لطالما كانت الاغتيالات السياسية عبر التاريخ الانساني وسيلة فعالة لاخراج شخص من حلبة التأثير في مجرى الاحداث في زمان ومكان محددين , ولطالما تم اللجوء لها للحصول على انتصار سياسي أو عسكري , أو للتأثير على مجريات الاحداث السياسية , كما كانت وسيلة مفضلة لاقصاء المفكرين و العلماء الذين يحملون أفكاراً و نظريات أو اكتشافات تتعارض مع مصالح بعض الدول أو الجماعات
وفي الثورات كانت أسلوباً معتمداً سواء من الانظمة الحاكمة أو من قبل القوى الثورية , و يتم اعتمادها كتكتيك فعال ضد الخصم و كلما كان الشخص المستهدف مهماً كان تأثير الاغتيال قوياً و مضاعفاً , و الاغتيالات تعتبر احدى أهم تكتيكات الحسم الثوري إن تم تنفيذها وفق خطط مدروسة ومحكمة , و مهما كانت درجة الاحتراس و الحذر لدى الخصم فلا بد من وجود ثغرة أمنية يتم استغلالها لتنفيذ عملية الاغتيال .
و لا تزال عملية الاغتيال الجريئة التي أودت بحياة الرئيس المصري أنور السادات حاضرة في ذاكرة الكثيرين .
فالاغتيال السياسي عمل استخباراتي بامتياز لا يتم تنفيذه إلا بعد اختيار الشخص المستهدف و تقييم أهميته وتأثيره , و بعد دراسة دقيقة و متابعة لصيقة لتفاصيل حياته و لكل صغيرة و كبيرة تحيط به , حيث أن أجهزة الاستخبارات العالمية تختار ضحاياها بدقة متناهية لتحدث تأثير مزدوجاً , فتخرج الشخص المستهدف من دائرة الفعل و التأثير و تحدث ضربة معنوية قاسية لمؤيديه و أنصاره
ويخطىء من يظن أن اغتيال شخصية وازنة لها تأثيرها و فاعليتها في المجتمع يمكن ايجاد بديل عنها بنفس المواصفات , و هذا أمر تدركه جيداً أجهزة الاستخبارات , لذلك تدرج الاغتيالات على أجندتها كأولوية قصوى
أما في الحالة السورية نجد أن النظام قد مارس الاغتيال و التصفية في اتجاهين ضد الثوار و ضد أزلامه , حيث تمت تصفية بعض قيادات الثوار مستخدماً عملائه في المناطق المحررة و لعل أشهرها على الاطلاق التفجير الذي ذهب ضحيته الدكتور حسان عبود و قيادة حركة احرار الشام في ادلب , كما صفى العديد من أركان نظامه الذين أصبحوا عبئاً عليه من أمثال محمود الزعبي و غازي كنعان و آصف شوكت و رستم غزالة و جامع جامع وغيرهم …
أما في المقلب الآخر و أقصد قوى الثورة فلم تحسن استخدام هذا التكتيك و لم تعطيه الاهتمام الكافي إلا فيما ندر من خلال تصفية بعض رموز النظام الصغيرة , و لم يُحدث اغتيالهم التأثير المطلوب كون الشخصيات المستهدفة هامشية ليس لها أي وزن على الساحة السياسية , و ليس مفهوماً لماذا لم تمارس قوى الثورة هذا التكتيك الخطير ضد الرموز الوازنة في النظام بفاعلية أكبر و أشمل , مع أنه يمكن اللجوء لهذا الأسلوب حتى في الثورات السلمية فما بالك بالثورات المسلحة !؟
و من الخطأ الاعتقاد أن لا تأثير لأي اغتيال على النظام السوري طالما لم يطال بشار الأسد شخصياً
فالنظام السوري ليس بشار الاسد لوحده بل هو ائتلاف من جميع الأطياف التي تدعم بقاء بشار الاسد لارتباط مصالحها ببقاء فكرة الرئيس الاله الأوحد ناهيك عن الامتدات الدولية لهذا النظام و يضاف لهؤلاء اليوم زعماء الميلشيات التي تقاتل إلى جانب النظام
فكل شخصية مؤثرة سواء كانت سياسية او عسكرية او اقتصادية و تدعم النظام أو تقاتل معه و من أجله يمكن أن تكون هدفاً مشروعاً للثوار لأنها تعتبر شريكة أساسية في قتل السوريين و تشريدهم و بالتالي فإن التغاضي عن ملاحقتهم و تصفيتهم يعتبر تقصير غبر مبرر من جانب القوى و الفصائل الثورية في سوريا
ويرى الكثير من السوريون أن على الثوار أن ينتقلوا من الاحادية إلى التعددية و التنوع في العمل العسكري و الثوري و عدم حصر العمل الثوري بالقتال على الجبهات فقط , فمن خلال النظرة الاحادية للعمل الثوري نساهم بشكل غير مباشر باطالة عمر النظام و بالتالي استمرار معاناة السوريين .
فالثورة هي عمل خلاق و مبدع ترفض القولبة و الجمود , وعند حودث استعصاء في احدى مراحلها كما في الحالة السورية لا بد من البحث عن البدائل , و هي موجودة و متاحة بكلفة أقل و بتأثير أكبر و احدى هذه البدائل لجوء الثوار لتصفية الذين أجرموا بحق الشعب السوري و ما أكثرهم.

 

حنظلة السوري