كشف تحقيق لصحيفة “ذا تايمز” البريطانية كيف انتهى الأمر بضحايا كبتاغون رئيس عصابة المخدرات بشار الأسد من أبناء دول الخليج العربي لطلب المساعدة من بريطانيا، حيث يذهبون لتلقي العلاج من الإدمان.

مدمنون من السعودية والكويت

وفق ما جاء في التحقيق، بدأ معالج الإدمان من مدينة برمنغهام البريطانية “رامز علي” بملاحظة شيء غير عادي للغاية منذ ثلاث سنوات، وهي رسائل تصله من شباب مرضى من السعودية والكويت، تبين أنهم يشكون من الاكتئاب والقلق والأرق.

وبحسب علي، جميع هؤلاء الشباب كانوا مدمنين على الكبتاغون الذي يتم تصنيعه من قبل عصابة نظام أسد وينتشر عبر الشرق الأوسط في تجارة بمليارات الدولارات حوّلت سوريا إلى دولة مخدرات.

وأشارت الصحيفة إلى أن تجارة كبتاغون أسد آخذة في الازدياد على الرغم سعي دول المنطقة لمكافحة هذه التجارة، التي تقدر قيمتها بنحو 10 مليارات دولار أمريكي، والتي أصبحت ورقة مساومة قيّمة لبشار الأسد في سعيه لإنهاء وضعه المنبوذ بعد أن دمّر سوريا وقتل وشرّد الملايين من الشعب السوري.

مخدر رخيص 

ويعمل معالج الإدمان “علي” مع الطبيبة العامة صوفيا خاليك، لإنشاء خدمة جديدة في لندن مخصصة لعلاج العملاء في الشرق الأوسط المدمنين على الكبتاغون.

وقال “علي” الذي يقدر أن واحداً من كل ثلاثة من المرضى المحالين إليه مدمن على المخدرات، إنه بالنظر إلى الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين يأتون إليه، فمن المرجح أن يكون عدد المتعاطين في بلدانهم أعلى بكثير، ويشكك في أنه يمكن أن يكون “وباء خفي”.

ويعتبر الكبتاغون في دول مثل السعودية والكويت، حيث يُحظر الكحول، طريقة رخيصة وسهلة للحصول على نسبة عالية من النشوة، إذ تكلف الحبوب ما بين دولار و15 دولاراً، حسب مكان بيعها.

عامل نيبالي مهاجر كان قد عمل في الإمارات وعاد إلى بلده بعد مرضه، قال: “الحبوب رخيصة للغاية، وتوفر الكثير من الطاقة.. يمكنك العمل لفترة طويلة بدون تعب”.

 

دكتاتور يائس وجد ضالته بالكبتاغون

اخترع علماء من ألمانيا الغربية في ستينيات القرن الماضي الكبتاغون لعلاج اضطراب نقص الانتباه، وتم حظره في معظم البلدان في عام 1986 بعد أن تم الاعتراف به على أنه مخدر يسبب الإدمان.

ومع ذلك، تم تهريب المخزونات المتبقية من مراكز الإنتاج في أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط من قبل التجار الأتراك والبلقانيين بحسب التحقيق، لتجد فيه ميليشيا حزب الله اللبناني فرصة تجارية، حيث بدأت بالإشراف على إنتاج وبيع الكبتاغون على نطاق صغير تركّز في سهل البقاع اللبناني.

ولتحويل الكبتاغون إلى صناعة بمليارات الدولارات تطلب الأمر ديكتاتوراً يائساً مستعداً لفعل أي شيء للبقاء على قيد الحياة، حيث كان بشار الأسد بحاجة للمال  بسرعة ووجده في الكبتاغون، وذلك بعد أن شن حرباً على الشعب السوري منذ عام 2011 أدت إلى قتله وتشريده للملايين، لتستهدفه العقوبات الغربية وأقرب دائرته، الذين يديرون البلاد مثل دولة المافيا.

سرعان ما بدأ عملاء نظام أسد في إنشاء المصانع والاستيلاء على الأعمال لتحويلها إلى منشآت لإنتاج الكبتاغون، ومن خلال العمل مع حلفاء مثل ميليشيا حزب الله يدير نظام أسد وشركاؤه ولا سيما ماهر الأسد شقيق بشار، الذي يرأس ميليشيا الفرقة الرابعة صناعة بمليارات الدولارات تنتج الأمفيتامينات وتوزعها في جميع أنحاء العالم.

وبحسب ما ذكر التحقيق، لا يجلب الكبتاغون للأسد المال فحسب، إذ تتراوح تقديرات حجم التجارة من بضعة مليارات من الدولارات إلى 58 مليار دولار، ولكن أيضاً القوة السياسية.

مصدر دخل ونفوذ

وقالت كارولين روز من معهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسة ومقرها واشنطن: “الكبتاغون هو أحد مصادر الدخل البديلة الأساسية لنظام أسد والجهات الفاعلة المتحالفة معه”.

وأضافت أن التجارة كانت: “مصدراً كبيراً جداً لإدامة قبضة النظام على السيطرة على الأراضي، ولكن أيضاً للسلطة السياسية والمصداقية في المجتمعات المحلية”.

ووفقاً لمعهد نيولاينز، من الصعب المبالغة في حجم الإنتاج، ففي العام الماضي وحده تم ضبط ما لا يقل عن 370 مليون حبة في جميع أنحاء المنطقة في أكثر من عشرة بلدان، وتأتي العديد من الشحنات من ميناء اللاذقية.

من جانبه، قال الزميل في معهد نيولاينز كرم شعار: “تشير معظم الأدلة إلى أن الجزء الأكبر من الإنتاج يحدث في مناطق النظام.. ولا يمكن حقاً تحديد مستوى الإنتاج لأنه من غير المعروف مقدار الكمية المنتجة في كل منطقة يتم ضبطها، لذا فهي نوع من العدسات المكسورة.. نظام الأسد هو راعي الصناعة”.

وسيلة تفاوض وأداة للحل

وتسعى دول مثل الأردن والسعودية لمكافحة كبتاغون أسد ويتم الإعلان بشكل دوري عن ضبط شحنات مخدرات قادمة من مناطق ميليشا أسد.

وفي العام الماضي، وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن على قانون يطالب الوكالات الأمريكية باستهداف تجارة الكبتاغون، كما فرضت بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على نظام أسد وحزب الله بسبب تجارة الكبتاغون.

ومع ذلك، فإن الأسد يستخدم قدرته على إغراق الشرق الأوسط بالكبتاغون الرخيصة كورقة مساومة في محاولته تعويم نفسه، حيث ظهر هذا الشهر في قمة جامعة الدول العربية في جدة لأول مرة بعد طرده من الجامعة قبل 12 عاماً.

مديرة معهد سواس للشرق الأوسط في لندن لينا الخطيب قالت: “ستكون قضية الكبتاغون إحدى أدوات التفاوض التي سيستخدمها الأسد مع الدول العربية التي تمضي قدماً لمحاولة عقد صفقات مالية في المنطقة”.

وتوقّعت الخطيب أن نظام أسد سيحاول خفض كمية الكبتاغون التي يتم تصديرها إلى الخليج مقابل نوع من التعويض المالي، وتابعت قائلة: “لقد ساهم الأسد في خلق مشكلة الكبتاغون، وهو الآن يستخدم هذه المشكلة كأداة لتقديم نفسه على أنه الحل”.