تتحدد كمية النقود اللازمة للسوق من خلال معادلة رياضية يدخل ضمنها حجم التبادل التجاري والمستوى العام للأسعار بالإضافة لسرعة دوران (عدد مرات استخدام) العملة نفسها في فترة زمنية معينة, وتهدف الدول عادة من إدخال كمية من العملة في التداول إلى انعاش التبادل الاقتصادي الذي يحصل في البلاد نتيجة الازدهار والنمو التي تمر به البلد.
أما في حالات تعطل الجهاز الإنتاجي, والركود الاقتصادي فإن إدخال كميات عملة جديدة ستؤدي إلى آثار سلبية حكماً سيدفع ثمنها المواطن البسيط, الذي يتلقى أجره بالعملة المحلية, حيث سترتفع الأسعار, وينخفض سعر الصرف للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
و في حالة إخراج عملات قديمة من التداول وإدخال أخرى بقيم أعلى فهذا يمثل اعتراف من الجهة التي تدير العملة بأنها لم تعد قادرة على السيطرة على الارتفاع الحاد في المستوى العام للأسعار (التضخم الحاد) وأن مرحلة إعادة العملة إلى أسعارها القديمة باتت أكثر صعوبة من أي وقت سبق.
ضخ بنك سورية المركزي (الإدارة المركزية للعملة في سورية) -قبل أيام- كميات من العملة السورية الجديدة من فئة ألفي ليرة سورية, لينخفض معها سعر صرف الليرة السورية مباشرة بأكثر من ثلاثين ليرة, وترتفع أسعار أبرز السلع في السوق السورية استجابة لهذا التغير, مما يترجم على أنه مزيد من ضعف الثقة بالعملة السورية ومن خلفها الإدارة المركزية للنقد في سورية.
لقد شهدت الليرة السورية انخفاضاً حاداً –ولاتزال- طيلة السنوات الماضية بسبب سوء تصرفات النظام السوري, وسيطرته على مفاصل الدولة وتجيّرها لخدمة حربه على شعبه, مما أدى إلى فقدان الثقة بالعملة المحلية وارتفاع التداول بالعملات الأجنبية, وزيادة المستوى العام للأسعار (التضخم) الأمر الذي يترافق بنزيف مستمر للقطع الأجنبي (الذي انخفض من أكثر من خمس وعشرين مليار دولار أمريكي بداية 2011 إلى أقل من نصف مليار دولار بداية 2017 بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي IMF) إضافة إلى اعتماد المواطنين السورين بشكل كبير على التداول بالعملة الأجنبية, لقد أصبحت معظم السلع تسعّر بالعملة الأجنبية, وصارت الليرة السورية مجرد وسيط تبادل تفرضه أجهزة المخابرات السورية بعد أن فقدت كونها مخزناً للقيمة (أحد أهم الوظائف المرجوة من النقود), ويتوقع أن تستمر على هذا المنوال مادام النظام السوري يهيمن على السلطة في سورية, حيث يفقد الجميع الثقة بالعملة السورية, ويأتي اصدار العملة الجديدة ليعزز قناعة فاقد الثقة بأنه على حق.
لقد رفضت المؤسسات الدولية المعتمدة في مجال سك وطباعة النقود التعامل مع النظام السوري في إصدار عملته من فئة ألف ليرة سابقاً وكذلك من فئة ألفين اليوم, مما اضطر الإدارة النقدية للجوء إلى روسيا لطباعة عملة بتكاليف عالية ومستوى أمني منخفض وثقة أقل مما يجب أن تكون عليه.
العملة السورية لطالما مثلت السورين وأعطتهم رمزاً وطنياً يعتزون به, فصور الأثار والقلاع والرموز الاقتصادية التي تشير إلى حضارة سورية وعراقتها, استبدلت اليوم بصورة قاتل أطفال على وجه العملة وصورة لبرلمانه على خلفيتها, في إشارة سياسية عميقة تؤكد نهجه في اختزال واقع وعمق وتاريخ سورية بشخصه وبمؤسساته المزيفة.
لقد دفع المواطن السوري بغض النظر عن ولائه وانتمائه كلفة عالية نتيجة تعنت النظام ومضيه قدماً بمواجهة الشعب السوري الثائر, ولا يزال هذا المواطن يعاني من ذات العقلية التي لا تقبل التراجع ولا تراعي ظروفاً اقتصادية للمواطن الذي يستمر وضعه في التدهور, ولا لبلد دمرته الحرب ويحتاج إلى خطوة في اتجاه خفض أثارها, ولا لوطنية ممزقة ومختزلة بشخص يحيط به مجموعة من المصفقين وتحتاج إلى خطوة للملمة المبعثر وتوحيد المفرق.
وليد فارس 2017/7/4 | زمان مصدر