض.
  • “القمرين (الهلالين)”: سعر الحبة 11 ليرة تركية (0.35$)، لونها سكّري مائل للبني.
  • الجمل: سعر الحبة 17 ليرة تركية، لونها أحمر قاتم، وهي الأشد فعالية.

أمّا الحشيش، فيبلع سعر الـ250 غراما 100 دولار أميركي، كما يُباع الغرام الواحد من مادة “إتش بوز” على حسب جودته، ما بين 25 دولاراً وحتى 100 دولار أميركي.

ويُشير التاجر إلى أنّ مصدر هذه الحبوب يعود إلى تجّار معتمدين يسكن أغلبهم مدينة سرمدا شمالي إدلب، مؤكّداً أن المصدر الرئيسي هو من ثلاثة معامل تقع في قرى نائية ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية، وهي جنديرس وعفرين شمال غربي حلب، وجرابلس في الريف الشرقي.

وتُنتج هذه المعامل جميع أنواع المخدّرات باستثناء “إتش بوز” الذي يُعرف بـ”الكرستال”، وحبوب الكبتاغون من نوع “الجمل”، التي يكون مصدرها الرئيسي لبنان، حيث تصل عبر مناطق سيطرة النظام السوري إلى مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في مدينة منبج شرقي حلب، ومنها إلى مناطق سيطرة المعارضة السوريّة.

كذلك، تُهرّب بعض هذه الحبوب من لبنان إلى تركيا “بحراً”، ومنا تركيا إلى مناطق سيطرة المعارضة السوريّة، عبر إدخالها بسيارات شحن تجارية تحمل في غالبيتها (عجلات سيارات – أحجار – فواكه).

؟

أنواع التجار

؟

بعد الجولة التي أجريناها في شمال غربي سوريا شمِلت متعاطين وبائعين للحبوب المخدّرة، تبيّن أن تجّار هذه الحبوب ينقسمون إلى نوعين:

  • مصابو الحرب الذين أدمنوا على تعاطي الحبوب المسكّنة في أثناء انشغال المشافي بالإصابات وغياب الرقابة وعدم المتابعة الطبية اللازمة (على سبيل المثال هجمات النظام السوري على المرافق الطبية في مناطق سيطرة المعارضة وخروجها عن الخدمة، واعتماد جُلّ المصابين على تعاطي المسكنات لعدم قدرتهم على متابعة العلاج خارج منطقتهم).
  • شبان منبوذون اجتماعياً وغير أخلاقيين (قسم منهم عاشوا من دون آباء ورعاية الأهل، والقسم الآخر نتيجة للعمالة وانخراطهم في مهن صعبة واختلاطهم مع أشخاص غير أخلاقيين).

وتبيّن في هذا الجولة أن الأمر الذي يشترك به هؤلاء التجّار هي البنية الجسدية لهما، حيث ترى جميع البائعين من ذوي البنية الجسدية الهزيلة، كما أنهم يتناولون السجائر بشراهة، وتطفو صبغة السواد تحت أعينهم الحمراء.

يُشير التاجر إلى أنّ من الآثار الجانبية لـ”حبة الكبتاغون” أنها تمنح الشخص قدرة هائلة على التركيز ومقاومة السهر وفقدان الشهية، لذلك فإن معظم المتعاطين هم من طلاب الجامعات والذين يعملون على هواتفهم المحمولة، خاصّة من متداولي ومتابعي العملات الرقمية، إضافة إلى ثلة من الأشخاص العاطلين عن العمل.

؟

تأثير تعاطي المخدرات

؟

بحسب مصطفى سليمان -العامل في مركز الهلال الأخضر السوري- فإنّ تعاطي المخدرات يترك تأثيرات كبيرة على العائلة السورية، حيث يؤدي إلى تدهور وضعها الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى التأثير الصحي السلبي.

يقول سليمان لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ الإدمان يمكن أن يؤدي إلى انهيار الهيكل الاجتماعي للأسرة، ما يؤدي إلى فقدان التواصل والتفكك الأسري، إلى جانب زيادة النفقات المالية وفقدان فرص العمل.

ويشير إلى أن التعاطي يمكن أن يؤدي إلى انشغال المدمن عن احتياجات عائلته، ما يؤدي إلى انعدام الرعاية العائلية والدعم، ويمكن أن يسبّب تأثيرات نفسية عاطفية مثل القلق والاكتئاب والغضب على أفراد العائلة.

 

وبناءً على ذلك، يُشدد “سليمان” على ضرورة التعامل مع مشكلة تعاطي المخدرات بشكل شامل ومتعدّد الأوجه، مع التركيز على البحث عن الدعم والمساعدة الطبية والنفسية للمتورطين وأفراد عائلاتهم.

؟

أسباب تزايد ظاهرة تعاطي المخدرات؟

؟

بحسب الطبيب محمد العمر -مدير وحدة الدعم النفسي في المركز السوري لمكافحة المخدرات (SCDC)- فإن انتشار تعاطي المخدّرات بشكل متزايد بين الشباب في شمال غربي سوريا، يعود إلى جملةٍ من الأسباب منها: “غياب الرقابة من قبل المؤسسات الأمنية والإدارية، ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب المتزوجين الذين يعانون من صعوبات مالية”، ما يؤدي في المحصّلة إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب الحاد.

ويُشير “العمر” خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، إلى أنّ أبرز أنواع المخدّرات المنتشرة في المنطقة هي (إتش بوز، كبتاغون، ترامادول، حشيش)، بالإضافة إلى مادة جديدة يُطلق عليها اسم “MTD” التي يتم تعاطيها عبر الحقن بالإبر.

من جانب آخر، ينفي “العمر” انتشار ظاهرة تناول الحبوب المخدّرة بين طلاب الجامعات والمدارس، مُصنفًا الحالات المسجّلة من هذا النوع بأنها “قليلة جداً”، وأن المركز لم يُسجّل أي حالة من هذا النوع حتى الآن.

ويُوضح أن الحالات النفسية المرضية تُسجّل بشكل أكبر بين الذكور، وتتمثّل في نوبات تجعلهم يفقدون الوعي تماماً، بينما تُسجل حالات قليلة بين الإناث، حيث تُعالج من قبل منظمة “أطباء عبر القارات”، التي أنشأت مركزاً للعناية بهن وعينت أخصائية نفسية للتعامل معهن.

مطلع العام الفائت، أطلقت الجهات الأمنية والطبية والتوعوية في ريف حلب، حملة بعنوان “المخدرات الشيطان الأكبر” في عموم منطقة شمال غربي سوريا، وذلك بالتعاون مع جمعية الهلال الأخضر السوري، في سياق الحملات المتواصلة للحد من تعاطي المخدرات، والعمل على معالجة المتعاطين، وتحسين سبل العيش لهم.

وحينذاك أشار رئيس فرع الشرطة العسكرية في مدينة اعزاز شمالي حلب، إلى أنّ وجود 1500 شخص -من المقبوض عليهم بتهمة تعاطي المخدرات- في السجون المركزية بريف حلب الشمالي والشرقي، إضافة إلى نحو 300 امرأة متعاطية.

؟

؟

ولفت إلى أن عدم الاهتمام اللازم بهؤلاء الأشخاص، من ناحية العلاج والدعم النفسي، دفع إلى تأسيس جمعية “الهلال الأخضر السوري” للقيام بهذه المهمة، فضلاً عن دور التوعية، مضيفاً أن المتعاطي الذي يسلم نفسه للجهات الأمنية، يعفى من العقوبة.

؟

خطر كبير للمخدرات في الشمال السوري

؟

سبق أن سلّط موقع تلفزيون سوريا في ملفات سابقة الضوء على آفة انتشار المخدرات في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، وكشف عن مصادر المواد المخدرة وطرق تهريبها، والجهود الأمنية لمكافحتها وإلقاء القبض على مروّجيها، كما استعرض أنواع المخدرات والنصائح الطبية للتخلص منها، وطرق العلاج.

وتستفيد عدّة جهات من تفشّي المخدّرات في شمال غربي سوريا، في مقدمتها الميليشيات الإيرانية، و”حزب الله” اللبناني، والنظام السوري، و”قسد”، إلى جانب مجموعات عسكرية في المنطقة، بعضها يعمل تحت غطاء الجيش الوطني السوري.

 

يشار إلى أنّ استيراد المخدّرات إلى المنطقة لا يقتصر على التعاطي والترويج فقط، بل تعدّى ذلك إلى إعادة تصديرها إلى دول عدة عبر شبكة منتشرة في كل من سوريا وتركيا، حيث أكّدت مصادر لـ موقع تلفزيو سوريا، بأنّ المسؤولين عن تجارة المخدرات في “حزب الله” و”الفرقة الرابعة” في قوات النظام، يرفضون تصدير المخدرات إلى المنطقة مقابل المال، وباتوا يشترطون أن تكون الأسلحة مقابل المخدرات.

؟

 

؟