المذيعة ريتا خوري دائمة الاحتفاء بزميلتها السابقة في إذاعة «مونت كارلو» هيام حموي، سبق أن أفردت لها فقرة خاصة في برنامجها بمناسبة تكريم لها في أحد مراكز دمشق الثقافية، لمجرد تكريم وندوة في «المركز الثقافي العربي» في دمشق، أكثر الأماكن الثقافية بؤساً في البلاد.
كذلك فعلت خوري أمس وهي تحتفي (على صفحتها في فيسبوك) بفيلم ترويجي يتحدث عن مناقب حموي وتجربتها، مقدمة للفيلم بعبارة مقتطفة من الفيلم نفسه، حيث تقول حموي «ما سينقذ الإذاعة أكثر من أي شي، هو إنّو اللي بيشتغلو فيها يقررو إنّو هي فن قائم بذاته مش بس وسيلة حكي».
لا شك أن لحموي صوتا جميلا ودافئا، ولعله جزء من ذاكرة الكثيرين الذين استمعوا لبعض الوقت لـ «مونت كارلو»، الإذاعة العريقة، أو للإذاعات الدمشقية الخاصة التي انتعشت في السنوات الأخيرة ما قبل الثورة، بعد أن أتيحت تلك الإذاعات للخاصة والمرضي عنهم، لتكون رديفاً للإعلام الرسمي، وأحياناً بديلاً عنه، وفي زمن الثورة كان للإعلام الخاص أن يتقدم الصفوف محارباً على كافة الجبهات، وكانت «شام أف أم»، التي تلعب حموي دوراً رئيساً فيها، من أبرز المحاربين.
لكن لا تخفي حموي انحيازها للنظام، والإعلامي ليس مجرد نجار موبيليا، كما أجاب فنان تشكيلي سوري ذات مرة مفسراً عمله في إطار حملة انتخابية لرجل أعمال كبير من عظام رقبة النظام، الإعلامي ليس مجرد تقني، حتى نكتفي بالقول إن ما ينقذ الإذاعة أن تكون فناً وليس وسيلة حكي.
الإعلامي قبل أن يكون صوتاً جميلاً، وتقنياً بارعاً، وصاحب «فن قائم بذاته»، على ضرورة كل ذلك، هو صاحب موقف وقضية، على الأقل لا يجب أن يكون محسوباً على نظام قاتل.

تقرير ثقيل الظل عن تظاهرات مرحة

التقرير الذي يستحق لقب «ثقيل الظل» بلا منازع بثته قناة «العربية» تحت عنوان «الأردنيون يواجهون الغلاء والضرائب بالكوميديا السوداء».
بدا التقرير، أثناء محاولته إثبات أن الشعب الأردني صاحب نكتة، حيث تحاول سيدة دحض مزاعم «اللي بيقول إن الشعب الأردني كشر وما عنده روح الدعابة»، بدا كما لو أنه بيان سياسي حكومي، خصوصاً عندما وظف أحد ضيوفه من أجل أداء عبارة وحيدة فقط: «شاهدنا لوحات تعبر عن روح الفكاهة عند الشعب الأردني، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أن الشعب الأردني يريد الإصلاح، وهو شعب واع ويريد تحقيق مطالبه، ولكن لا يريد الإضرار بمصالح الوطن الخاصة والعامة».
على عجل يستعرض التقرير لافتات رفعت في التظاهرات واحدة يرفعها طفل وتقول «حلّوا عن مصروفي»، وأخرى تقول «معناش»، إلى لافتة «الأردني مش لافاش كيري عشان تحلبوه».. إلى جانب أنه يسلّط الضوء على شخص بلباس كائن فضائي على أساس أن كائنات من المريخ كائنات جاءت لمساندة المواطنين.
لكن لا الصياغة، ولا توظيف الصور كانا كافيين لمادة خفيفة على القلب، مع أنها يفترض أن تعرض أطرف ما في التظاهرات.
كان يمكن لمراسلة «العربية» سهى جميل أن تذهب أبعد قليلاً في الإعداد لمادتها، روعة التظاهرات والمتظاهرين الأردنيين تستحق قليلاً من العناء.

الدرس السوري

تظاهرات سوريا الملهِمة لا تغيب عن مشهد التظاهرات الأردنية. في الشعارات السورية «الموت ولا المذلة»، و«سلمية سلمية»، الخ.. وفي همّة الشباب، ومرحهم وهم يعبّرون عن مطالبهم. لكنها حاضرة أيضاً على نحو حزين، وقد كان من قبل كل مشهد غضب جماهيري في العالم مبعث تفاؤل وأمل لشعوبنا. يا لطيف ما أقسى الدرس السوري!

المغاربة غاضبون

ستبقى صورتنا في الدراما التلفزيونية، وفي مختلف أنواع الفنون والأدب عموماً، نقطة إشكالية تثار خصوصاً مع كل دورة تلفزيونية رمضانية جديدة، مع المسلسلات التلفزيونية المشاهدة من الملايين حول العالم. أكثر النقاط المثيرة للجدل غالباً ما تحمل نزعات عصبية، قبلية المنشأ.. فالبقاعيون اللبنانيون غاضبون من طريقة تصويرهم في مسلسل «الهيبة»، والمغاربة غاضبون من صورتهم في مسلسل «شير شات» الكوميدي السعودي، حيث اعتبر كثيرون أن المسلسل «يصور المغرب على أنه مقصد للباحثين عن المتعة الجنسية، و يسيء إلى المرأة المغربية، عندما يسافر أبطاله الثلاثة إلى مدينة مراكش من أجل زواج المتعة». بل إن هناك من وجد أن المسلسل يصور المغرب كأنه «نخاسة أو سوق للجواري».
عندما تشاهد الحلقة المقصودة ستجد أن الجدل حوله مضحك للغاية، إن لم نقل إنه مثير للشفقة بالفعل. حرام فعلاً أن يؤول المشاهدون تلك الكوميديا على هذا النحو. المسلسل التلفزيوني ليس مسؤولاً عن التنميط في الواقع، وإن كان هذا التنميط مقصوداً حقاً في المسلسل لضرورات كوميدية، فلا تنسوا أن هناك تنميطاً أسوأ للشخصية السعودية.
في كل مرة يظهر ممرض على الشاشة يتصرف على نحو سيء، ستثور نقابة المممرضين لتقول إن الشاشة تسيء إلى مهنة التمريض بتقديم الممرض كشخص سيء، وإن قدم التلفزيون أو السينما شخصية من جنسية ما وقد ارتكبت جرماً سينظر إلى الأمر وكأنه اعتداء على الجنسية برمتها.
تشعر مع هذا الصخب أن هناك من يتقصد أخذ النقاش إلى أمكنة لا تنتج سوى مزيد من تكريس النزعات العصبية الفارغة، والتي تبدو مهمتها الوحيدة تمويه ما عداها من مشكلات ومصائب اجتماعية.

وعدتني بالحلق

في كل حدث وطني كبير يتراكض الناس إلى الأغاني التي تنوء تحت ثقل الغبار. تروح الأغاني تصدح، ليوم، يومين، ثم تعود إلى الرفوف في انتظار مناسبة أخرى.
هكذا حدث إثر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أخيراً، ما أشعل الغضب، والأغاني القديمة. بعضها خطابي، وبعضها فجائعي منتزع خصوصاً للدموع.
لكن لدى أهل القدس ما يقولونه، خطاب مختلف ومتقن الصنعة. فهذه فرقة صابرين تطلق أغنية ساخرة مصورة باسم «وعدتني»، أغنية جميلة لحناً وكلمات وصوراً. من دون خطابة، ولا دموع، وبكلمات ساخرة «وعدتني بالحلق خرّمت أنا وداني»، ثم تختم بكلمات «هاي أغنية من القدس وأهلها، للّي بوعد وبيخلف، واللي بيحمل بطيختين بإيد وحدة. القدس مش بس حجر، كمان بشر».
يبدو أن أهل القدس أدرى بأوجاعها.

 

 

 

 

 

 

 

راشد عيسى