الأردنيون غاضبون من غادة عبدالرازق بعد أن استلهم مسلسلها الرمضاني الأخير «ضد مجهول» الطريقة التي أعدم فيها «داعش» مواطنهم الطيار معاذ الكساسبة، إثر سقوط طائرته وأسره ثم حرقه في قفص في مشهدٍ طقسيّ غير مسبوق.
عبدالرازق أشعلت النار بجسد قاتل ابنتها داخل قفص في الصحراء مرتدياً البدلة البرتقالية ذاتها التي ألبسها «داعش» لأسراه، في محاكاة لا تخطئها العين مع المشهد الداعشي المنفر.
لن يستطيع المسلسل المصري أن يجاري براعة «داعش» في تنفيذ مشهد الحرق، ليس فقط بسبب واقعيته، أو أسبقيته، بل وكذلك لأن الأصل الداعشي كان مدروساً بعناية كمادة مصورة، ليظهر للجمهور العريض كرسالة انتقامية، متشفيّة، وتحريضية. ومن المعروف أن فيديوهات «داعش» كانت تنتج بإشراف محترفين أجانب ممن انتموا للتنظيم.
لا شك أن المشهد مؤذ لعين المتلقي، قاس وعنيف ومتطرف، حتى لو لم تكن هناك حكاية الكساسبة. ولكنه أيضاً لم يراع أي حساسية لأهل الطيار الأردني، أولئك الذين كان يؤذيهم، ومثل أي أهل آخرين، أن يمر مجرد ذِكر لحادثة الحرق، وقد انسحبت والدته مرة من مقابلة هاتفية مع قناة مصرية لمجرد أن المذيع راح يكرر على مسمعها أن ابنها قضى حرقاً بتلك الطريقة.
يطالب الأردنيون اليوم بمقاضاة عبدالرازق بسبب ما اعتبروه مسّاً ببطلهم، وإيذاء لمشاعرهم. وقد يكون من المستبعد أن يستمع القضاء لدعوات من هذا النوع، فالأمر ليس فيه خرق لممنوع قانوني، إنما هو غياب لحساسية أخلاقية تراعي أهل الكساسبة، أما أنها لا تراعي حساسية المشاهدين الرمضانيين في بيوتهم.
الدعوى الوحيدة التي يمكن لها أن تكون مسموعة أن يتقدم «داعش» بشكوى بخصوص حقوق الملكية الفكرية.

رشا رزق.. صوت وحيد

يتشارك سوريون كثر (يتشايرون على وجه الدقة) فيديو كليب أغنية لمواطنتهم رشا رزق يحمل عنوان «أحباب». أغنية تقول كلماتها «قد رنّ جرس الباب/ مرحباً بالأحباب/ طال انتظارنا والشوق/ لمن عنّا غاب/ هذي كؤوس الشاي/ لن يملأها سواي/ ترن كالأجراس حين تمسكها يداي/ أصواتكم تملأ الدار/ ضحكاً، نقاشاً، وحوار/ جيران، أصحاب هنا/ نتشارك هذا الهناء.. آه هناء..».
لم تخرج المغنية في أغنيتها لحناً وأداء وكلمات من عباءة أفلام الكرتون المدبلجة، حيث عرفت الفنانة مغنيةً في شارات تلك المسلسلات، والتي غالباً ما كان نجاحها يأتي محمولاً على نجاح الفيلم الأجنبي المدبلج، أو ربما هو مجرد الحنين لصوت رافق طفولتهم، ومن ضيق هذه البلاد أن الأصوات فيها لم تتعدد، حتى على مستوى فيلم كرتون مدبلج.
تأتي أغنية «أحباب» لتكشف حجم هذه الموهبة المتواضعة، والتي على ما يبدو صدقت نفسها إلى حدّ أنها أرادت التأليف والتلحين إلى جانب الغناء. لم لا، ما دام هناك تلفزيون سخيّ في تمويل الأعمال الرديئة (الكليب من إنتاج «تلفزيون سوريا»)؟! لذلك لن نستغرب فوق كل هذا أن يأتي الكليب (المصوّر في سوريا وتركيا وفرنسا) بالقدر ذاته من التواضع.
لا نستغرب هذا السخاء الإنتاجي، ولا هذه المواهب المتواضعة بالجملة، إنما نستغرب أن يتشارك سوريون كثر في ترويج هذه البضاعة الفاسدة.

دراما سورية متضامنة

مدهش كم التضامن والتحابب بين السوريين من صنّاع الدراما التلفزيونية السورية، مخرجين وكتاب سيناريو وممثلين، في عزّ النزاع من قبل الجميع ضد الجميع، وعلى كل شيء. مدهش بالضبط لأن السوريين، شبيحةً ومعارضين، ما اجتمعوا قط إلا على طاولة تلك الصناعة. كيف حدث ذلك؟ هل هو التسامح والمحبة بعد سنوات من التشبيح والتحريض والاتهام والتخوين؟ أم أن رابطة «البزنس» أقوى من أي رابطة أخرى؟
لكن إذا كانت طاولاتهم ملأى بالحب والتضامن إلى هذا الحدّ لماذا لا يثمر ذلك دراما متألقة على قدر تلك المحبة؟! إذ يجمع كثيرون على مستوى متدن، يزيد انحداراً مع كل رمضان جديد!

دليلك إلى الدراما الرديئة

يقترح شاعر وكاتب سيناريو تلفزيوني سوري زواية صحافية تحت عنوان «دليلك إلى الدراما الرديئة»، على غرار زاوية صحافية قديمة تصدّت للكتاب الرديء حملت عنوان «دليلك إلى الكتاب الرديء»، ويتساءل الكاتب إن كان هناك من الصحافيين من لديه الجرأة على مثل هذه الخطوة.
الجواب يأتي بالذات من ناقد فني متابع لسنوات طوال، على ما يقول في رده، متسائلاً «أي منا لديه القدرة الكاملة، لا الجرأة، لتحديد أفضل المسلسلات أو أسوأها؟». فبرأيه «تلك تحتاج إلى قواعد، اتفقت كل نظريات النقد أنها تتأثر بالتعليم والأذواق وعادات الفرجة لدى من يشترك في وضعها، وطيف المسلسلات التي شاهدها، ووجهة نظرهم عن مفهوم الدراما التي يؤمنون بها، تلك المرجعيات تجعلنا كصحافيين ونقاد، وأتكلم عن نفسي إن لم يرق لزملائي التعميم هنا، أضعف من أن ننتهي إلى قائمة عادلة للدراما الرديئة..أو حتى الدراما الجيدة»!
ثم يختم الناقد اعتراضه بالقول: «أنا فلان الفلاني، المتخصص بالدراما السورية، أعلن أني أضعف من أن أصنع تلك القائمة، لا من باب عدم امتلاكي الجرأة، وإنما لأني لا أملك القدرة».
تصوروا أي سوريا هي إذاً في عقل ذلك الناقود! سوريا التي لم تستطع أن تنجب ناقداً واحداً يستطيع أن يميز المسلسل التلفزيوني الجيد من الرديء!
هل الأمر حقاً أننا لا نملك القدرة، أم أننا لا نملك الجرأة، أم أن السرّ في صحافة العلاقات العامة والبزنس وخلافه؟

إعلان بنكهة الممنوع

لعلها على حق، هذه المرة، تلك الضجة اللبنانية حول إعلان لمشروب من الشعير خال من الكحول. صحيح أن المنتج خال من الكحول، باعتباره محرماً دينياً، ومحظوراً اجتماعياً وخطراً صحياً، لكن الإعلان ينهل من «أمجاد» تلك المشروبات، يستوحيها لتسويق سلعته، أساساً من دون ذلك من كان سيلتفت لشراب الشعير (الاسم بذاته، من دون أمجاد سلفه الكحولي، يحتاج لألف حملة إعلانية لتهيئته كمادة مقبولة على الطاولات).
إعلان يعرض شرائح متنوعة من الناس كل بيده تلك الزجاجة الخضراء (حتى شكل الزجاجة ولونها يستلهم الأصل الكحولي)، مع معلّق يؤدي بصوت يوحي أنه في حالة سكر، أو يكاد. يقول حين تظهر صورة امرأة: «بشرب وأنا حبلى»، ويروح يسهب أثناء ظهور الآخرين: بشرب قبل ما سوق (يظهر سائق وفي الخلفية يصعد الأولاد إلى باص المدرسة). بشرب وعمري 15. بشرب قبل السبور (الرياضة). بشرب قبل ما أوعى. بشرب قد ما فيي. بشرب لأنه فيي. بشرب على طول. بشرب بلا كحول».
مفهوم أن الأكثر تشدداً تجاه الإعلان هم من المتدينين باعتبارهم نوعاً من «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، ولكن هناك أيضاً من يرى في الإعلان خطراً اجتماعياً وصحياً لأنه يوحي بـ «اللذائذ» الأصلية، وبالتالي لا بد من قوننته (على الأقل في أوقات عرض محددة)، تماماً كما حدث مع التزام المجتمع الدولي في منع إعلانات التدخين، وقوننة إعلانات المشروبات الروحية.

 

 

 

 

 

 

 

راشد عيسى | القدس العربي