إنه العام الثاني الذي أشهد فيه رمضان هنا بمخيم كيليس حيث الحرارة الشديدة في مربعات الصفيح واستحضار الذكريات الجميلة من هذا الشهر في مدننا وقرانا السورية.
ساعات قليلة ويؤذن المغرب هنا في الأسبوع الثاني من شهر رمضان وشهر يوليو/ حزيران عام 2013، حيث تستطيع أن ترى الحزن الشديد على وجوه الناس المستظلين تحت أشجار تفرقت على جنبات المخيم.

أستحضر أجواء ازدحام الأسواق والأطفال الذين يملؤون الشوارع قبيل أذان المغرب والعربات المتجولة لبيع عصير عرق السوق والتمر هندي، وأنا أرى أجواء الكآبة والتشاؤم التي تحيط بي من كل جانب وتغلف وجوه المهجرين.

لا تغيب عن مخيلتي ومنذ اليوم الأول لرمضان هذا العام مشاهد الطقوس الرمضانية في بلدتي الأتارب التي كنت أقيم فيها قبل أن تدفعني الظروف الأمنية إلى القدوم لمخيم كيليس واصطحاب أسرتي معي.

كنا ننتظر رمضان بفارغ الصبر بفضل الطقوس الدينية والاجتماعية التي تميزه. كنا نرى النساء كخلايا نحل مشغولات بإعداد الفطور الجماعي الذي تجتمع عليه العائلة، فيما يحمل الأولاد أطباقا من الأطعمة للجيران جريا بعادة (السكبة) وهي سكب صحون من الطعام للجيران الذين يتبادلون العادة تعبيرا عن احتفائهم بهذا الشهر.
أما هنا فرغم أن جميع سكان المخيم هم من السوريين الذين احتفظوا بجزء من عاداتهم في شهر رمضان، إلا أنك تلمس الفارق في كيفية قضائهم لساعاته في ظل أجواء الحزن والقلق والتشاؤم.

أسر مشتتة

بالرغم من أن أكثر ما يجلب البهجة خلال هذا الشهر هو تحلق العائلة على طاولة واحدة أثناء وجبة الفطور، إلا أن مجمل الأسر المقيمة في المخيم هنا مشتتة. فهناك من قدم إلى هنا وهناك من قضى خلال النزاع، أو معتقلين مختفين لدى قوات الأمن، أو من بقي في الداخل أو نزح إلى مخيم آخر أو هاجر إلى دولة ما، وهو ما يدفع الجميع للهرب نحو ذكريات الماضي الجميل في الوقت الذي يعتصر فيه الألم قلوبنا.

فالحياة المادية الصعبة لكل من تواجد هنا بغض النظر عن وضعه المادي في السابق يجعل من الحياة في شهر رمضان أكثر صعوبة ومظاهرها مختلفة جذريا.
فقد تعود كل منا أن يملأ طاولته بالأطعمة والمشروبات التقليدية في هذا الشهر، لكن الظروف المادية الصعبة باتت تحول دون ذلك.

فمصدر الرزق الوحيد في المخيم هو البطاقات الإلكترونية التي خصصتها الحكومة التركية للعائلات التي تستطيع من خلالها التسوق في أماكن محددة بدل الحصول على وجبات جاهزة بعد أشهر طويلة من الاعتراض على ذلك بسبب عدم تناسب تلك الوجبات مع العادات الغذائية للقادمين من مختلف المناطق ورغبتهم بتحضير طعامهم الخاص.

مستقبل غامض

ما تقرأه في وجوه الناس هنا مؤخرا هو الهم والأرق الدائم لكل واحد منهم على مستقبله ومستقبل أحبائه في ظل غياب أي أفق للحل. شخصيا أشعر أنه لا يوجد حل قريب لمشكلتنا وبدأت تساورني أفكار سوداء وقلق دائم على مستقبل أطفالي، وأحاول أن أجد حلا جذريا لمشكلتي، وأحد الخيارات التي أدرسها بجدية هو الهجرة إلى دولة أوربية مع أسرتي وطلب اللجوء إليها.

خطورة في العودة للمدينة

بدأت أفكر في هذا الحل بعدما راودتني كثيرا فكرة العودة إلى مدينتي الأتارب وترك المخيم، خصوصا بعدما سيطر المعارضون على الفوج 46 الذي كان يتمركز فيه الجيش السوري والذي كان مصدر تهديدنا الرئيسي بسبب الاشتباكات التي تدور حوله وانتقامه من المدنيين. فليس هناك عاقل يمكن أن يفضل البقاء مهجرا في بيت من الصفيح يحمل اسم لاجئ، إلا إن كان ثمة ظروف أكثر قهرا تمنعه من العودة.

ليس هناك عاقل يمكن أن يفضل البقاء مهجرا في بيت من الصفيح يحمل اسم لاجئ، إلا إن كان ثمة ظروف أكثر قهرا تمنعه من العودة
وبالفعل ذهبت إلى مدينتي الأتارب مرات عدة حتى أنني اصطحبت أسرتي مرتين وبقينا أياما، لأنها لا تبعد سوى ساعات قليلة عن الحدود التركية.
لكن أثناء بقائنا هناك اكتشفنا أن الطيران السوري لا يزال يقصف بين الحين والآخر مناطقنا وبالتالي فإنه لا أمان لأطفالي في ظل هذا الجو.

كذلك فإنه لا عمل لي هناك باعتباري خريج قانون ولن أجد عملا في هذه الظروف، ولن يكون بمقدوري إعانة عائلتي، فعلى الأقل أستطيع أن أسد رمقهم من خلال المخصصات التي نحصل عليها من تركيا.

أضف إلى ذلك خشيتي من المجموعات الإسلامية التي وإن لم يكن لها دور كبير في منطقتي، إلا أنها تشكل مصدر قلق كبير لي.

 

 

 

 

 

الأيام