إن من يرصد جدران مواقع التواصل الاجتماعي وبالذات فيسبوك فيما يتعلق بالكتابة الإبداعية، يلاحظ ظاهرة لا يمكن إغفالها وهي أن ظهور أسماء كثيرة في مجال الشعر بالتحديد، أسماء لم تكن معروفة ولم نقرأ لها من قبل، تمارس كتابة اللحظة الإبداعية بسرعة ومباشرة، من غير التفات لتصنيفات النقاد للشكل الذي يكتبون من خلاله، هل هو شعر أم نثر أم سرد شعري، فالكل يكتب في فضاء حر والكل يعبر بطريقته، ويبقى مقدار الاستفزاز الذي يثير القارىء مقياسا للإبداع والتفاعل._215204_aaa11 (1)

فتميز الكتابة في هذا الفضاء الحر يكمن في تحررها من القيود والحظر ماديا ومعنويا، سواء كانت قيودا في الشكل الإبداعي أو في المضمون إذ إن فيسبوك ليس ناشرا أو موزعا يملي على الكاتب شروطه الشكلية والمضمونية، ولا ناقدا يقصي كل كتابة غير توصيفية أو موزونة أو تحتوي على أبجديات السرد مثلا، إن على الكاتب فقط أن يفتح صفحته ويكتب ما يشعر به، وفي ذات اللحظة يمكنه أن يتركه على صفحته إن أعجبه أو يحذفه إن لم يرق له، ببساطة بدون تحسبات لها علاقة بتصنيف أو مراجعة.

لكن الكتابة بالنسبة للمرأة في هذا الفضاء ترتبط بكثير من المحاذير، ففي الوقت الذي يصف فيه النقاد هذا الكم الهائل من الكتابات الإبداعية على فيسبوك وبالذات الكتابة الشعرية بأن معظمها لا يمكن إدراجه شعرا، ويصفون كتاب فيسبوك بأنصاف الشعراء، فإن وجود الكاتبات النساء في هذا الفضاء تحيطه الكثير من الانتقادات والسخرية أحيانا.

ارتبطت كتابة المرأة على فيسبوك بشكل الصورة التي تضعها في “بروفايلها” الخاص سواء كانت صورتها الحقيقية أم صورة جميلة من الانترنت أم صورة لإحدى الفنانات، فظهرت أسماء كثيرة سواء كانت فعلا متميزة ومبدعة بحق أو انتشرت من خلال الصورة.

وصار المتتبع لفيسبوك وخاصة الصفحات والأشخاص الذي يطرحون أنفسهم ككتاب وشعراء يقرأ كل يوم منشورات كثيرة تهاجم صفحات الكاتبات اللواتي يكتبن كتابتهن الخاصة بغض النظر عن تصنيفها خاصة إذا حصدت هذه الكتابات إعجابات وتعليقات كثيرة.

وبتفاوت كبير في جودة وتميز ما تكتبه المرأة في فيسبوك من كاتبة لأخرى حسب الخلفية الثقافية والمعرفية واللغوية أيضا إلا أن الكتابة بهذا الشكل هو ملاذ لكثير من الكاتبات، يستخدمنه في الهروب من اليوميات الخانقة والأعباء الكثيرة ويكتبن بعفوية من يريد أن يخفف قليلا من الضغط، ويسجل في ذاكرة لا تلتصق فيها كثيرا مشاعر البوح، فالقارىء لا يتعامل معها بكثير من الجدية، وسرعان ما يمر عليها ويضع إعجابا أو تعليقا وتذهب عينه إلى منشور آخر.

إغراء الكتابة على فيسبوك ليس بعده إغراء بالنسبة للمرأة، لكنها تتعرض أيضا بجانب انتقادات الصورة وحصدها الإعجابات الكثيرة من أجل الشكل فقط، تتعرض إلى إسقاطات مجانية وخلط بين الشخصي والإبداعي، ويتعرضن نتيجة لهذا الإسقاط لكثير من المشاكل في محيطهن الاجتماعي خاصة إذا كن متزوجات.

لهذا تعمد كثير من الكاتبات إلى الكتابة بأسماء مستعارة في ظاهرة أطلق عليها الكثيرون “كاتبات الزهور” إذ كتبن بأسماء مثل: زهرة البنفسج، وقرنفل الصباح، وياسمين دمشق، والليلك الفواح وجورية السور، أو أسماء أخرى مثل جود الزمان وناي الشجن وعطر الصباح اتخذت أيضا صورتها الشخصية وردة أو زهرة صغيرة، واستطاعت هذه الأسماء الموجودة فعلا أن تثبت حضورا شعريا متميزا على فيسبوك.

فثمة حالات إبداعية نسائية انطلقت من فضاء الفيسبوك بأسماء وهمية وصورة وهمية أجبرتها عليها مواضعات اجتماعية خاصة بمحيطهن وما زالت تمارس حقها في التعبير، والتنفيس اليومي ولم يكن يرغبن من الكتابة ممارسة دور في المشهد الثقافي أو الشهرة ولم يفكرن أيضا بطرح أنفسهن كشاعرات أو كاتبات بقدر ما كانت الكتابة رغبة في فتح نافذة صغيرة على حديقة أو ساحة كبيرة، أو الوقوف على مرمى من الحرية حتى لو كانت حرية باسم مستعار ووجه زهرة، وكثيرات منهن صنعن شعبية وانتشارا ولم يستطع المتتبعون لكتابة المرأة وصفهن بأشباه كاتبات جميلات، إذ لا صورة شخصية ولا صورة مستعارة من فنانة جميلة.

إن ملاحقة الكتابة الإبداعية أو ما يمكن وصفها كذلك سواء كتابة المرأة أو كتابة الرجل وإطلاق الكثير من الاتهامات والأحكام لمجرد أن منشور أحدهم أو إحداهن حاز على عدد كبير من “اللايكات”، وربط هذه الإعجابات الكثيرة بالصورة وليس بالمنشور نوع من الإرهاب الإبداعي الذي يمارسه الكثيرون بدواع كثيرة كالغيرة على الثقافة أو الحسد والغيرة أو التطفل والفضول، أو رغبة الكثيرين في تنصيب أنفسهم حراسا للإبداع، خاصة حين يتعلق بالمرأة.

فالقول إن مواقع التواصل الاجتماعي أفرزت أشباه كاتبات جميلات وأنصاف شعراء يحتاج إلى مراجعة، خاصة وأن القارىء يتلقى يوميا كما كبيرا من المنشورات الإبداعية التي غالبا لا يفكر في وصفها أو شكلها بقدر ما يحس بها إن لامست وجدانه أو شعر أنها تعبر عنه، هذا هو المقياس في زمن فيه مساحة الحرية الافتراضية واسعة والصفحات مفتوحة وللجميع الحق في التعبير والبوح بأي شكل إبداعي فالاعترافات الوجدانية لها ما يبررها كملاذ بعيد عن الأعين، وبأي صورة شخصية، حتى لو كانت مستعارة فلها أيضا ما يبررها بالضرورة.

middle-east-online