حسنا، عاد الأردنيون للحياكة التقليدية بحثا عن أي كلمة عابرة يمكنهم مهاجمتها لبعض الوزراء الجدد والأرشيف في الفضائيات تكفل بذلك.
أشد التركيز هنا طال وجهين جديدين، وزيرة الثقافة بسمة النسور ووزير الاتصالات مثنى الغرايبة.
السيدة الوزيرة، أعاد القوم الفضوليون بث مقابلة تلفزيونية لها مع «أورينت» تتحدث عن مشاركة الفلسطينيين والشركس والشوام في تأسيس العاصمة عمان.
قصفت السيدة بكل ما في جعبة «الوطنيين الأفذاذ» من تكفير وطني لأنها تحدثت بمسألة علمية بحتة واردة في كل الكتب التي يعتمدها أرشيف الدولة الأردنية، بما فيها تلك النسخ التي توزعها بلدية العاصمة على ضيوفها.
نعم أسست العاصمة عمان مكونات إجتماعية من بينها قبائلها البدوية في جوارها والشركس والتجار الشوام وبعض الفلسطينيين. لماذا اللطمية… ما الضير في ذلك؟!
في العادة لا تظهر الحكومات أي إهتمام نوعي بوزارة الثقافة حتى أنها وزارة حمولة زائدة تقلدها سابقا مسؤول أمني وطبيب وتاجر بيض ودبلوماسي، وكان فيها يوما وزير يصيح بالممر: بيكاسو مات… عليكم اللعنة… لماذا لا تخبروني حتى نقوم بواجب العزاء؟!
وزيرة تجر كلبا وأخرى لا تتحدث العربية ووزير شارك في وصلة فنية على الطبل… يا مصيبتنا، هذه ملاحظات مئات الأردنيين على الوزارة الجديدة.
حاول أحدهم إعادة تذكير وزير الاتصالات الشاب الجديد في مقابلة تلفزيونية له على شاشة محطة «رؤيا» يندد فيها بقانون الضريبة المتوفى.
الفتى الوزير من خارج العلبة والنادي والعائلات المترفة، لذلك لم يبث تلفزيون الحكومة سيرته الذاتية كالعادة.
التهمة التي يوجهها كثيرون للوزير الشاب كالتالي: هتف أيام الربيع العربي لإسقاط النظام… لديه صورة مع فرقة فنية… زوجته فنانة سورية من نجوم مسلسل «باب الحارة» على «أم بي سي».
كما يحصل مع العنب تماما عندما يصر البعض على رؤيته باعتباره «حصرما» وسرعان ما يصرح برلماني برتبة مصارع بأنه لن يمنح الثقة لحكومة فيها وزير هتف لإسقاط النظام.
على حد علمي هتف الغرايبة لإصلاح النظام، وليس لإسقاطه والارتباط بزوجة فنانة في أخطر مسلسل درامي في التاريخ العربي الحديث هو امتياز لا تملكه غالبية النخب، التي تتسلى بالشعب والنظام في نادي الوزراء.

تنبيه للحراك

غريب فعلا أمر الأردنيين… هجوم شرس على شباب تقلدوا الوزارة وفي كل الأسلحة البشعة فقط لأنهم من غير النمط التقليدي مع قناعتي طبعا بأن حتى هؤلاء لن ينجزوا مع فريق وزاري مخيب للأمال.
عموما نقول ذلك عن الوزير، الذي لا نعرف خيره من شره بعد، مع تحذير حراكات الشارع من اللعبة المتذاكية الجديدة، حيث «اصطياد» أحد الناشطين بإسم الحراك وتحويله إلى «نكهة في وزارة محافظة» وبصورة سرعان ما يتحول فيها إلى «رقم على الرف» أو ماكينة «تسحيج» بامتياز.
حصل ذلك مرتين على الأقل مع «رفاق يساريين» وها هو يحصل مع «ليبراليين».
وباختصار من يريد إشراك المعارضة فعلا في «الإدارة والحكم» لديه نماذج من شخصيات وطنية وسياسية يمكن هضمها تلاحظ من أجل العرش والدولة وليس عليهما.
شاهدنا المهندس ليث الشبيلات على شاشة «الميادين» مناورا وهو يتحدث عن «الأصلي والجوهري» في قصة «الدوار الرابع» وشاهدنا قبله الشيخ زكي بني إرشيد على شاشة فضائية «اليرموك»… هذه النماذج يمكن تأسيس شراكة معها عندما ننشد التحول للإصلاح بدلا من «حراكيين» سرعان ما ينضمون للسرب وتحكمهم القيود ويخضعون للهندسة إياها وهم في كل حال «أغرار» في علم الاشتباك السياسي.

الديمقراطي الميت

الخطبة المتلفزة الأخيرة للرئيس اليمني المخلوع والقتيل علي عبدالله صالح وبعد تسريبها مؤخرا فقط تعيد تنشيط الذاكرة بكل ما هو حزين.
الخطبة، التي أذاعتها قناة «يمن اليوم» لأول مرة يندمج فيها صوت المغدور الصلب مع أصوات القصف حول وعلى مقره السكني.
فجأة كان الرجل يدعو إلى تمتين الحوار والديمقراطية باعتباره الحل الوحيد لبلاده.
جميل هو الحل الوحيد، لكن الدعوة حضرت متأخرة جدا.
طبعا الجرائم، التي يرتكبها التحالف في اليمن يندى لها الجبين.
لكن الزعيم العربي عموما لا يعترف بالحرية والديمقراطية إلا عشية الموت أو قرب لحظات اليأس والهزيمة.
في كل الأحوال ينسى الزعماء دورهم في تكريس ثنائية الاستبداد والفساد التي تطيح بهم في النهاية لتأتي بغيرهم أكثر فسادا.
تذكرت «سي أن أن» وهي تبث آخر لقطة في حياة الزعيم معمر القذافي، حيث كان الرجل يصرخ قبل معالجته برصاصة في الرأس.. «أنا القايد يا أولاد».
و«الجزيرة» وهي تنقل العبارة الشهيرة لزين الدين بن علي.. «الآن فهمتكم».

محافظ نابلس

محافظ نابلس المدعو أكرم الرجوب له رأي آخر في التقويم لهذا التاريخ فعلى شاشة «القدس» تابعت تحذيراته العلنية التي تصلح لمخاطبة لصوص برتقال في السوق المركزي للخضار وليس لشعب تحت الإحتلال.
الجنرال المحافظ يستعمل كل كلمة نابية متاحة وسط تصفيق الجمهور، فلا يأتي على ذكر إسرائيل ويصر على التحدث عن كل خصوم السلطة ورئيس الشرعية.
على كل، احتفى تلفزيون فلسطين بالرجل بعد فضيحة القمع الأخيرة لأهل الضفة الغربية المتعاطفين مع أهل غزة.
وأغلب الظن أن الرئيس محمود عباس لا يحتاج لأعداء جدد مع معاونين لديهم هذه القدرة على التبجح في تهديد الشعب.

 

 

 

 

 

 

بسام البدارين