منذ انطلاق ثورة الكرامة والشعب السوري المسلم، يتعرض لمختلف أنواع القتل والتهجير وعمليات التطهير العرقي والطائفي، ويواجه محاولات مستميتة لتركيعه وفرض سياسة الأمر الواقع عليه، يحدث كل ذلك خدمة لهدف الإبقاء على النظام المجرم وحماية مؤسساته القمعية من أمنية وعسكرية، هذه المؤسسات المافياوية التي تغولت بدماء وممتلكات الناس وحرماتهم.

 

لقد فشلت كافة محاولات تركيع الشعب السوري، حتى مع كل التكالب الدولي والإقليمي، ودعمه اللامحدود لنظام الأسد المجرم، وما صاحبه من تدخل إيراني صفوي واستجلاب للميليشيات الطائفية العابرة للحدود، وما تلاه من تدخل عسكري روسي مباشر، ثم لاحقا تدخل التحالف الدولي، الذي ارتكب بدوره أبشع أنواع المجازر الجماعية بحق المدنيين العزل، ودمر ما تبقى من مدن سورية، بحجة محاربة الإرهاب والتطرف، لكنه في حقيقة الأمر تدخل دعماً لإرهاب نظام الأسد الأقلوي الطائفي.

 

الصمود الأسطوري لهذا الشعب، قابله ممارسة لعبة المماطلة والتسويف وكسب الوقت لصالح المجرم، وإعطائه الوقت الكافي للإجهاز على أي مقاومة، فكانت عملية شراء الضمائر وتنصيب ممثلين وهميين للشعب والثورة، واستغلالهم في عملية المفاوضات الوهمية المبنية على مخرجات بيان جنيف-1 الذي دخل فصله الثامن، دون أن ينجح في إطلاق سراح معتقل واحد أو فك الحصار عن بلدة محاصرة.

 

لقد جعلت القوى الدولية والإقليمية من مؤتمرات جنيف وفيينا وأستانا وغيرها، وسيلة لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها وهيمنتها على قرار السوريين، دون أن يكون لديها الرغبة في إيجاد حل حقيقي وجذري، يوقف المأساة ويضع حدا لسفك الدماء، بل على العكس فإنها اتبعت سياسة الإستقطاب التي أدت لشرذمة سورية الوطن والإنسان وفتحت الباب واسعا على المزيد من التناحر وسفك الدماء، وشجعت المتسلقين وعملاء النظام على اختراق الثورة باسم منصات المعارضة، التي يتبع بعضها روسيا وإيران بينما يتبع البعض الآخر نظام الأسد.

 

من المحزن جداً أن نشاهد تضحيات السوريين تذهب هباء من خلال المتاجرة بها تارة، أو تمييعها تارة أخرى، الأمر الذي بات يحتم على كافة الأحرار الرافضين للتسويات المذلة، الأخذ بزمام المبادرة ورفض كافة أشكال الهيمنة والوصاية، أو تسويق وإعادة إنتاج النظام المجرم باسم التسوية، التي ستكرس بقائه، ونبذ ما تم فرضه من أشخاص أو منصات وتشكيلات عسكرية، أسهمت بشكل أو بآخر في تبديد الإنجازات التي تحققت بتضحيات الشهداء وتسببت بالإنتكاسات التي تعرضت لها ثورتنا.

 

تمييع تضحيات الشعب السوري، واختزالها بمسألة الحرب على الإرهاب، وتجييش الفصائل لهذا الغرض وحرفها عن مسارها، أمر مرفوض، فحربنا هي مع نظام الأسد المجرم، وبالتالي فشعبنا ليس معنياً بأي حروب أو معارك جانبية، تستنزف الدماء والإمكانيات، لأن الإرهاب الحقيقي هو إرهاب نظام الأسد وداعميه من عرب وعجم.

 

الشعب السوري ليس سلعة تتقرب بها الأنظمة العربية والإقليمية للدول الكبرى، كي تنال حظوة لديها أو تعزز موقفها في الملفات الإقليمية وصراعاتها البينية كما تفعل أنظمة الإمارات والسعودية ومصر اليوم، فالسوريون أصحاب قضية عادلة محقة وليسوا أتباعا أو قطعان ماشية، يمكن أن تتم إعادتهم لحظيرة الأسد، من خلال جمع وتوحيد المعارضات الوهمية الكاذبة من سياسية وعسكرية، واستخدامهم للتسويق لنظام الأسد.

 

إن الدور المشبوه الذي تمارسه بعض أنظمة المنطقة، من خلال الضغط على السوريين وإجبارهم على العودة لحظيرة الأسد، قد جعل من هذه الأنظمة الوظيفية عرابا لمشاريع التقسيم والهيمنة الجديدة على المنطقة العربية، وهم يفعلون هذا إرضاءً لصناع القرار الدولي، وتثبيتاً لأنظمة حكمهم.

 

من المهم جداً أن يستوعب الجميع حقيقة أن الشعب السوري لن يتنازل عن مطالبه بإسقاط نظام فاجر، ومحاسبة القتلة الذين أجرموا بحق الإنسانية جمعاء، الأمر الذي يحتم على كافة الأطراف المنخرطة في الشأن السوري، أن يستوعبوا هذه الحقيقة ويرفعوا يدهم عنه، ويتوقفوا عن العبث بحاضره ومستقبله ودماء أبنائه، وأن يسمحوا لهذا الشعب أن يختار ممثليه وشكل ونوع نظام الحكم الذي يرغب به.

 

لن يكون هناك حل أو تسوية مالم يسقط هذا النظام وتتم محاكمة المجرمين، لهذا ينبغي على كافة السوريين المخلصين لقضيتهم، الرافضين للتسويات المذلة، من مدنيين وعسكريين، ورجال علم واقتصاد وسياسة وإعلام، التحرك الفاعل ورفع الصوت عالياً والإنتقال من مرحلة رد الفعل إلى الفعل والتأثير، وصولاً لفرض إرادة وموقف حقيقيان، يجبران كافة الأطراف والقوى على احترام إرادة شعب فجر أعظم ثورة عرفها التاريخ الحديث.

 

إن رفض كافة أشكال الهيمنة على قرار ومقدرات شعبنا، يعني بالضرورة رفض كل ما ترتب على هذا العبث من مقررات وتفاهمات ومنصات، لكن وفي نفس الوقت، فإنه ينبغي الترحيب بأي جهد حقيقي يهدف للم شمل السوريين وتوحيدهم دون شروط وإملاءات، فقد كانت أهدافنا واضحة منذ البداية تتمثل بإسقاط منظومة الحكم الأسدي الأمنية والعسكرية، تحرير سورية من كافة أشكال الاحتلال الخارجي، إقامة دولة العدل والمساواة والسماح بحرية الرأي والمعتقد، واحترام رغبة الأكثرية في اختيار شكل ونوع نظام الحكم الذي يرغبون به.

 

تحقيق أهداف ثورتنا يحتم علينا التحلي بالوعي وعدم الإنجرار لرغبات الآخرين، ورفض الإقتتال الفصائلي وعدم الإنخراط في حروب وأجندات خارجية، تهدف لجعل الدم السوري وقوداً لحروبها وصراعاتها، ومن حقنا على من نعتبرهم أشقاء وإخوة في العقيدة والدم أن يكونوا مصدر دعم ومساندة، لا أداة هدم وتخريب وتركيع وشرذمة، ولا فرض مشاريع وأجندات ظالمة على الشعب السوري، الذي بات بين نارين صديق يتجهمه وعدو ملك أمره، فكفوا أيديكم وتوقفوا عن العبث بدماء ومستقبل شعوبنا وأوطاننا!