الساعة الثامنة إلا الربع، صبيحة اليوم الخامس من يونيو/حزيران 1967، ستبدأ حرب إسرائيلية أشبه بنزهة جوية، لكن نتيجتها ما زالت تحفر في الذهن العربي بعد خمسة عقود من وقوع الكارثة التي سميت على سبيل التخفيف “نكسة”.
واحدة من أشد المآسي العربية حضورا وغموضا في آن “سقوط الجولان”.. هل سقطت هضبة الجولان الحصينة في حرب الأيام الستة، أم سلّمت تسليما؟
العقود الغامضة
وكانت الأسئلة المفصلية: ما علاقة الخائن حافظ الأسد بسقوط الجولان؟ ولماذا ظلت تفاصيل كثيرة غامضةً لنحو خمسة عقود؟ وكم من شخصيات اشتبه أو ثبت أنها صرحت أو ألمحت لسر من أسرار الجولان فكان مصيرها غياهب السجن، أو القتل، أو الانتحار بعدة رصاصات؟ كما يعبر سوريون ضمن ما يرونه “كوميديا سوداء”.
لم يستغرق احتلال الجولان المحصنة سويعات قليلة والشهود من الصف القيادي العسكري والسياسي في تلك الفترة تحدثوا في الفيلم عن الشبهات، تحدثوا بالتفصيل عن أوامر بعدم القتال، وعن جبهة باردة في الجولان الحصين، بينما كانت الطائرات الإسرائيلية تمسح الطائرات المصرية من الوجود وهي في مرابضها.
يقول ضابط سوري بجبهة الجولان: كان بإمكان الطيران السوري والعراقي مواجهة الطيران الإٍسرائيلي وهو عائد من ضربته لمصر، فارغا تقريبا من الوقود، وليس بإمكانه القتال، لكن القيادة السورية لم تصدر أوامر بالقتال لجنودها.

 

الضابط الأردني في القدس إبان 1967 غازي ربابعة قال إن الملك حسين طلب من السوريين معونة جوية بمشاركة طائرات عراقية وأردنية لتوجيه ضربة للطائرات الإسرائيلية العائدة من مصر فرد عليه حافظ الأسد في تلك اللحظة المهمة “إن طائراتنا تقوم برحلات تدريبية”.
البيان الكارثي
الشبهة التي أجمع عليها من تحدث من ضباط سوريين وسياسيين هي البيان رقم 66 الذي دفع به وزير الدفاع حافظ الأسد ليذاع في إذاعة الجمهورية العربية السورية في اليوم السادس والأخير من الحرب. يقول البيان للشعب إن القنيطرة سقطت في يد “العدو” بعد قتال عنيف.
لكن القنيطرة لم تكن قد سقطت، فلماذا يصدر حافظ الأسد بيانا “كارثيا”، بحسب وزير الإعلام آنذاك محمد الزعبي؟
بلهجة ساخرة، يقول المختص الإسرائيلي في الشأن السوري إيال زيسر “نحن تعودنا دائما أن تذيع بعض الإذاعات العربية بلاغات عن انتصارات لم تحصل، البيان هذه المرة كان عن هزيمة لم تحصل بعد”.
كان يمكن -كما يضيف الزعبي- القتال في الجولان، وعلى الأقل جعل كلفة احتلال كل سنتيمتر من الجولان مُرة في حلق الإسرائيليين، “أما أن يؤخذ الجولان على البارد فهذه مؤامرة”.

بعد ستة أعوام على سقوط هضبة الجولان تخوض سوريا حرب 1973 لاستعادتها، تتقدم القوات السورية ثم لا تلبث أن تتراجع عن بشرى انتصار أولى، لتنكفئ فلا يعود الجولان وحده المحتل، بل 23 قرية إضافية.
ينجم عن هذه الحرب اتفاق فض الاشتباك عام 1974، فانسحبت إسرائيل مما احتلته بعد الجولان، وبقي هذا الأخير ينعم بهدوء مريب، وسُمح للنظام السوري أن يدخل لبنان، بينما بقي الجولان هادئا الهدوء ذاته الذي كان صبيحة سقوطه في 1967.