تكاد القراءة أن تكون فعلاً ضعيفاً في العالم العربي، وهذا ما تشير إليه الإحصاءات المتواترة على الدوام ومنذ أكثر من سنواتٍ بعيدة، لكن حين النظر إلى الجانب المضيء من الحياة العربية سنشهد حالات قراءة عادت لتطفو إلى السطح، والسؤال الأهمّ هو هل هناك طقوس معيَّنة لتلك القراءة؟ فالأوروبيون يقرؤون في كل مكان، في القطارات، على الشرفات، في المطاعم، لكن ماذا بالنسبة لطقوس القراءة في العالم العربي؟

هل يمكن تقسيم الكتب وقراءتها وفقاً لفصول السَّنة؟ فاليابانيَّون-على سبيل المثال- كانوا يقرؤون ويؤلِّفون قصائد التانكا والهايكو التقليديَّة وفق كلِّ فصلٍ مخصَّصٍ عنهُ الكتابة باستخدام الدلالات المواءِمة للفصل بعينه.

بعض العناوين يمكن أن تُقرأ خلال فصل الصيف وأخرى على النقيض تماماً، ولكن هذا التقسيم الفصليّ فيه المجازفة الحقَّة بالنسبة لأحوال وطقوس القراءة والحال هذه يمكن أن يتمّ تحديد أنواع القراءات الملائمة لكل فصلٍ بعينه.

طقوس القراءة عديدة بتعدّد الثقافات ونمط العيش وحتّى الفصول وأحوالها التي تفرض مزاجاً بعينه مختلفاً بين كل فصلٍ وآخر! في هذا الملف سوف نقوم بطرح سؤالٍ بعينه: هل يمكن أن نقول إنّ هناك قراءات صيفيَّة وأخرى شتويَّة أو ربيعيَّة مثلاً؟ ويمكن أن نضيف سؤالاً آخر: ما هي العناوين التي يمكن أن تُقرأ في فصل الصيف أكثر منها في فصلٍ آخر؟

ستفصح الأجوبة التالية عن مدى أهميَّة القراءة وتنوّع طقوسها من فردٍ إلى آخر.

 بُرهان شاوي:

 كاتب وروائي من العراق

ربما ارتبط الصيف بالقراءة لأن فترة العطلة الدراسية والإجازات الوظيفية تكون عادة في هذا الفصل، لكنه ليس الفصل الوحيد للقراءة.. ولا سيما إذا كانت القراءة قد تحولت إلى عادة وممارسة يومية ضرورية، خصوصاً إذا كانت القراءة ليست للتسلية فقط.

تقسيم القراءة فصليا إلى شتوية وصيفية أو ربيعية فهذا شخصيا لست متأكدا منه على مستوى الأفراد على الأقل.. لكني أعرف أن بعض الناس يؤجلون القراءات لوقت ينظمونه حسب ظروفهم الخاصة، إما صيفا أو شتاء، وحينما يتوافر لديهم الوقت والهدوء.

ربما أتفق أن هناك أحيانا تنظيم للقراءة، من خلال تأجيل الكتب التي تتطلب تركيزا ذهنيا عالياً وهدوءا كاملا، والعودة إليها عند توافر هذه الإمكانية، أو تقديم بعض الكتب الخفيفة والتي لا تحتاج إلى التركيز الذهني العالي.. لكن بالنسبة لي أهمية الكتاب هي التي تلزمني على القراءة.. وتقديم الكتاب على كتب أخرى.

شخصيا أقرأ مختلف الكتب في آن واحد.. فقد أبدأ بكتاب فكري ورواية، ومباحث أكاديمية في الوقت نفسه.. بل إنني أوزع قراءاتي أحيانا بين اللغات، لكن القراءة بالعربية تأخذ النصيب الأكبر.

لا فصول لدي للقراءة، فأنا أقرأ بشكل يومي، والكتاب الأمتع والأهم هو الذي يسرق من وقت الكتب الأخرى.. كما لا مكان محدداً لي للقراءة.. فأنا أقرأ الكتب الإلكترونية من خلال شاشة الحاسوب أو من خلال جهاز الموبايل أو الآيباد الذي احتفظ فيه بمئات الكتب الإلكترونية..مثلما أقرأ الكتب الورقية.

وأحياناً أجد نفسي أمام التزامات صداقية وأدبية بحيث عليّ قراءة روايات ودراسات ودواوين شعر يرسلها لي الأصدقاء كهدايا أو يطلب مني أصحابها أن أقرأها أو أبدي رأياً فيها، وهذا عادة يكون على حساب وقتي المخصص لقراءتي.

القراءة بالنسبة لي ضرورة.

أنور محمد:

 ناقد وباحث مسرحي سوري

القراءة عندنا هي فعلٌ قسري وليست فعل حريَّة. وإذا قرأنا- ليس عندنا طقوس للقراءة كما عند بقية الشعوب، فلنتزيَّن بها- نحنُ أُمَّةٌ سمّيعة، وإذا ما فُرضت علينا في مراحل الدراسة، فلأنَّها بدل أن نتشاجر بالأيدي والأقدام- نتراشق بحجارة الألفاظ، ونتفنَّن بسحل وشنق وذبح مَنْ يعترض طريقنا نحو الخضوع والركوع للطاغية.

القراءة عندنا نحنُ العرب إنَّما هي فعلٌ لممارسة فعلي القهر المادي والمعنوي على مَنْ لا يُطيعُ لُغتنا، هي العصبية لـ(الأميِّة) والجهل. لذا صارت من المحرَّمات، لأنَّها إنْ في الكتاب المدرسي أو في اختيارات الأنظمة لما يجب أن نقرأ فهيَ لنفرِّط في التاريخ والجغرافيا والثروات الخارجية والباطنية. لنأخذ معظم السرديات بأجناسها مِنْ مُنتَج القريحة العربية المُعاصرة؛ هل صاغت أو هي تصوغ وجداننا وسلوكنا؟ أين صوت البطولة فيها؟؟

طقس القراءة عند شعوب مثل الفرنسيين واليابانيين والبريطانيين وشيئاً ما الإسبانيين هي فعل عصبي للعقل كي يفكِّرْ، وليس كما عندنا فعل تقديم خدمات للمعلِّم/ المُستبد كانَ ما يكون دوره في حياتنا العربية. فمن أسواق القراءة في عصر ما قبل الإسلام إلى أسواق النخاسة ما بعد حرب حزيران 1967 والقراءة عندنا هي فعل (استماع) وإذعانٍ وطاعةٍ للنص- نص السلطة سماوياً كان أم أرضياً، وكل محاولة للعقل كي يشق عصا الإذعان والطاعة هي فعلُ؛ هي جريمةٌ أخلاقية وسياسية. كيف تثور أو تنقلب على مالكي (الحقيقة) الدنيوية والآخروية في إطاعة أولي الأمر؟؟

تعالوا نقرأ نصَّنا، ولا ندعِ (الآخر) مهما تكن قوَّته وشكل سلطته وجبروتها أن يقرأ عنَّا. لا تدَعوا القوادين يقرأون عنَّا أو يُصيغوا لنا نصَّنا فنصير مثل العاهرة حين تقوم بممارسة الدعارة- الجنس المحرَّم، الزنى…، فيما القواد يُشاركها الأرباح. لنخرج من طقوس- وليس طقس، القراءة السمعية البصرية التي تُدجِّن عقلنا- تُعقِّلهُ فلا ينتقد، ينقُدْ.

شريف الشافعي:

 شاعر وكاتب مصري

بداية، لا أفصل بين القراءة والكتابة، فهما عملية حيوية واحدة، مدخلاتها ومخرجاتها متداخلة ومتشابكة. أحَبُّ الفصول لديّ في السنة، الذي يُحرضني أكثر على القراءة والكتابة، هو: الشتاء، والربيع، والصيف، والخريف! لا أرى الصورة على ما يراها بعضهم من المد والجزر، أو الشد والجذب. قصيدتي، مثلًا، بفضل الله، لا تستعصي عليَّ، ولا تنتظر حتى أدعوها، قصيدتي لا تخون المواعيد أبدًا، لأنها، ببساطة، المواعيد كلها. الثقة متبادلة بيني وبينها، لذلك لا أتعجل أبدًا نضجها داخلي، كي لا أقهرها. ولا تتعجل هي نضجها، كي لا تخدعني أو تظلمني.

هكذا شأن القراءة بالنسبة لي، زمنها ممتد، مثلما أن زمن القصيدة ممتد على مدار اليوم كله، والعمر كله، وهو أشمل بكثير من زمن التدوين النهائي على الورق. إن الإمساك بالقلم، وخط حروف القصيدة، مرحلة متقدمة جدًّا من مراحل الإبداع المتتالية. القراءة كذلك، قد تستمر والكتاب ليس في يدي، أعني استكمال قراءة المسكوت عنه وما بين السطور بالتأمل والتفكير فيما أنهيت قراءته أو قرأت قسطًا منه.

لا أمارس في الكتابة والقراءة طقوسًا من أي نوع، فمثلما أحيا ببساطة، فإنني أكتب وأقرأ ببساطة، في أي وقت، وكل وقت، وأي مكان، وكل مكان. لا أميل كذلك إلى الربط بين طقوس الإبداع، والإبداع نفسه كفعل حيوي، وإن كنت لا أنفي علاقة وثيقة بين تلك الطقوس (خصوصًا الغريبة والشاذة لدى بعضهم) وبين الترويج للإبداع، أو تسويقه. أضف إلى ذلك ما يتصل بالمظهر الشخصي للمبدع، وبعض عاداته وسلوكياته، الخ الخ. على أن دارس الإبداع الموضوعي، فيما أتصور، لن تعنيه حكايا عن بيريه الحكيم مثلاً، وهل كان المسرحي الكبير بخيلاً فعلاً أم يدعي البخل؟! ولن يفيد الآن عند تقييم لوحات دالي فنيًّا أنه افتتح هذا المعرض أو ذاك وهو متجرد من ملابسه تمامًا، فأدهش حاضريه! أيضًا طقوس القراءة لدى آخرين، تتخذ أحيانًا بُعدًا دعائيًّا أو تنميطيًّا، هذا لا يقرأ إلا في رُكن من مقهى بعينه، وهذا إن فاته موعد القراءة اليومي أجله إلى مثيله في اليوم التالي، وهذا يعتزل القراءة شتاء أو صيفًا..، ولربما ناسبت هذه الأمور آخرين، لكنها لا تناسب حيوية التعاطي مع الحروف، قراءة وكتابة، مثلما أؤمن بها.

آن الصافي:

 كاتبة وروائيّة سودانيّة

حتى عقود مضت كان هناك نشاط أدبي وثقافي في المجتمعات العربية، ومنها وطني السودان. كان اللقاء مع الحروف عبر الكتب والصحف والمجلات جزءا من الحياة اليومية للفرد. حدث تراجع في عدد القراء ومعدل القراءة مع تغيرات طرأت على المجتمعات تتعلق مجملاً بالاقتصاد والحروب والأمن، وكذلك دخول التلفاز والحاسوب لحياة الإنسان مما غير في أولوياته وتعاطيه مع ما حوله، أمر مهم آخر نجد من أسباب البعد عن القراءة هو ماذا يُكتب لمتلقي اليوم في إقليمنا؟! هل هناك ما يجذب الأجيال الحديثة للكتاب في مكتبتنا العربية؟! حتى إن وجدنا من يقرأ من اليافعين، تراهم يتناولون نصوصا مترجمة أو بلغاتها الأم لثقافات أخرى.

حالياً أصبح أمر القراءة في بعض مجتمعاتنا ينم عن الترف. ومع ذلك نجد أن هناك ما أعاد بريق القراءة شيئاً فشيئاً، ومن أسباب ذلك انتشار الأنشطة الثقافية وقنوات الإعلام وتطبيقات التواصل والمسابقات كل ذلك رغب في العودة للكتاب الورقي أو عبر شاشات الحاسوب والهواتف الذكية. سأتحدث عن عادات أبناء وطني السودان، كثيراً ما أرى الكتاب صديقا لطلبة المدارس والجامعات، وهناك مجموعات قراءة للمثقفين والكتاب من جميع الفئات العمرية، مما يشجع على القراءة والنقاشات على أرض الواقع أو عبر تطبيقات التواصل. وكما في الكثير من دولنا، للمسابقات والبرامج والملتقيات الأدبية والثقافية والأنشطة الموسمية المتعلقة بالمؤسسات التعليمية والأندية وشهر رمضان دور مهم في التحفيز على القراءة لشريحة من المتلقين. والشعر شفاهة يملأ مساحة كبيرة لدى مجتمعاتنا التي يتيسر لها إقامة أنشطة موسمية.

مجملاً، نظام الحياة في الغرب يساعد على أن يكون للفرد مجال للقراءة وتوفر طرق متنوعة لتوفير الكتب بمختلف مواضيعها عبر المكتبات العامة والنسخ المخفضة الأسعار، ويهيئ الفرد للقراءة منذ نعومة الأظفار في المنزل والمدرسة، والقراءة هناك حاجة أساسية كالطعام والشراب وليست كمالية أو رفاهية أو حتى تدرج تحت مسمى هواية كما يحدث في بلادنا. كما ذكرتم هناك ثقافات وحضارات قدمت للفرد خيارات توائم فصول السنة وفسحة للتركيز في العطاء الإبداعي يتوافق مع الميول السائدة والطاقة الإبداعية للفرد، وكذلك أجواء المتلقي مرهونة بمعطيات متوافقة وهذه الأجواء.

الأمر مختلف جذريا في معظم دول إقليمنا، إنه يتفق مع معطيات المجتمع وما يتلقاه الفرد من إمكانيات وسبل لتحصيل الكتب بتنوعها وبرهة للقراءة؛ وغالباً متى سنحت الفرصة في مقهى أو وسيلة مواصلات أو في المنزل نهاراً أو ليلاً.  لبعضهم يكون الأمر مجاهدة حقيقية لإكمال كتاب في زمن يقتطعه الفرد بعيداً عن مشاغله والتزاماته. في إقليمنا، يندر أن نجد مبدعا متفرغا لعمله ومتلقيا يرصد الأجواء العامة ليختار من المعروض ما يوائم فصول السنة، كما قلت فهذا شيء نادر جداً، إن وجد. ربما الدارس والباحث لديهما التزام بمقرر وتوقيت بعينه لذا يتوجهان للقراءة بحسب جدول محدد، عدا ذلك يعتمد على كل مبدع ومتلقّ وما يتأتى له.

في ما يخصني، أجتهد قدر الإمكان نحو القراءة بحصص يومية، وتشكل خريطة القراءة لدي حقولا ومواضيع تخص أزمنة وثقافات متنوعة. لا ألتزم بتقسيم مواضيع الاطلاع والقراءة حسب فصول العام، بالنسبة لي القراءة فعل حيوي يغذي العقل، ولدي مواسمي الخاصة أبتدعها وأعيش معها ولا أرهن ذلك بأي تقيد موسمي أو فصلي. مثلاً في فصل الخريف عادة ما أكون في وطني السودان أمضي الوقت بين التواصل واللقاءات الأسرية وقراءة ما يقع في يدي من المكتبات هناك، وعادة بعض الكتب التي أكون قد أحضرتها معي لأكملها خلال عطلتي. عبر بقية فصول العام حين أكون في الإمارات أتطرق لعناوين متنوعة في مجالات مختلفة كما يروق لي. من الممكن أن أقرأ أكثر من كتاب في مجالات مختلفة بالتوازي. في السفر، وعبر أي وقت من العام، أمد يدي إلى المكتبة وأختار ما يرافقني في رحلتي، من الممكن أن تكون قصصا قصيرة أو رواية أو كتبا علمية أو فكرية.. إلخ.

ما يلفتني لأي كتاب الموضوع والنص وطريقة تقديمه للمتلقي أياً كان… من تجربتي العناوين تضلل أحياناً لذا أضعها بعيداً في قائمة معايير الاختيار.

عمار المأمون:

 كاتب وصحفي سوري

هل يمكن أن نقول إنّ هناك قراءات صيفيَّة وأخرى شتويَّة أو ربيعيَّة مثلاً؟

حقيقة لا أؤمن بوجود فصل محدد للقراءة، وينبع ذلك من طبيعة القارئ نفسه، بين الهاوي والمحترف، لكن لا ينفي ذلك أن لبعض القراء تقلبات مزاجية، ترتبط بالظروف المختلفة المحيطة بهم، قد تكون درجة الحرارة مثلاً أو حتى طبيعة الورق المستخدم لطباعة الكتاب، لا أقول إن هذه العوامل ممكن أن تنفي فعل القراءة، فالجديّة منها لا تتأثر بذلك، لكن أحياناً هناك متخيّلات وصور نمطية عن القراءة بالإمكان أن تحفز الشخص على “التهام” كتاب ما، والعكس صحيح، قد تدفعه بعيداً عن كل ما هو مكتوب، وأظن أن هناك عرفا اقتصاديا مرتبطا بطبيعة كل دار نشر وتاريخ الإصدارات الجديدة التي تكون في بداية العام، ما يجبر المتابعين على القراءة شتاءً في بعض الأحيان أو النشر قبل معارض الكتاب الكبرى، وهذا ما يعكس الطبيعة الاستهلاكيّة لصناعة “النشر” وهل هي فعلاً ترتبط بأوقات الفراغ التي هي عادة التي تخصص للقراءة.

لا أظن أن هناك دراسات في المنطقة العربيّة تحاول تفسير وتحليل “النشاط الاستهلاكي” للكتب عبر دورة الفصول من وجهة نظر اقتصادية ما قد يفتح الباب على طبيعة تكوين عادات القراءة وآليات الهيمنة الأيديولوجية المرتبطة بها، هذا طبعاً إن وجدت.

ما هي العناوين التي يمكن أن تُقرأ في فصل الصيف أكثر منها في فصلٍ آخر؟

هذا السؤال يرتبط بمزاجية كل قارئ، لكن شخصياً في الصيف أنصح حقيقة بنوعين من الكتب الأولى التي ترتبط بالحرّ الذي قد يكون قاتلاً في بعض الأحيان، كالغريب لألبير كامو أو ما قد يسببه من مزاج سيئ لبعضهم يتلاءم مع “غثيان” سارتر، والنوع الآخر المرتبط بالرياضة والخفة كـ”عدو” لجان إشنوز.

عبدالله المتقي:

شاعر وكاتب مغربي

لا يختلف اثنان على كون القراءة، ليست ترفا أو تزجية للوقت، بل شعوراً بالسمو، وفرحا غامضا يعترينا كلما قرأنا كتبا رفيعة في كلماتها ومعانيها، فالقراءة اكتشاف لعوالم جديدة وتهذيبا للروح، والخروج بها من غياهب الظلمات الحالكة إلى عوالم مضيئة وأكثر رحابة، لكن ماذا بالنسبة لطقوس القراءة في الوطن العربي؟

تختلف طقوس القراءة من شخص لآخر في هذا الوطن العربي لندرتها، كما تختلف الأماكن التي يجد فيها القارئ الجوّ المناسب لقراءة كتاب يفضّل بعض القرّاء العزلة أثناء القراءة؛ فتجدهم يقرؤون في ركن معيّن من منزلهم، بينما يستمتع آخرون بالخروج للقراءة في أماكن عامة كالحدائق والمقاهي أو المكتبات العامة، باعتبارها أمكنة مخصصة للكتب، ثمّ لأن دخولها مجاني إضافة إلى هدوئها الذي يساعد في فتح شهية القراءة، وهناك من القراء من لا يحفل بالمكان أو بأجواء الهدوء، مع مصاحبات قد تختلف من قارئ إلى آخر، حيث لا تجد صورةً ومشهداً قرائياً واحدا.

هل يمكن تقسيم الكتب وقراءتها وفقاً لفصول السنة؟

جلسات القراءة لديّ تختلف حسب المناسبات الزمنية، ففي شهر رمضان وما يحمله من طقوس مقدسة، أشتهي الغرق في كتب القصص الدينية الأساطير والخرافات والملاحم والحكايا العربية القديمة كألف ليلة وليلة وذات الهمة وغيرها، في فصل الشتاء أغوص في دفء الروايات، أما في فصل الربيع فكم أشتهي قراءة الدواوين الشعرية وبالمناسبة أشعرني وكأني أحتفي قرائياً باليوم العالمي للقصيدة.

ما العناوين التي يمكن أن تقرأ في فصل الصيف أكثر منها في فصل آخر؟

من العناوين التي يمكن الدخول معها في حالة هياج ذهني غالبا ما تكون عناوين سردية، كالقصص والروايات وأحبذ أن تكون عجائبية حتى أضفي نوعا من المتعة على إيقاع هذا الصيف الرتيب، وأفضل عناوين الكتب الورقية، حيث لا أطيقها رقمية، ومن العناوين التي أقترح الدخول معها في هيجان ذهني وتنتظرني على الرف “غرفة العنكبوت” للمصري محمد عبدالنبي، و”ثلاث ليال” للشاعر والقاص والروائي والوزير السابق محمد الأشعري، و”العربي الأخير” لواسيني الأعرج، ثم “باب الطباشير” لأحمد سعداوي.

خضير الزيدي:

 ناقد عراقي

توصف القراءة بأنها اجتهاد ذهني، لهذا تختلف من فرد لآخر، فهي طقس يومي عند المثقف وركن من مقومات شخصيته فلا يمكن الابتعاد عنها أو تركها كأنها ميراث يحافظ عليه من تبعيات الزمن، الملفت في فاعلية القراءة أنها تشكل علامة حيّة لمن عرف أهميتها وعدها جزءا من حياته.. عند الفرد العربي ترتهن باختلاف وتذبذب، أما الإنسان الغربي فهي سمة تلازمه في رحلته اليومية وعند سرير نومه وفي استراحته في الحدائق العامة، فكيف تشكلت لتحمل هذا الأساس؟ وكيف زُرعت في نفسيته؟ طبعاً الأمر عائد للنشأة والأسس التربوية للأبوين فأصبحت تلازم الأبناء شتاء وصيفاً، فكأن الأمر عادة يومية، أما عند الفرد العربي فلا يمكن الإشارة إليها، لأن سياقها مختلف بسبب الاضطراب النفسي الحاد وعوامل الفقر الاقتصادي والارتباك الاجتماعي، أسباب مثل هذه من شأنها أن تحد من القراءة ما دامت اجتهادا ذهنيا. هناك جانب آخر عرف به الفرد العربي أنه مستهلك بشكل لا يصدق، إذ غيرت وسائل الاتصالات الحديثة من شخصيته وجعلته فردا كسولا باتجاه القراءة وهذا ما يصاحب ملازمته لعالم فيسبوك بأوقات طويلة نضرب مثلا هنا في عامل مهم غير من نمط الشخصية العربية، فلا حاجة اليوم لقراءة الصحف والمجلات والنصوص الروائية صار العالم فسحة زرقاء، لكنها مرئية وليست مقروءة ولهذا لا أتصور أن الفرد عندنا يعير أهمية للصيف أو الشتاء ليمارس فاعلية القراءة.

من يتمرن بذهنيته المتقدة على القراءة اليومية لا تشكل فصول السنة له مكانة.. الكتاب عالم ليس غريبا لكنه يحتاج لصفاء ذهني وهدوء وتأمل.. أسوق هذا التصور بناء على ما أعمل عليه، لهذا أبني تصوراتي وفقا لمفهوم شخصي وأعتقد أن الغالب من الأصدقاء ربما يوافقني الرأي بأننا نقرأ اليوم بشكل أقل مما كنا عليه وطبعا هناك أسباب لا تخلو من مبررات.

صابرين فرعون:

 كاتبة أردنيّة

تُربكني كثيراً مقولة فلاديمير نابوكوف “القراء ليسوا أغناماً، وليس كل قلم يغريهم”، وذلك في خضم ولادتي لنصٍ ما، أحاول الإصغاء لنصي، أقاطع الصوت الذي يجيء من النص وأحاوره بما قرأت، وللصوت أن ينتصر فهو يرشدني لأقرأ أكثر مما أكتب. أنشد الرغبة في تهذيب فوضاه دون مشجب وأبحث عن توازن في القيم والمهارات والمعرفة والتجربة.

 لا أضع برنامجاً للقراءة ولست منضمة لمجموعات القراءة رغم أهمية الأمرين، لكني ألتهم الكتب وأستطعم ما يطيب لي من أطباق الرواية والشعر والقصص والنقد والفلسفة والتراث. لابد أن أخطئ في اختيار طبق ما وألوك أخطاءه وأعطي فرصة كاملة لتجربة التذوق فأنهي الطبق بمزاجية ونقد مكوناته ونكهاته بأدق تفاصيلها ولا أمنح فرصة أخرى للطاهي/ة لأتذوق طبقاً آخر له/ا ، الطهو فن كما القراءة تماماً، لذا لا مجال للخطأ.

 لفصول السنة تأثير كبير على فعليّ القراءة والكتابة عندي، ففي الصيف تسيطر المزاجية وقلة الصبر عليّ فأمل القراءة لأكثر من ساعة لأي نوع من الكتب، وفي فصلي الخريف والشتاء يقل نشاطي وأفضل عزلة الناس فتطيب لي القراءة الفلسفية و الكتابة المصحوبة بجو من الموسيقى الهادئة والكابتشينو والشوكولا والحلويات المنزلية، أما في الربيع تلهمني الطبيعة ورذاذ المطر الناعم في إبريل وأهتم بالزراعة وأتأثر بالألوان في ملبسي وديكور غرفتي والكتب على رفوف مكتبتي مما يلامس حواسي لمعاودة نشاطي بالقراءة والكتابة للأجناس الأدبية بانسجام فتكون ملامح الطبيعة بارزة في نصوصي، وأميل لقراءة الشعر وكتابة ما بدأته من عمل أدبي وأراجعه لدفعه للطباعة والنشر.

 مسؤوليتي أيضاً تجاه طلابي تحتم عليَّ تشجيعهم على القراءة في غير المنهاج الدراسي طوال العام، لمعالجة مشكلات عسر القراءة والكتابة باللغتين العربية والإنكليزية وتحسين مهارات القراءة. فأسعى لتربة صالحة لزراعة نهج حياة، يستفيدون وتتوسع مداركهم ويستمتعون في الآن نفسه.

وجدي الأهدل:

 كاتب يمني

القراءة ليست عادة متأصلة فينا، فالعرب لا يقرؤون، لا في الصيف، ولا في الشتاء، ولا في أيّ فصل من فصول السنة. والقول إن هناك كتباً تقرأ في الصيف لا يعدو كونه طرفة، فليس ثمة كتب صيفية وأخرى شتوية، على غرار الثياب التي نلبسها بحسب الفصول. ويستثنى من هذا التعميم الأكاديميون، الذين يفرض عليهم عملهم في التدريس الجامعي نمطاً محدداً من القراءة، والالتزام بقراءة منهجية في شهور الدراسة، ثم الخلود للراحة في الإجازة الصيفية، والتحرر من القراءة المفروضة، والإقبال على ما لذ وطاب من الكتب في شتى حقول المعرفة.

بالنسبة لشريحة طلاب الثانوية والجامعة، وهم المعنيون أكثر من غيرهم بتكوين أنفسهم ثقافياً، سوف نجد غالبيتهم منصرفين إلى اللهو والمرح، والكف عن كل ما له صلة بالكتاب وطلب الثقافة، إلا فيما ندر.

وإذا أردنا الخوض في حديث “الكتب التي تقرأ في موسم معين” فيمكن الالتفات إلى ظاهرة افتتان العرب بالقراءة في شهر رمضان، فترى الرجال والنساء والكبار والصغار يتلون القرآن، وكل أفراد العائلة منكبون على القراءة.. إنها ظاهرة عظيمة، وتليق بشهر رمضان، ولكن ليتها تستمر– أيّ عادة القراءة- في بقية شهور السنة، فتكون متنوعة، وتأخذ في الحسبان أن المعرفة هي غذاء روحي أيضاً.

بالنسبة لي فإن رمضان هو شهري المفضل للقراءة، وعلى وجه الخصوص كتب التراث، ودواوين الشعر.

محمد فاهي:

 قاص وروائي مغربي

أعتقد أن الأمر لا يكون بهذه الصرامة. علماً بأن ارتفاع درجة الحرارة في الصيف قد يجبر المرء على قراءات أقل و(أسهل). هذا إذا كان القارئ يقرأ بدون برنامج. من هذا المنطلق فإنّ الحوافز الذاتية وجاذبية ما نقرأ، قد يتيحان للقارئ تجاوز الظروف المناخية أو بعض إكراهات العمل والحياة اليومية.

كثيراً ما جذبتني بعض الأعمال الأدبية أو الفلسفية أو التاريخية.. فلا أجد قدرة على مفارقتها، لما أجده فيها من لذة وكنوز، فلا أعبأ بوقت أو حتى بألم في الجسد.

وأسعى جاهداً لأن أقرأ يومياً، وخاصة في الليل، عندما أفرغ من متاعب الحياة اليومية أو تفرغ مني. في هذا الصدد أقرأ الرواية يومياً، لأنني أعدها خبزي اليومي، وأقرا بالموازاة كتبا أخرى في التاريخ أو السوسيولوجيا أو الأدب… معداً العدة المرجعية للعمل الأدبي الذي أكون بصدد وضع خريطته. وحسب الظروف أقرأ مقاطع فلسفية في الصباح، وأيضا في بداية برنامجي القرائي المسائي..

في مجتمعنا المغربي لم نصل بعد إلى أن تكون القراءة عادة يومية تمارس في الأماكن العمومية وفي وسائل النقل… هذا بالإضافة إلى بعض التمثلات السلبية الذي تنظر بتهيب إلى القراءة. ناهيك عن نظرة نفعية تربط القراءة بالمدرسي والرسمي عموما. وهذا يعني أن الكثير من القيود ما تزال تقيد مجتمعنا. وأخطر هذه القيود هو الأمية. في الوقت الحاضر يمكنني أن أفتح الهاتف لأقرأ مقطعا من رواية لفيرجينيا وولف أو مقطعا من كتاب لعبد الله إبراهيم… ويتيح الهاتف الذكي اليوم فرصا للقراءة في أي مكان. وما دام الحديث عن الصيف، يمكن للمرء قراءة الرواية أو قراءة مقاطع شعرية (في الهايكو مثلا). كما يمكنه قراءة شذرات فلسفية… المهم أن تكون الرغبة حاضرة والمبدأ حيا.

بلال المصري:

 شاعر ومسرحي لبناني

لا أعتقد أن هناك موسماً للقراءة. يستطيع مريد المعرفة القراءة والاطلاع في كل وقت، وذلك تبعا للأجندة الشخصية لكل فرد.

من المعروف حسب الدراسات ذات الصلة أن نسبة القراءة في العالم العربي متدنية، ويعود ذلك برأينا لأسباب مختلفة وعديدة أهمها الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها غالبية الشرائح الاجتماعية، مما يجعل الكتاب ليس على رأس أولوياتها.

ربما لذلك نجد منظمات ومؤسسات ثقافية تبذل جهدا لتنظيم فعاليات التشجيع على القراءة في إطار سعيها لمحاربة آفة الابتعاد عن الكتاب وهي تحدد أوقاتا ومواسم، ذلك لأنها تتوجه بشكل خاص للشباب مما يجعلها مقيدة بمواسم معينة يكون فيها الشاب الطالب لديه الوقت المثالي للانجذاب للقراءة وتفاعل مع هذه الحملات بشكل إيجابي، ونحن ككتاب لا بد أن نتوجه بالشكر لكل مؤسسة ثقافية تبذل جهدا للتشجيع على القراءة، ومن المهم أيضا الاهتمام بهذه الفعاليات واحتضانها والعمل على تطويرها لمزيد من التشجيع على القراءة، عبر دعم الكتاب من قبل الحكومات ليكون متوفرا ضمن إمكانات جميع أفراد المجتمع ودعم الكاتب بكل الإمكانات ليكون قادرا على إنتاج كتاب يمثل بيئته الاجتماعية والثقافية مما يجعل القارئ أقرب للكتاب.

ولابد أن نشير إلى أن المشكلة ليست في القارئ، بل هي أيضا في الكتاب كمنتج ليس متوفرا كما هو الحال في بلدان أخرى في أوروبا، فمثلا إسبانيا وحدها يوازي عدد الإصدارات السنوية فيها مجمل ما ينتجه العالم العربي مجتمعاً، وهذا يقدم مادة متجدده للقراءة وهو ما نفتقده في العالم العربي.

باسم سليمان:

 شاعر وروائي سوري

القراءة لديّ تتم وفق خطّة تخدم مشروعي الأدبي والفكري وهذا المشروع متغيّر ومتبدّل بشكل جذري من حيث الظاهر إلّا أنه في الباطن يصبّ في اهتماماتي الأركيولوجية والانثروبولوجية والإناسية للتمظهرات الأدبية والفكرية التي أنتجها الإنسان عبر سيرورته الوجودية ومن هنا أقرأ الشِّعر أو الرواية أو الكتب الفكرية حسب السؤال الذي يطرحه بحثي عن فكرة ما.

 في البداية كنت أقرأ الشّعر صيفاً؛ لربما بسبب خفّته من حيث الكتلة الكتابية والرواية شتاء لثقل حجمها الكتلي وتوفّر الوقت والعزلة، لكن مع التراكم المعرفي الثقافي والإدمان على القراءة، أصبحت أسعى لاقتناص أيّ وقت للقراءة، وخاصة مع ازدياد مشاغلي الكتابية، فقد غدت الكتابة والقراءة أقرب إلى المهنة التي جوهرها الهواية، فهي التعبير عن الوجود الذي يرضيني.

ما سبق بدأ ينقسم بشكل واضح إلى حدٍّ ما، فالشتاء للكتابة والصيف للقراءة من حيث المبدأ، لكن في التطبيق تحدث خيانات كثيرة، أضيف إليها عملي الذي يأخذ جلّ نهاري ولا دخل له بالقراءة والكتابة، فلم يبق لي إلا الليل زمناً ومكاناً لممارسة القراءة والكتابة. حالياً، هناك خطّة، هي التي تقودني في قراءتي وكتابتي وأعمل ما في وسعي كي أنفذها غير معترف بزمان أو مكان معين.

أسماء الجزائري:

كاتبة جزائرية

بدون مناسبة ولا عناوين: تُطلّ علينا الكثير من النّصائح عن قوائم أفضل الكُتب، والأوقات الأكثر مُناسبة للقراءة، لهذا علينا دائماً حماية ذائقتنا بسؤال واحد: ما هي الذائقة إذا كان الآخرون يشيرون لأنفسهم فحسب معتبرين البقيّة مهما كانت أهمّيتهم ما دون سنّ رُشد القراءة؟

سيظلّ الكتاب الوحيد القادر على التّحدث عن نفسه، أمّا نحن فسنظلّ المُعجبين مهما بالغنا في وصفه، وستظلّ ذائقتنا ضيّقة حين تتعدّد الأذواق، وهكذا هو الأمر عن الأوقات، فالقراءة ترتبطُ بالمُتعة التّي تحصل فيها على السّعادة، هي فِعل إبداع مُضاعف وما دون ذلك فإنّك ستتحوّل إلى تلميذ يُجبرونهُ يومياً على ارتداء مئزره والذّهاب إلى فصل لا يرغبُ في أن يكون ذلك الشّخص على رأس السّبورة مُعلمه ولا أحد فكّر في أنّك لا تكره المدرسة بل المدرس، وهذا ينطبقُ على القراءة ومن هنا تبدأ رحلة الملل داخِل الكُتب والتّي تنتُج خصِّيصا عن انعدام المُتعة، فما إن يشير القارئ إلى طُقوسه كمرادف للإلزام يسقطُ الكثير من المبتدئين في فخّ ميول أشخاص قد تكون لهم نفس الطّقوس، فتُكره القراءة وتفقدُ العديد من عشاقها بمثل هذه الطّرق الغبيّة، ذلك أنّنا نعرُف جيّدا أن المُتعة ما هي إلاّ لحظة زمنيّة مُنتشرة داخل أوقات عديدة مُتباينة، تلك اللّحظة قد تحدث في الأسكيمو كما يُمكنها أن تحدث في تمنغراست جنوب الجزائر، وإن كان الآخر يرى فيها شاطئاً بحرياً فيمكن لآخر أن يعتبرها بطانية لليل شتاء طويل، أن يكون أحدهم استمتع برواية “الغريب” مثلاً على جزر المالديف هذا لا يعني أّنك لن تحصل على المُتعة ذاتها إلاّ هنالك، فالمتعة طريقتك الخّاصة في إبداء نشوتك المُبتكرة لا التّي تُقلّدها عن الآخرين، والذي ينجح مع بعض القراء قد يخفقُ معكَ، لقد حصلت على مُتعتي الكاملة من رواية “الغريب” داخل سيّارة أجرة من العاصمة إلى قسنطينة شتاءً، بعدها رافقني ذلك الشّعور كلّما صعدت سيارة أجرة إلى نفس الوجهة مهما كانت الفصول، لأن الأمر متعلق بالعمل لا الطّقس، إنه فعل تدوير الذّكريات بطريقة تجعل الأبطال يرتبطُون بك عن طريق أحداثك اليوميّة، وما دمت تحافظ على حريّتك في ممارستها فلا يصحّ لك تقييدها على الآخرين، هذا إن كنت حقاً تعتبرها أمراً هاماً تتفرّغُ لأجله، ولا تقوم به فقط في أوقات الفراغ، وما دامت تبقيك متفرداً في هذا التعدد الكبير من الآراء، فإنها الطريقة التّي تحمي فيها متعة سكان الأسكيمو ودول اسكندنافية من السّرقة عن طريق هذه القواعد الحارّة، فهل رأيتم أحداً ذات مرّة يتحدّث عن متعة إلزاميّة؟ يسألكم بورخيس.

نادر القاسم– شاعر سوري يقيم في الدنمارك:

الكتاب الذي يقع بين يدي يخطفني من قطبي الزمان والمكان، السر هو القراءة، والتي هي أشبه بعملية تحضير الأرواح. لقد كان محقاً حين وصفها أحدهم بأنها الحرية ذاتها.

في العالم العربي عامة وفي سورية تحديداً، لا أتصور أن هناك طقوساً عامة للقراءة، فلم ينجح المجتمع في خلق حالات وأساليب أقرب للعادات المجتمعية، وربما يعود ذلك لتدني فعل القراءة بشكل عام، واهتمام الناس بالحاجات الأساسية التي تستهلك من الفرد وقتاً وجهداً. بقيت الحالة الفردية هي السائدة، فمن خلال تجربتي الشخصية، كان حبي للكاتب هو الطقس، فإذا أحببته أقوم بقراءة أعماله كاملة. استمر معي هذا الأسلوب فترة جيدة، فعندما دخلت عالم الروائي ميلان كونديرا قرأت كل أعماله وقبله كافكا مثلاً. الكاتب الذي أحب هو بوصلتي.

مضى على وجودي في الدنمارك ثلاث سنوات تقريبا، فالذي لاحظته في هذا السياق ومن خلال متابعتي للمواقع الإلكترونية الثقافية هنا. يوجد قسم خاص في أكثر المواقع تحت مسمى “نصيحة أو توصية” مهمته بالدرجة الأولى، أن يوصي بقراءة كتب من روايات، وسير ذاتية، وكتب سياسية في عطل الصيف، أو الشتاء، وحتى من الممكن أن يوصي بقراءة كتب بفصل ما، الربيع على سبيل المثال، وغالبا ما تكون منوعة، ولربما كانت الفكرة من هذا العمل هو حجم الإصدار الكبير للكتب. ينبع ذلك من حاجة الناس لمرشد ودليل أشبه بالسياحي، وهو يشير إلى وجود حالة وطقس عام يتقبل مثل هذه الإرشادات. في دراسة دنماركية حديثة أظهرت أن كتاباً من كل عشرة يُقرأ إلكترونياً، ويتوقع أن تصل النسبة إلى 25 في المائة من حجم سوق الكتاب، وهو تطور مثير ينبئ بتغير عادات القراءة لديهم.

كنت يوما قد سألت أستاذ اللغة العربية في المرحلة الإعدادية عندما رأيته بعد مضي فترة طويلة، عن كونه كان يطلب منا تلخيص وقراءة كتب من المكتبة الوطنية بحلب في ذلك الوقت، وكان أكثرنا يختار كتبا صعبة ولا تناسبنا، وهو لا يعترض. قال لي الهدف أن أرسلكم لفخ جميل والذي يعلق بهذه المتعة فلن يتركها.

ما زالت لذة هذا الفخ تُطبق عليَ مع عدم الرغبة بالخلاص منها أبدا.

محب جميل:

 شاعر وصحفي مصري

لا أمارس طقوسًا معينة تخصُّ القراءة فأحيانًا أستمتع بالقراءة كفعل في أي مكان. قد أقرأ كتابًا في وسيلة مواصلات استثمارًا للوقت وقتله في آن. لاحظت في الفترة الأخيرة أنني أتذكر معظم الكتب التي قرأتها في المواصلات العامة أو حتى التي قلبت صفحاتها على السريع فوق أحد الأرصفة. من ناحيتي أظن أن القراءة لا بد أن تكون فعلًا حرًا لا يرتبط بطقوس أو استعدادات بعينها فالشغف لا ينتظر اللحظة المواتية. أما بخصوص العناوين التي تناسب هذا الفصل دون غيره فإنني أفضّل في معظم الوقت استهلاك أيام الشتاء الطويلة الباردة في العناوين المؤجلة منذ فصل الصيف، وخصوصًا الكتب الضخمة نسبيًّا. ولا أخفيكم سرًا أنني أميل إلى صغيرة الحجم، المكثفة في لغتها، والرشيقة في أحداثها. الشتاء فصل بطيء نسبيًّا بالنسبة لي، ولذلك أفضّل أن استغله في قراءة الكتب المدخّرة من الصيف. فالصيف أقل ثقلًا لذلك تكون الفرصة أعظم في الحصول على الكتب الضخمة نسبيًّا، وتأجيلها لموسم الشتاء. إنني بطبعي أميل إلى كتب الشعر، والروايات القصيرة، والسيرة التاريخية. ولا أتصوّر أن فصل الصيف يصبح مناسبًا للتأمل الشعري مثلًا في ظل ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة العاليّة. وعندما ألجأ إلى القراءة صيفًا فإن الليل يصبح الحل الوحيد الآمن. وهنا تبقى العناوين الأفضل للصيف النوفيلا القصيرة وكذلك القصص والسيّر المترابطة لأن حرارة الجو مع الازدحام قد تدفع بالقارئ إلى الملل، والنتيجة تكون ترك العمل. إنني أتحدث هنا عن الكتب في النطاق الأدبي على وجه الخصوص فلكل قائمته المفضلّة. وأخيرًا أقول إنني أظن أن فعل القراءة يتمايز من فرد لآخر على اختلاف النطاقات المكانية والنفسية التي يعيش فيها الأفراد، فالمجتمعات التي يطول فيها الصيف قد تلجأ إلى عناوين قد لا تتناسب مع تلك التي تقرأها مجتمعات ذات طبيعة شتوية مناخيًّا.

نوميديا جرّوفي:

 كاتبة وباحثة جزائرية:

يمكن تقسيم الكتب وقراءتها وفقاً لفصول السّنة، كما الكتابات التي تكون حسب فصول السنة، مثلا القصائد الشتوية التي تتناغم مع زخات المطر، وهو فصل الإبداع كما يراه الكثيرون، والربيع فصل الإلهام للرواية للتحليق بكتابات بهيجة كما الفراشات الملونة، والخريف فصل حزين بقصائده وكتاباته كما الأوراق المتساقطة ليأتي فصل الإشراق كما السماء الصافية بمغامراته واكتشافاته.

القراءة في فصل الصيف تكون أكثر من أيّ فصل آخر، حيث يكون القارئ عادة في عطلة فيُتاح له الوقت لتصفّح العديد من الروايات وكذا تنويع العناوين ونوع المواضيع المتناولة، حتى لو سافر يحمل معه الكتب سواء في الطائرة، أو الفندق وحتى على الشاطئ، ليكون طقس القراءة بنكهة جدّ راقية.

والعناوين التي تُقرأ في فصل الصيف، هي الروايات ذات المغامرات والمفاجآت، الروايات العالمية والكلاسيكية، وكذا التأريخية الأسطورية كالملحمة أو الأوديسة.

 

 

 

 

عماد الدين موسى | الضفة الثالثة