يبدو المشهد أكثر من “فانتازيا”، لكن على الطريقة العربية.. أم كلثوم تصدح وتغني على القناة الثانية للتلفزيون السعودي بعد أكثر من 30 عاما من الاحتجاب، وعمرو أديب يتسابق مع لميس الحديدي لاستضافة الشيخ إسماعيل هنية في برامج متلفزة لمخاطبة الشعب المصري، في الوقت الذي يظهر فيه على شريط النيل الإخباري ذلك النبأ الذي يتحدث عن جلسة في محكمة الرئيس المخلوع محمد مرسي بتهمة “التخابر” مع حماس.
يبدو أن مخرج الحفلة لا يتميز بالاحتراف المطلوب لأن آخر من تخابر مع حماس من المصريين خلافا لقانون سكسونيا، الذي فرضه الانقلاب إياه من بينهم عمرو أديب ولميس الحديدي وخالد فوزي، والأخير لمن لا يـعرفه هـو مـدير برتبة وزيـر لمـخابرات مصـر.
لذلك يمكن ضبط لميس وعمرو في حالة تلبس بالجرم المشهود.

مقعد “أبو العبد”

حتى أبناء حركة حماس استغربوا من “أبو العبد” إسماعيل هنية، وهو يسمح لعمرو أديب بالجلوس على كرسي بائس إلى جانبه متشدقا بكفاءة ما سمّاه “الأمن الحمساوي”.
لِي رأي مخالف في الموضوع، فالعم “أبو العبد” هو المنتصر في هذه المواجهة، لأن من اتهم حركة حماس علنًا وعلى شاشة التلفزيون عشرات المرات بأنها “كافرة وإرهابية وعدوة للأمن القومي المصري” هو المذيع نفسه، الذي يتملق “أبا العبد” ورجاله على الهواء مباشرة اليوم، بعد أن رفعت مخابرات الأشقاء في مصر غطاء التخوين والتكفير والاتهام ضد حركة حماس.
لم يشعر الأخ أديب بأية وخزة مهنية وهو يتحدث عما سمّاه على هواء محطة “أون تي في” ذلك “التطور اللافت في قطاع غزة”.. غريب أن دعوة المذيع نفسه الجيش المصري علنًا لاجتياح غزة وعلى شاشة “القاهرة والناس” تحديدا مرت عليها أربع سنوات فقط.
توريط مصر بالتفاصيل مهم وفيه قدر من الذكاء والعيب، إن حصل، لا يطال “أبا العبد” ولا روحي مشتهى أو يحيى السنوار، بل يطال “البنت لميس الحديدي” وعمرو أديب، لأن الانقلاب المصري هنا ينقلب على نفسه، بعدما تقرر أن تحصل مشاركة مع حركة حماس التي أصبحت ورقة إقليمية في أحضان مصر السيسي.
سبحان مغير الأحوال.. حماس التي اعتبرتها مصر في إعلامها الرديء طوال سبع سنوات الخطر الأكبر على الأمن القومي أصبحت الآن شريكا في حماية الأمن القومي المصري، حتى أن “أبا العبد” يجلس ويتحدث كالزعماء فيما يهز عمرو أديب رأسه متملقًا، وترقص حواجب لميس الحديدي، حتى لا تفلت كلمة في سؤال يمكن أن تثير حساسية أو غضب الحاج إسماعيل هنية، الذي أدرك بدوره أنه يستطيع مخاطبة الشعب المصري الآن قائلًا ..” نحن مع الأمن القومي المصري”.
أحد المذيعين في قناة “الشرق” استشاط غضبًا وهو ينتقد عمرو أديب، داعيًا الله أن يحرمه من الشعور بعدما حرمه من الشعر، فقط، لأن أديب خاطب أبا العبد قائلًا.. “أهلا بيك يا فندم”.

أم كلثوم على الهواء السعودي

القدرة لله الواحد القهار، فحجم الاعتقالات في السعودية اليوم رهيب ومرعب وكبير، لكل من قرر أن لا يستمع لصوت أم كلثوم والغرامة المالية عملاقة ضد أي مواطن يتجرأ على ترديد عبارة واحدة كانت السلطات تتشدق بها قبل ثلاثة أشهر فقط عندما يتعلق الأمر بقيادة المرأة السيارة.
علمنا أن حالة انفلات في سيارات التكسي غير مسبوقة داخل المملكة العربية السعودية، فأصوات إليسا ونوال الزغبي والمصرية شيرين تصدح بالعالي داخل سيارات التكسي، بعد الإفراج عن أغاني السيدة أم كلثوم، حيث كانت هذه الموسيقى حرام ومن يشعلها في سيارة تكسي تصادر رخصته من قبل جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي “تبخر” بدوره وأصبح عبارة عن إدارة صغيرة لا تعمل، تتبع وزارة الأوقاف.
يعجبني أن يهتف الزميل المذيع السوري على الشاشة قائلًا.. “والآن مع السيدة أم كلثوم”، ثم تصدح ست الكل بـ “..مخطرتش على بالك يوم..”.
مرحى من القلب لانفتاح محمد بن سلمان وتأملاتي الشخصية بعد الاطلاع على تقرير سري في غاية الأهمية أصدرته جهة أمريكية أن يصل الانفتاح إلى الإعلان رسميا عن “الجهاز الأمني السري”، الذي يطبخ الأمور في بلد خادم الحرمين الشريفين بعيدا عن فلاتر وزارة الداخلية وما يسمى بمجلس الأمن الوطني.

شاشة في حالة إغماء

بالمناسبة؛ وعلى سيرة المصالحة الفلسطينية والتحولات الاجتماعية الحادة في الشقيقة الكبرى السعودية، لا يمكن رصد أي برامج متخصصة أو تحليلية على شاشة تلفزيون الحكومة الأردنية كالعادة.
شاشة الحكومة اليتيمة مسترسلة في “الإغماءة الأزلية” فيما وصل عدد الحلقات الخاصة، التي بثتها فضائية خاصة صغيرة من وزن “رؤيا” إلى ثلاث حلقات على الأقل لمناقشة ملف المصافحة.
نحن في انتظار شاشة “المملكة”، التي طال انتظارها لعلها تقدم للأردني المسكين شيئا ولو يسيرا من المتابعة، حتى يتوقف عن التقاط أخباره الوطنية والإقليمية من شاشة العدو المجاور.

 

 

 

 

القدس العربي