زينة يازجي تبكي على الهواء… والمذيعة «سيدة مبجلة» في كوريا الشمالية

التأثر البالغ الذي تتحلى به الزميلة جيفارا البديري، مراسلة «الجزيرة» في فلسطين،11qpt997 في كل تقاريرها تقريباً، ليس أمراً إيجابياً على المستوى المهني. إن دموع المذيعين والمراسلين ثمينة عادةً بالضبط لأنها نادرة. دعنا نتصور مذيعاً لنشرة أخبار هذه الأيام جاهزاً للتأثّر، كيف سيكون حال نشرة تتضمن خبراً من فلسطين، وآخر عن ضحايا الجوع في مضايا، وغيره عن قتلى تفجير في العراق؟ هل سيكون لدى المذيع ما يكفي من الدمع لكل هؤلاء؟ ثم ماذا لو فوجئ المذيع بخبر منوّع طريف في آخر النشرة، هل سينقلب، حسب نظرية التأثّر، إلى الضحك بعد كل تلك الأخبار! وإلى أي حد سيتأثر المذيع إزاء خبر يقول «الكويت تبيع سكانها «البدون» إلى جزر القمر»؟
ربما هذا هو شأن معظم المذيعين العرب اليوم، قلة منهم من سينجح في الاختبار، فهم في جلّهم ينتمون إلى تيارات وأحزاب وسياسات غالباً ما تؤثر في أدائهم. لم تعد دموع المذيع نادرة في نشرة الأخبار، فلا يعرف مذيعو اليوم سوى النواح.
وفي عودة إلى الزميلة المراسلة البديري؛ صحيح أن عملها يختلف قليلاً عن عمل المذيع، لكن على المراسل أن ينقل الحدث بحياد وموضوعية، لا أن يعلّق، أو يضمّن التقرير موقفاً صارخاً. البديري في أدائها تشجب وتستنكر وتلعن وتغضب وتشمئز أيضاً! ليس أدل على ذلك من انفعالات وجهها، إن أداءها أحياناً أقرب إلى أداء ممثل أو شاعر، وإذا أضفنا الصيغ الإنشائية التي تكتب بها البديري سنكون أقرب ما يكون إلى أمسية شعرية منها إلى تقرير مراسل. قد يكون ذلك مؤثراً، هذا صحيح، وقد يكون مبرراً أحياناً لمراسل يعاني هو الآخر من ويلات الاحتلال، لكن لنعترف، ذلك ليس من المهنية بشيء، فلسطين ليست استثناء، ولا جيفارا البديري.

زينة تبكي ببطء

من بين ما يتداوله السوريون هذه الأيام فيديو مقتطع من حوار سابق للمذيعة زينة يازجي مع مواطنها الكاتب السوري ميشيل كيلو على قناة «دبي». في المقابلة تطلب من كيلو أن يروي قصة لقائه بطفل سجين، وكان من الواضح أنها تعرف القصة سلفاً وأنها تنتظر أن يرويها للمشاهدين. يروي كيلو ببطء، وبتفصيل كيف أن الطفل لم يتعرّف مفردات من قبيل «العصفور»، «الشجرة»، تلك التي لا يغفل عنها طفل في العالم. كان الطفل، وأمه رهينتين في معتقلات النظام السوري عن أب مطلوب.
بكت زينة للحكاية، كانت متأثرة للغاية لحكاية الطفل. راح الكاتب يفصّل أكثر، وراحت زينة تبكي أكثر. الكاتب وجد أن عليه أن يكفكف دمعها، بحث طويلاً في جيبه عن منديل، فيما هي مستمرة بالبكاء. مسحت زينة دموعها، شكرت الكاتب (ببطء أيضاً، حتى يتسنّى استثمار الدمع إلى أقصاه)، وشكرها الكاتب جداً (ببطء أكبر).
شيء من قبيل مسرحية منتزعة للدموع. لا ننفي أن القصة مؤثرة، لكن لماذا تعتبر الكاميرا أنها حصلت على صيد ثمين عندما يبكي ضيفها! عندها تظل الكاميرا مصوبة في اتجاه العيون تماماً، لا تتزحزح إلا بدمعة، هذا إن لم تطلب المزيد.
إعلامنا يحب النواح، جمهورنا كذلك، لا نعرف سبيلاً للخروج إلى إعلام آخر.

السيدة المبجلة

قد يكون مشاهدو السينما عثروا على البطلة الواقعية لفيلم «وداعاً لينين» في التقرير الذي بثته «سي أن أن» العربية، وقد استعاد صوراً للمذيعة الأكثر شهرة بين مذيعي أخبار كوريا الشمالية، تلك التي تسمى «مذيعة الشعب» أو «السيدة المبجلة»، و«تمسك بيد الأمة في لحظاتها الصعبة والمفرحة»، كما يقدمها التقرير.
يستعيد الفيديو السيدة المبجلة وهي «تسرد الأخبار بشغف عميق»، خصوصاً عند إذاعة وفاة كيم جونغ إيل في 2011، وخبر وفاة القائد الأعلى للبلاد كيم إيل سونغ في 1994.
لكن من الواضح أن السيدة الكورية الشمالية تعبر عن عدد لا يستهان به من المذيعين العرب، مذيعي الأنظمة المضحكين، ممن يمكن تصنيفهم في خانة المذيع المصري أحمد سعيد، المعروف بأدائه الخطابي وبياناته الكاذبة في برنامج «صوت العرب» أيام عبد الناصر.
مذيعون مضحكون لأنظمة مضحكة كما هو حال إعلاميي النظام السوري، والليبي أيام القذافي (من ينسى المذيعة عندما أشهرت مسدسها على الشاشة) وبالطبع نظام السيسي، الذي يمتلئ بمذيعين مهرجين.
أما لماذا هم أقرب إلى بطلة فيلم «وداعاً لينين» فلأنهم مثلها غائبون عن الوعي، متمسكون بلغة الماضي الهزيلة، وبسادة هم على وشك الانقراض، لكن من حسن الحظ أن اليوتيوب سيحفظ لنا كثيراً من الكوميديا ليوم غد، كثيراً من طرائف السادة المبجلين.

شماتة «العربية»

الحنق الذي يكتنف الشارع العربي من التدخل الروسي في سوريا دفع قناة «العربية» إلى التشفي في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على طريقتها، حين بثت فيديو لطبيب روسي يلكم مريضاً في عيادة حكومية فيرديه قتيلاً بضربة واحدة. جرم الطبيب لا يغتفر بالطبع، ومن الواضح أن كونه طبيباً سيشكل ظرفاً مشدداً، إن وجد قانون في تلك البلاد. لكن ما يلفت أن «العربية» تسوق الخبر، الفيديو، لا باعتباره خبراً منوعاً وحسب، بل باعتباره إدانة لما تسميه «بلاد فلاديمير بوتين»!
روسيا ليست بلاد بوتين، ولا هي بلاد ذاك الطبيب الملاكم، وليس على الإعلام أن يسوّق هذه الاختصارات المجحفة. من نافل القول إن روسيا هي دوستويفسكي، وتشيخوف، وتشايكوفسكي، والبولوشوي، ومعاهد السينما والمسرح، وتلك الحضارة المعمارية العظيمة، التي لا تختصر بلكمة طبيب أحمق، أو رئيس مجرم.

 

 

 

عن القدس العربي