قد يخيل للبعض أن المفاوضات مع نظام الأسد ستأتي بنتائج سريعة وأن الأزمة باتت قاب قوسين أو أدنى من الحل و أن رحيل نظام الاسد هو مسألة وقت ريثما يتم وضع ترتيبات هيئة الحكم الانتقالي في سوريا وفي الحقيقة إن الجميع يحلم و يتمنى انتهاء هذا الكابوس المرعب الذي يخيم على سوريا و السوريين بأقرب وقت , كما ندرك تماماً أن هناك من يتلاعب بهذه المشاعر و يدغدغها ويستخدمها كجزء من حربه النفسية و الاعلامية التي تمارس ضد الشعب السوري18ed9ed2-15dd-416b-b7d6-1a85ae4639b1_16x9_600x338
و كان من الممكن للمرء أن يتفائل لو أن المعطيات العسكرية و السياسية الواقعية توحي بذلك و لكن لا شيء حتى الآن يوحي بنهاية قريبة للأزمة السورية
إن مصير نظام الاسد بيد القوى الاقليمية و الدولية و لايملك أي تاثير في مسار الأحداث , وبقاؤه أو رحيله رهن بارادة هذه القوى فهو بالأساس نظام حكم طائفي وظيفي , زرع في سوريا منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي لحماية اسرائيل و لأجل الوقوف بوجه تطور الشعب السوري و طموحه بالتحرر و التنمية , ككل الأنظمة التي أوجدتها الاستخبارات الغربية في المنطقة العربية , لذلك لا نتصور أن تتنازل هذه القوى عن صنيعتها هكذا و بكل سهولة , و ما تغطيتها للجرائم و المجازر التي ارتكبها نظام الاسد إلا دليلاً على تمسكها بهذا النظام حتى اللحظة الأخيرة , طالما كان قادراً على تنفيذ سياساتها و مخططاتها الخبيثة في المنطقة العربية
و الكثير ممن يسمون أنفسهم بـ ( السياسيين ) قد أضاعوا بوصلتهم السياسية و الفكرية و يتجاهلون هذه الحقائق السياسية و التاريخية التي يجب أن لا تغيب عن تفكيرنا و لو للحظة واحدة . فليس من المتوقع أن تسلم القوى الدولية الحكم في سورية للقوى الوطنية و الثورية إلا بعد أن تصاب باليأس من قدرة نظام الاسد على الاستمرار في أداء مهمامه الوظيفية المنوطة به
و معظم الثوارعلى الأرض يدركون ذلك جيداً و ليس عندهم أوهام ازاء رحيل نظام آل الاسد إلا بالقوة و بغيرها لن يكون هناك حلاً سياسياً ينهي حكم آل الاسد و نظامه
ومن تجربتهم الخاصة و تجارب بقية الشعوب يدركون أن الدبلوماسية و قرارات مجلس الامن لا تعيد الحقوق لاصحابها و لا حتى أنصاف الحقوق , ويدركون أيضاً بفطرتهم السليمة أن القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها نظام الاسد و داعميه والتي من خلالها يمكن أن يرضخوا لمطالب الشعب السوري المحقة .
و قد قيل قديماً أن الحرب استمرار للسياسة و لكن بوسائل أخرى , فعندما يستعصي الحل السياسي تلجأ الشعوب لتحقيق مطالبها السياسية بالقوة لفرض ارادتها على حكامها أو اسقاطهم .
خمس سنوات من عمر الثورة كانت أكثر من كافية لانضاج أي حل سياسي و لكن جوهر سياساتهم كان المماطلة و التسويف لكسب المزيد من الوقت بأمل اخماد الثورة واعادة انتاج نظام آل الاسد لحكم سورية لأجل غير مسمى
من هنا يجب على القوى الثورية في سوريا اليقظة و الحذر و أن لا تنساق وراء وهم الحل السياسي و اهمال الجانب العسكري و الميداني الذي يعتبر العامل الاهم في دفع الثورة الى الامام لتحقيق الغايات التي انطلقت من اجلها
و واهم من يظن أن هناك حلاً سياسياً في سوريا دون المزيد من العمل العسكري الضاغط و المنظم ضد مرتزقة آل الاسد و أعوانه من الميلشيات الطائفية , وبنفس الوقت يجب الحرص والمحافظة على ما تم تحقيقه من مكاسب و انجازات لصالح الثورة و عدم التفريط بها
و المتابع للأحداث يلاحظ أن الحركة السياسية و الدبلوماسية الدولية تكثفت لايجاد حل سياسي بعد تحرير مدينة ادلب و سوف يتسارع هذا الحراك السياسي اكثر فأكثر فيما لو حرر الثوار مدينة أخرى , أو تم تغيير اساليب مقاومتهم للنظام الحاقد استناداً لقاعدة التعامل بالمثل بحيث يوقعون الضرر بالمناطق الحاضنة للشبيحة بنفس القدرالذي تتضرر فيه المناطق المحررة
فلا يمكن تصور مفاوضات دون ضغط عسكري فعال و أي حديث عن هدنة و ايقاف للأعمال العدائية هو كلام مخادع الغاية منه كسب المزيد من الوقت لصالح ابقاء نظام ال الاسد لاطول فترة ممكنة .
إن دبلوماسية المعارك هي اللغة الدبلوماسية التي يجيدها الثوار وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها أعدائهم وبدونها لن يتحقق النصر
اليوم مصير الثورة السورية يقرره الثوار و المجاهدون في الداخل السوري من خلال توجيه الضربات الموجعة و المتتالية للنظام و عملائه على امتداد الوطن استناداً الى قاعدة التعامل بالمثل و توازن الرعب في كافة المناطق و الجبهات , و من خلال توحدهم و نبذ خلافاتهم جانباً , بعد ذلك سيأتي الحل السياسي كنتيجة حتمية للضغط الميداني المتواصل . عندئذ يفروضون على الجميع رؤيتهم للحل السياسي الذي يحقق أهداف الثورة و يُسقط حكم آل الاسد في سوريا و الى الابد .

 

 

حنظلة السوري