يهدد الجفاف والعتمة ومشاكل أخرى مختلف المناطق السورية الواقعة شمال وشمال شرقي البلاد، التي تخضع أغلبها لسيطرة قوات “سوريا الديمقراطية”، فضلاً عن مناطق عراقية أيضا، نتيجة تعمّد تركيا منذ مطع العام الجاري تقليل كمية المياه التي تتدفق من أراضيها إلى تلك المناطق عبر نهر الفرات، الذي يصفه العراقيون بالعظيم.

ويهدد الجفاف والعتمة مناطق عراقية وسورية تستفيد من مياه النهر.

كما قد تتسبب الخطوات التركية لاحقاً بانعدام الكهرباء لوجود 3 سدود في تلك المناطق السورية، إضافة إلى العطش ونشر الأوبئة خاصة أن نهر الفرات تحوّل لمجرّدِ مجرى صغير، بحسب آخر الصور الواردة من هناك.

ورغم أن أنقرة تقرّ رسمياً بتخفيض كمية المياه التي تتدفق من أراضيها إلى سوريا من 500 متر مكعب في الثانية إلى 200 متر مكعب في الثانية، إلا أن مسؤولين في “الإدارة الذاتية” أكدوا أن “كمية مياه الفرات انخفضت بشكلٍ أكبر من الأرقام المعلنة من قبل الجانب التركي”.

ومع الانخفاض الكبير في منسوب مياه الفرات، يبحث سكان مختلف المدن السورية الشمالية والشمالية الشرقية عن حلول بديلة لمشكلة الكهرباء التي باتت تنقطع لساعاتٍ أطول بعدما باتت أكثر من بحيرة خلف السدود الثلاث على وشك إنهاء مخزونها الاحتياطي.

شبح العتمة

وتبدو المناطق السورية البعيدة عن تلك السدود الواقعة في منبج والرقة والطبقة، الأكثر ضرراً، لجهة ارتفاع عدد الساعات التي تنقطع فيها الكهرباء، ولذلك يبحث سكانها عن وسائلٍ جديدة للحصول عليها كالمولدات التي تمنح المشتركين لدى أصحابها كمية محدود من الكهرباء مقابل فاتورةٍ شهرية.

وقال عدد من سكان مدن الحسكة والقامشلي لـ “العربية.نت” إن “المولدات ليست بديلاً جيداً للكهرباء المعتادة خاصة أن كمية الكهرباء التي تمنحها لنا ليست كافية لتشغيل كل أدواتنا المنزلية لاسيما أننا ندخل فصل الصيف، وهذه مشكلة كبيرة مع ارتفاع درجات الحرارة في مناطقنا”.

وتبلغ القيمة الشهرية للاشتراك لدى أصحاب المولدات 4000 ليرة سورية (ما يعادل نحو 10 دولاراتٍ أميركية)، وبموجبها يحصل أصحابها على أمبيرٍ كهربائي واحد لبيوتهم.

وعلى الرغم من أن المولدات قد تصبح واقعاً جديداً مع استمرار أنقرة بحبس مياه الفرات في سدودها، إلا أنها غير متوافرة في كل المدن الخاضعة لسيطرة قوات “سوريا الديمقراطية”، مثل كوباني (عين العرب) وديريك (المالكية) ورميلان والرقة التي تتوافر المولدات في عددٍ قليل من أحيائها.

وكشف مصدران في إدارة السدود لـ “العربية.نت” أن “مؤسساتنا تحاول تزويد كل المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية بالكهرباء من خلال تحديد ساعاتٍ معينة لكل مدينةٍ منها، لكن مع مواصلة أنقرة لحبس مياه الفرات، قد نصل لمرحلة لا نستطيع فيها توليد الكهرباء بعدما ينتهي مخزون المياه في البحيرات الثلاث”.

ري المحاصيل

ولم يتسبب قطع تركيا لمياه نهر الفرات، بمشكلة في توافر الكهرباء، وإنما نجم عنه أيضاً مشكلة في تأمين مواردٍ مائية لري المحاصيل المروية خاصة في المناطق القريبة من ضفاف النهر مثل القرى الواقعة جنوب كوباني والمحيطة بالرقة ودير الزور.

وبحسب مصادرٍ محلية فإن عدداً من المزارعين في تلك المناطق خسروا موسم محاصيلهم هذا الصيف لانقطاع المياه عنها لمدّة بلغت أكثر من 3 أشهر. وهو ما يهدد الأمن الغذائي في مناطق “الإدارة الذاتية”، وفقاً لتصريحاتٍ بعض مسؤوليها.

ورغم مناشدة “الإدارة الذاتية” والنظام السوري للمنظمات الدولية، إلا أنقرة لم تعدّل كمية المياه التي تتدفق من أراضيها إلى سوريا عبر نهر الفرات. كما أنها تعمل باستمرار على قطع مياه الشرب عن كامل محافظة الحسكة بعد وقوع بلدٍة تقع فيها محطة توليد مياه، تحت سيطرتها إثر آخر هجومٍ تركي على قوات “سوريا الديمقراطية” في أكتوبر 2019.

أهم أنهر العراق

أما العراق فيشهد مع قرب فصل الصيف أزمة انخفاض حادة في منسوب مياه دجلة والفرات بعد أن بلغ مستويات غير مسبوقة طيلة السنوات الماضية.

ومنذ 2003، يعاني العراق من تراجع في منسوب المياه عبر نهري دجلة والفرات جراء السياسات المائية التي تعتمدها تركيا وإيران بتخفيض نسب الإطلاق وتغير مسارات الروافد وإقامة السدود العملاقة عليها .

ويخشى الراقيون من جفاف أهم الأنهر التي تمر في أراضيه بعد أن أمست مساحات كبيرة من الفرات الذي يمر في الأراضي السورية جافة أو شبة جافة، إثر تخفيض تركيا لحصة البلدين .

وانخفض منسوب مياه النهر بمعدل أكثر من 5 أمتار لأول مرة في تاريخه وخاصة في مناطق جنوب العراق .

يشار إلى أن العراق يعتمد في تأمين المياه بشكل أساسي على نهري دجلة والفرات وروافدهما التي تنبع جمعيها من تركيا وإيران، واللذين يجريان فيه من أقصى الشمال والشمال الشرقي والتقاءً بشط العرب عند الجنوب بمحافظة البصرة.

كما يمر في محافظتي بابل وكربلاء ثم النجف والديوانية فالمثنى ثم ذي قار ليدخل بعدها منطقة الأهوار جنوب البلاد.

وفي الجنوب يتحد معه نهر دجلة فيشكلان شط العرب الذي تجري مياهه مسافة 120 كيلومتراً جنوبا لتصب في الخليج العربي.

وتعليقا على أزمة الجفاف، أوضح مصدر في وزارة الموارد المائية العراقية أنه مع تراجع كمية المياه المتدفقة إلى سوريا من تركيا فإن حصة العراق باتت في خطر وباتت نسبة المياه قليلة جداً.

كما لفت إلى تقلص الأراضي الزراعية واتساع دائرة التصحر، فضلاً عن التغييرات البيئة جراء ذلك.