بعد منع فيلم زياد دويري في رام الله.. من التالي؟ دريد لحام سجاناً ومكرِّماً.. والمنتخب السوري في ضيافة بشار الأسد

 

أثار فيلم “الصدمة” للبناني زياد دويري غضباً كبيراً لديّ عند مشاهدته أخيراً (من أين له أن يثير الغضب لمن لم يتمكن من مشاهدته!)، لم يكن ذلك بسبب أن الفيلم صُور في تل أبيب حيث أقام المخرج شهوراً كاملة، فقد يحدث أن يخرج الفيلم من هناك مناصراً تماماً لعدالة القضية الفلسطينية.
كانت المشكلة أن الفيلم مصنوع تقريباً من وجهة نظر إسرائيلية، يبدو فيه الفلسطينيون كخارجين عن القانون، عن الدولة التي تتسامح معهم وتهبهم تلك المكانة وحُسن الإقامة بينهم.
أمس حظرت بلدية رام الله عرض فيلم دويري الجديد “القضية رقم 23″، استجابة لاحتجاجات ومطالبات عديدة لمنعه، علماً أن الفيلم يتعلق بالحرب الأهلية اللبنانية، ولم يتطرق المحتجون في ما أدرجوه من مسوغات إلى أن موقف الفيلم من الفلسطينيين، كطرف في تلك الحرب، أحد تلك الأسباب.
إذاً كل شبهة تطبيع، من الآن فصاعداً، ستعرّض صاحبها لحظر على مجمل أعماله، مما قد يعرضه شخصياً أيضاً للإعدام. أصبح لدينا الآن ما يشبه “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وستجهد في تطويع الناس على ما تعتقد أنه الصواب. في النهاية سنحصل على قائمة أفلام وكتب وقصائد جاهزة ضمن معايير ثابتة، لا تخالف تصورات الهيئة.
ماذا تعني حرية التعبير إن لم تتحمل الرأي الآخر وتجادله، تحبه أو تكرهه؟ كان أصلح أن يكره الفلسطينيون الفيلم بعد مشاهدته، وهم عارفون تماماً لماذا عليهم أن يكرهوه، هل هم بحاجة للوصاية إلى هذا الحد، التي عليها أن تقول لهم ما يجب مشاهدته، وما لا يجب!
خطوة المنع ستكون محفزة لمعارك أخرى، ولن يكون مستبعداً أن يعيدوا النبش في قصائد محمود درويش ومواقفه، لقاءاته ومصافحاته. لا ندري إن كانت ستحذف قصائده عن ريتا اليهودية. لا ندري إن كانت هيئة الأمر بالمعروف ستعود إلى قصيدته “جندي يحلم بالزنابق البيضاء” لتقول بإعدام الزنابق في القصيدة.
لا ندري إن كان ذلك النبش سيصل بهم إلى المطالبة بإزالة قبر محمود درويش ومتحفه من المدينة.
لماذا نذهب بعيداً، ألم يدرج رافضو التطبيع في احتجاجهم على زيارة الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري إلى بيروت أخيراً أنه قدم نصاً مسرحياً للراحل إميل حبيبي؟!
إذاً النبش جارٍ، ولن يرتاح هؤلاء إلا بإحراق نصف الإبداع الفلسطيني والعربي، كتباً وسينما ورموز.

الربيع على دفعات

عُرض الفيلم التونسي “على كف عفريت”، للمخرجة كوثر بن هنية، أخيراً في “مهرجان الواحة السينمائي” في مدينة تورنهوت البلجيكية. ينطلق الفيلم من حادثة اغتصاب تونسية جرت بالفعل من قبل رجال بوليس لفتاة، تجهد البنت في تقديم شكوى ضدهم، لكنها تجدهم هم أنفسهم في مركز البوليس، أي أنها ذهبت تشكوهم إليهم! الجميع يحاول تعطيل تلك الشكوى، بعضهم من دون قصد، لمجرد الإهمال أو بسبب نظام إداري فاسد، لكنك تشعر بالنهاية أن الجميع ساهم باغتصاب البنت.
لا يمكنك إلا أن تشعر بالقهر مع هكذا فيلم، إذ تسأل نفسك، حين تشاهد كيف يتواطؤ البلد كله مع الجريمة، هل يعقل أن تكون الثورة التونسية قد استطاعت أن تغيّر النفوس، وتصحّي الضمائر في غضون هذه السنوات القليلة؟ هذا هو معنى أن “الربيع العربي” لا يمكن أن يأتي دفعة واحدة، ولا شك أن هذا الفيلم المتقن هو إحدى إشاراته.

على كف عفريت

من المفارقات التي قدمها فيلم كوثر بن هنية “على كف عفريت” أن رجال البوليس حينما يعجزون عن ثني البنت المغتصبة عن تقديم الشكوى يستعملوان الخطاب التاريخي، والذي أخذ منه عنوان الفيلم:
تونس الخضرا على كف عفريت، نحن أمام مسؤولية تاريخية، أمن البلاد، نحن أو الفوضى.. يصبح إصرار الفتاة على شكواها تهديداً للأمن القومي، ويعرّض أمن تونس للخطر.
واضح كم أن “الوطنية ملاذ الأوغاد”، وكم أن عقل “البعث” لا يقتصر على “بلاد البعث” وحدها.

وظيفة دريد لحام

أشرف دريد لحام على العرض المسرحي الغنائي الراقص ”هنا لنا2″ على مسرح دار الأوبرا السورية أخيراً، حسب تقرير مصور لوكالة أنباء النظام السوري “سانا”. العرض استعاد شخصيتي المسرحي الرائد أبو خليل القباني، بالإضافة إلى الممثل عمر حجو.
لا يستطيع المرء أن يشاهد تكريماً حاشداً كهذا من دون أن يتذكر تصريح الممثل السوري لحام أخيراً بخصوص رغبته في اصطحاب من يعود من الفنانين السوريين العائدين إلى “حضن الوطن” بسيارته إلى السجن.
يليق هذا الدور بدريد لحام، الموالي التاريخي والمزمن للنظام، والألعوبة بيده على الدوام، حيث يمد يد التكريم من جهة، ليعتقل ويقتل ويهجر من جهة ثانية من تسول له نفسه الاعتراض، ولا يغيب عن البال طبعاً فنانون قابعون في سجون النظام السوري منذ سنوات من دون أي علم أو خبر عنهم، من أمثال زكي كورديللو وولده مهيار، وعدنان الزراعي.

السياسة والرياضة

في كلمته أثناء استقباله للمنتخب السوري لكرة القدم قال بشار الأسد إن “كل الإنجازات اللي تتحقق في هذه الظروف مبنية على إنجاز كبير هو إنجازات القوات المسلحة. أنا متأكد أن الفريق يفكر، وهو يحاول تحقيق إنجازاته، أن يكون رديفاً ومكملاً لعمل القوات المسلحة”.
هذه هي العبارة نفسها التي قالتها نجاج العطار، نائبة الرئيس، أثناء افتتاج معرض الكتاب الأخير في دمشق، الصيف الماضي، كما قيلت على لسان مسؤولين آخرين أثناء افتتاح معرض دمشق الدولي، وسواها من فعاليات. هل يحتاج السوريون دليلاً أوضح من هذا على استحالة فصل السياسة عن باقي الفعاليات الاجتماعية والثقافية والفنية!

ضحكات السجان

“أعمال التعذيب تصبح مملة بسهولة، فالسجانون يحتاجون إلى قليل من الضحك للمحافظة على معنوياتهم عالية، وقد تأكد ذلك بطبيعة الحال في أحداث سجن أبو غريب”. عبارة للمسرحي الراحل هارولد بنتر.
ما لم يقله بنتر إن السجانين يحتاجون أيضاً إلى قليل من الشعر، الغناء، الموسيقا، السينما، الرياضة.. إذا صدف أن شاهدت عملاً مسرحياً أو سينمائياً بارعاً لأحدهم (لأحد السجانين) لا تنخدع، هذا ليس سوى ضحكات السجان.

 

 

 

 

القدس العربي