أوّلا- الايجابيات.                                                                                            من إيجابيات الكتاب إثبات خطأ بعض من حاول اثبات الاعجاز العلمي في آيات لا تحوي اعجاز علمي بحد ذاتها ، أومن حاول تفسيرها وانطلق من وجود الاعجاز قبل ان يكلّف نفسه بدراسة علميه مستندة إلى حقائق علمية ثابته بالتجربة ، مع افتقاده للاختصاص الذي يتكلم به ولم يسأل اهل الاختصاص. كذلك قام الكتاب بطرح فكرة جريئة يحاول الكثير الابتعاد عن مناقشتها لاعتقاده الجازم بقدسيّة الدراسات التي قام بها الفقهاء قديما، مع أن الحكم على أي شيء يعتمد على ما يملكه الانسان من بنك معلومات والعلم ، وحتى بعض الحقائق العلمية هي حالة دينامكية غير ثابته قابلة للتغير. وقد اعتمد الكاتب في نقده على ما توصل اليه العلم حتى تاريخه. في الحقيقة لا نستطيع ان نقول بأن الكتاب مُملل ، ولكنه مع ذلك غير مشوّق ، والدليل عدم الترابط المنطقي في تسلسل الاحداث، فلو أنك حذفت بعض الصفحات او لم تقرأها لما غابت عنك الفكرة الاساسية التي حاول الكاتب ايصالها.

 

ثانيا- الاعجاز العلمي من أسس إعجاز القرآن الكريم- محدوديّة العلم مقارنة بالقرآن .                                                  يمكن للمسلم ان يكون مسلما لمجرد ايمانه بأن القران هو كتاب من عند الله ، ولكن لا يمكنه انكار الاعجاز العلمي في القران بشكل عام ، على اعتباره جزء لا يتجزأ من كون القران هو إعجاز بحد ذاته. خاصة ان الكاتب قام باختيار الآيات التي فيها جدل علمي ، وهل هي اعجاز أم لا؟ مُتناسيا الكثير من الآيات التي لم يستطيع العلم تفسيرها حتى تاريخه منها حقيقة أن الانسان مخلوق من تراب….وأن آدم كان في الجنة وبأن حواء خُلقت من ضلعه ، وحقيقة خلق الكون التي مازالت النظريات العلمية مُختلفة فيها ، وحقيقة كيف حملت مريم العذراء دون زوج!  فالعلم لا يقبل هكذا حمل ، والطعن في أنه حقيقة يطعن بمصداقية القران،  وهذا ما لا يتقبله أي مسلم . إنّ محاولة نسف الإعجاز العلمي في القران يدخل الشك في ايمان الشخص. وقضية الايمان لا تقبل الشك لأنها حقيقة يقينية عند المؤمن. في الحقيقة  لم تستطع  كل الانتقادات التي ساقها الكاتب رستناوي لبعض الباحثين  في الاعجاز العلمي ،الذين هو من قام باختيارهم أن تقنعني بوجهة نظره وذلك لأسباب عديدة ، قد يكون البعض أخطأ بإطلاق لفظ الاعجاز العلمي بدلا من الحقائق العلمية على بعض الآيات، لأن الاعجاز بنظري هو الشيء الخارق للعادة والذي لا يستطيع الانسان أو غيره الاتيان بمثله… وقد تكون بعض الآيات إعجازا في عصر الرسول ، ولكنها بعد تقدّم العلم فقدت هذا الاعجاز.. لذلك الأفضل تسميتها بالحقائق العلمية ، خاصة بان الله سبحانه وتعالى ساق هذه الآيات للتأمل والتفكر لإثبات عظمة الخالق و وحدانيته. ألم يقل الله بأنه خلق الانسان من تراب ثم وثم… لماذا بدأ الكاتب رستناوي من الكلمات التي تليها كالعلقة والمضغة…ولم يتطرق لكون الانسان خُلق من تراب، فهل العلم توصل إلى كيفية خلق الانسان من تراب! هل يستطيع أن يفسر علميّا كيف تكلم عيسى بالمهد… وكيف لإنسان إبتلعه الحوت أن يرجع للحياة… وهل يستطيع العلم أن يصدّق بأن رجلا يسافر من شبه الجزيرة إلى فلسطين ويعرج إلى السماء ويعود بنفس الليلة… وهل يستطيع كل علماء الارض إعاده شخص للحياة بعد موته كما فعل عيسى وأن يعيد الأعمى بصيرا ويشفي الأبرص، والأمثلة كثيرة أما أن يتم انتقاء بعض الآيات التي تناسب رأي المؤلف وينتقدها فهذا فيه وجهة نظر. بالمحصلة لا يجب تحميل الآيات أكثر مما أريد منها ، وهي توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية والايمان بالله وحده وبأن القران كتاب الله وأن محمد نبيه ورسوله… أما ان نسعى للتشكيك،  فقد يَفهم مقصد المؤلّف بعض الناس و لكنّ الغالبية العظمى سيصبح لديها شك بإيمانها ومعتقدها ، خاصة بأن معظم الناس وفي كل الديانات والمعتقدات يميلون إلى التهويل ويحبون التعظيم وحتى الخرافات. أغلبنا مسلمون وقليل منا مؤمنون، عندما يصل الانسان لدرجة الايمان الحقيقي سيدرك بقرارة نفسه الحقائق.

ثالثا- فوائد الاعجاز العلمي                                                                        الاعجاز العلمي متى ما ثبت للمسلم يتحول لإنسان مؤمن ، يؤمن بأن القرآن هو من عند الله وبالتالي يسَلم بما فيه وخاصة في القضايا الايمانية التي لامجال لإعمال العقل فيها. أمّا غير المسلم متى ما ثبت لديه هذا الاعجاز ، نراه يعلن اسلامه او على اقل تقدير يحترم هذا الدين وينظر باحترام لمعتنقيه ويحترم شعائرهم.

رابعا- العلم متغير أما القرآن فثابت                                                                        من الظلم بمكان أن نربط الامور العقائدية بمعايير العلم التجريبي ، لأن العلم التجريبي يعتمد على التجربة وهي حالة متغيرة غير ثابته حتى لو أثبتها العلم الحالي ، لأن التجربة تحقق النتائج حسب المتغيرات المدروسة، والانسان له قدرة محدودة في إدراك ما حوله بحواسه الخمسة ، وما تراه العين مثلا هو لون احمر قد لا يكون في الحقيقة هذا لونه ولكن قدرة العين المحدودة هي ما تراه كذلك ، ولإثبات ذلك يقول العلم بان اكثر الحيوانات لا ترى الا اللون الابيض والاسود ، فحتى اللون الاحمر تراه اسود، والانسان يستطيع ان يسمع الصوت إلى حد معين وما هو اعلى من ذلك لا يستطيع ان يسمعه لمحدودية قدرة الاذن على السماع ، وبالتالي عدم سماع الاصوات العالية جدا لا يدل على عدم وجودها .

خامسا- بين لغة القرآن ولغة العلم والقانون                                                  اللغة العلمية والقانونية هي من وضع الانسان وهو من اختار معانيها ودلالاتها ، وفي حال وجود إشكال في المعنى نعود لواضعي هذه القوانين وهذه المصطلحات لتفسيرها ، وهي غير ثابته عبر الزمن فيمكن أن  تتغير معانيها ودلالاتها  مع تطور الانسان. بالرغم من دقة القوانين والمصطلحات الا أنه عند تطبيق القوانين هناك ما يُسمى بروح القانون أي ينظر القاضي إلى الغاية التي وضع من اجلها القانون ألا وهي العدل ، لأنه وإن اتحدت الأداة الجرمية وكانت الجريمة نفسها ، إلا انه لا يمكن ان تتطابق ظروف الجاني ودوافعه وحالته النفسية ….الخ.  وأما القران فقد نزل بلغة العرب ولغة قريش على رجل امي لا يجيد القراءة ولا الكتابة ، ومع ذك وردت بعض الكلمات التي ما استطاعوا فهمها ، ولا تغيب عن أي مطلع لعلوم اللغة العربية فصاحة القران واتزان معانيه وبلاغته،  وقد تحدى الله فيه العرب ان يأتوا بسورة من مثله،  ولغة القران هي في أكثرها لغة مجازية بلاغية خطابية وارشادية قابلة بالأساس لمعاني متعددة،  فُسِّرت عن طريق  الرسول لما أشكل فهمه على الناس،  ولكن بشكل عام نترك مجال لإعادة تفسيرها حسب الزمان والمكان مع وجود بعض الآيات المُحكمة المُتعلقة بالعبادات والحدود غير قابلة للتغيير(هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من ربنا وما يذكر الا أولو الالباب)

سادسا- أمثلة نموذجية – أهملها الكتاب – عن آيات تدعم الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يؤمنون- السماء بنيناها بأيد وانا لموسعون- وجعلنا السماء سقفا محفوظا- وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شيء- مرج البحر يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان- وارسلنا الرياح لواقح… وغيرها الكثير من الآيات ويمكن الرجوع لما أثبته العلم حول تفسيرها.

سابعا-  خطأ فادح ورد في الكتاب                                                                    أخطأ الكتاب عندما اعتمد على بعض الآيات التي قد يختلف الكثير من المسلمين هل تحمل إعجازا علميا ام لا….عند مناقشة خلق الانسان لم تتطرق للآية ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) فناقش خلق الانسان من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة… وهذا ما أثبته العلم وقال الكتاب  بأن هذا كان معلوما بالضرورة عند العرب في ذلك الوقت ، ولو سلمنا بذلك فانت لم تتطرق لأصل الانسان وهو من تراب،  وهل استطاع العلم اثبات او نفي ذلك حتى الآن، أضف إلى ذلك أن ما قدمه الكتاب ككل ، ليس فيه جديد ولن يغير من قناعات الناس ، فما ورد فيه يعرفه أي مطلع وقارئ !

ثامنا- في الكتاب إساءة للقرآن الكريم والاسلام.                                                       الكتاب في مجمله يسيء للقران الكريم لأن الكاتب رستناوي انطلق من فكرة اساسية ومن العنوان بأنه سوف ينتقد الاعجاز العلمي في القران، مما ولّد ردة فعل لدى القارئ المسلم بأنه لن يقبل بهذه الدراسة مُسبقا ، فلو أن الكتاب  ناقش الآيات التي تتحدث عن الاعجاز العلمي بما وصل اليه العلم ، وترك القارئ يستنتج  هل هذا صحيح أم غير صحيح! كما ان الطريقة التي قدمّ بها رستناوي الكتاب فتح المجال لكثير من غير المسلمين وحتى الملحدين في التهجم على القران والسخرية منه ومن آيات الاعجاز الموجودة فيه ، وهم اصلا لا يؤمنون بوجود الله ليؤمنوا بالقران،  وهذا ما ترك انطباعا سيئا عند القارئ. هذا بعكس كتاب سابق للمؤلف ” تهافت الاعجاز العددي في القران  الكريم ” حيث كان مُقنعا وسلسا. في النهاية سواء ثبت الاعجاز العلمي في القران عند من يدّعيه أو لم يثبت فهو كتاب عقدي ايماني يهدي النفوس وليس كتاب علوم دنيوية وإن وردت آيات فيه تتحدث ببعض امور العلم والكون فهي لإثبات أنه كتاب من عند الله ، ولينظر الانسان حوله ويرى عظمة الخالق, وكما توصل الكثير من الفلاسفة عند اثبات صحة نظرياتهم بأن الانسان مهما أوتي من العلم يبقى يتصف بالنقص لأنه مخلوق على عكس الخالق.

تاسعا- توطئة أخيرة                                                                                         لا أدّعي أنّي كاتب أو محلل  أو ناقد ، لكن باعتباري مسلم رأيتُ أن أعبّر عبر هذه الكلمات ما أراه صحيحا ، قد أكون أصبت بجزء وأخطأتُ بجزء ، لكن لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها , رأينا صح ويحتمل الخطأ ورأي الكاتب خطأ يحتمل الصواب. وفي النهاية لا يسعني سوى شكر الكاتب الدكتور حمزة رستناوي – رغم اختلافي معه- على رحابة صدره .. وما يميزه عن غيره من الكتّاب الذين أعرفهم ، بأنّه يستمع للرأي الآخر حتى النهاية  دون أن يقاطعه او يعقب على كلماته  قبل اتمامها… وهو يقف متفرجا على من ينتقده ومن يؤيده…ليصل لأفكار ربّما كانت غائبة عنه او على اقل تقدير معرفة ردة فعل القراء مهما اختلفت عقائدهم وثقافاتهم ومشاربهم.

الكتاب: الاعجاز العلمي تحت المجهر ” دارسة نقدية تطبيقية في ظاهرة الاعجاز العلمي في القرآن الكريم”، حمزة رستناوي ، دار الكتب – القاهرة مصر 2015

 

 

 

 

 

*ضابط سابق ، ماجستير في العدالة الجنائية.