الرابعة فجراً والجميع نائمون وأمامي الأدوات الكفيلة بإتمام المهمة ببساطة ودون أي ضجيج. وقفت قبالة المرآة وبدأت أودّع نفسي بتدقيق النظر في تفاصيل وجهي وجسدي. إنها لحظات حياتي الأخيرة.

ما قبل هذه اللحظة المفصلية

فشلت أكبر قصة حب في حياتي بعدما بَنيت عليها آمالاً عريضة ليراودني الاكتئاب ويأكل من روحي المرحة سنوات من الاستسلام لهذه الحالة ويدفعني للتفكير في قول وداعاً لهذه الدنيا، ولكني كنت قوية، فدخلت في تجربة جديدة أعنف حباً وأكثر تعقيداً وفشلاً وإحباطاً أيضاً، حُلم الأمومة يكبر في مُخيلتي والتأكد من الفشل العاطفي يكبر هو الآخر، في الوقت نفسه ترحل سنوات عمري العشرون وتتسلل بخبث شديد شعيرات بيضاء إلى رأسي فأظل أراقبها عن كثب وأنا أتوسل إليها أن تخفف خطواتها قليلاً.

أشعر بالغربة داخل منزلي، هؤلاء الأشخاص المُسميّون أمي وأبي وأخواتي لا يشبهونني، وأي محاولة للتأقلم مع المحيط العائلي لا تُجدي نفعاً، وأما العمل فالفرص مُهينة والمجهود الكبير يقابله عائد مادي ضئيل وهي نظرية عجزت عن تفسيرها.

محيطي الاجتماعي الكبير يضيق عليّ يوماً بعد يوم. لم تعدّ لدي قدرة التعامل مع الآخرين. المقربون لم يصبحوا كذلك. والوحدة هي ملاذي الذي أحبه وأشعر به بمتعة كبيرة.

شعور الانتحار والرغبة في إنهاء الحياة ربما يكونان وليدَيْ لحظة أو موقفاً وربما نتاج تراكمات تجعلنا نستشعر عدم جدوى الحياة، وبالتالي تتوقف الرغبة في استمراريتها.

 

 

شرارة التفكير الانتحاري

شاهدت مقطع فيديو لشخص متسول يفترش الشارع ليل نهار وهو يحاول القفز من فوق أحد الكباري للانتحار. سلّطت مجموعة من المُهتمين بإيواء المُشردين الضوء عليه وأنقذته. حين أجريت معه حواراً سريعاً تعجبت من رزانته وفصاحة لسانه ليتبين فيما بعد أنه مهندس ميكانيكا سابق. وسأله أحدهم: يبدو أنك في قمة العقل والذكاء لماذا تفعل بنفسك هكذا؟ ولماذا حاولت الانتحار؟ أجاب بجملة واحدة : “فقدت شغفي في الحياة”.

توقفت كثيراً عند هذه الجملة. ماذا لو فقدنا شغفنا في الحياة وأصبحت حياتنا بلا هدف أو دافع حقيقي. قبل اتخاذي القرار بالانتحار سألت نفسي “لماذا أنتِ على قيد الحياة؟”. “ما سبب استمرارية الحياة؟” . “هل من هدف يستدعي استكمال الباقي من سنوات العمر؟”. والإجابة كانت فارغة من أي شيء يوحي بضرورية استمرار الحياة، وأما الانتحار فبدا لي حلاً ناجعاً لإنهاء هذه المأساة بدون أي خوف من الموت.

اختيار الموت… حين يكون القرار سلساً

عالم النباتات الأسترالي، ديفيد غودال، بعدما أطفأ شمعته الـ104 أقام مؤتمراً صحفياً في جنيف، ليعلن قراره بإنهاء حياته في اليوم التالي، وامتنانه للقانون السويسري الذي يعطي الحق للجميع باختيار الموت أو استكمال الحياة، وهذا ما اعتبره تقدماً كبيراً، وقال : “حالتي الصحية أصبحت أسوأ وتتدهور كل يوم وهو ما جعل مني رجلاً تعيساً. أريد أن أموت ولا أريد أن يتدخل أي شخص في هذا”. أنهى غودال حياته بأمنية وهي منح الجميع “الحق في الموت”.

في عام 2005، أُنهيت معاناة تيري شيافو بعدما أصيبت بسكتة دماغية أبقتها طريحة الفراش 15 عاماً، حتى تم نزع أنابيب التغذية عنها. فجرت هذه القضية جدلاً هائلاً حول حق اختيار الموت بعدما أعلن زوجها أن إنهاء حياة زوجته تمّ برغبة منها ورفض والداها هذا الأمر بحجة أنه يخالف تعاليم الكنيسة الكاثوليكية.

تحت شعار الانتحار والقتل الرحيم حق لكل إنسان تُقدم مؤسسة life circle حق تقرير المصير سواء في إنهاء الحياة أو استمرارها، مع ضرورة التأكد من الصحة النفسية للشخص المقبل على الانتحار ومن رغبته الكاملة في هذا الأمر، كما تلتزم بتشجيع إضفاء الشرعية على الموت التطوعي في جميع البلدان. وفي حالة الأمراض الشديدة والمستعصية ذات القيود الهائلة على نوعية الحياة توفر للمرضى حياة خالية من الألم وبدون ضائقة تنفسية حتى تحدث الوفاة بشكل طبيعي.

وتؤكد المؤسسة أنها لا تشجع على اختيار الموت، معتبرةً أنه ينبغي التعبير عن رغبات المنتحر علانية دون الاضطرار إلى تحمل خطر الحرمان من الحرية في الرعاية في مؤسسة للأمراض النفسية. وبيّنت أن التمنيات الانتحارية المُعلَنة صراحة هي أفضل وسيلة لمنع الانتحار وإمكانية فتح طريق للعودة إلى حياة سعيدة، أو أنها تؤدي إلى طلب الموت الاختياري بمساعدة من أطباء ومؤهلين نفسيين. وهذا الأمر يتم من خلال محادثات بين طالب الانتحار والطبيب.

الانتحار ليس بالضرورة مسألة جنون أو عقلانية أو يأس ولا يتعلق الأمر في المقام الأول بأزمة طبية. إن وصف جميع حالات الانتحار بأمراض عقلية أو طبية يقلل من مسؤوليات الفرد تجاه خياراته.

أسباب التفكير في الانتحار

بحسب الطبيب البوذي -كما يطلق على نفسه- ألكس ليكرمان، فإن أسباب الانتحار تتمحور حول 6 أسباب رئيسية هي:

– الاكتئاب : من أكثر الأسباب شيوعاً للانتحار. غالباً ما يصبح ألم الوجود أكثر مما ينبغي على الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الشديد أن يتحملوه. حالة الكآبة تقوض تفكيرهم مما يسمح لأفكار مثل “الجميع سيكونون أفضل حالاً بدوني” بالبروز لإضفاء معنى منطقي لانتحارهم.

– مرض الذهان : غالباً ما يُصيب ذوي الأداء العالي ويعدّ أكثر مأسوية من الاكتئاب، فالمُصابون به يتحدثون بانفصام عن عدم رغبتهم في الانتحار.

– المتهورون : أغلبهم مدمنون على المخدرات والكحول ويحاولون كثيراً إنهاء حياتهم.

– من يطلبون المساعدة: هم لا يريدون الموت إجمالاً، لكن يقدمون على تناول العقاقير دون أن يفهمون جيداً أنها ستقتلهم بالفعل.

– أصحاب  الرغبة الفلسفية في الموت : يعتبر قرار الموت بالنسبة لهم قراراً منطقياً، هؤلاء ليست لديهم أية أمراض. هم فقط يحاولون السيطرة على مصائرهم.

– مُرتكبو الأخطاء : هؤلاء يهربون من أخطائهم بالانتحار وإنهاء الحياة.

حسناً…

بينما كنت واقفة قبالة المرآة لإلقاء النظرة الأخيرة على ملامح وجهي وجسدي، رنّ صوت في داخلي : “انتظري، هناك فرصة جديدة للحياة التي تحلمين بها، فاِبدئي من الآن بالمقاومة والمحاربة، فالحياة لا تستقيم للضعفاء، كوني قوية كما عاهدتِ نفسك”. بدون إرادتي خضعت لهذا الصوت وطردت فكرة الانتحار من رأسي. أدرّب نفسي حالياً لتكون أكثر صلابة وقادرة على المواجهة والتكيُّف مع مصاعب الحياة.