في دول يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر، لا بيوت تؤويهم من حر الصيف ولا برد الشتاء، يجمعون قوت يومهم من الحاويات المتناثرة في شوارع الأثرياء، يتفنن بعض مشاهير الفن والرياضة ووسائل التواصل الاجتماعي في استعراض حياة البذخ التي يعيشونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأشهرها “إنستغرام وسناب شات”.

هذه التطبيقات الحديثة فتحت شهية هؤلاء لمشاركة الناس أدق تفاصيل حياتهم؛ صور بيوتهم أبنائهم، طعامهم، سُفرتهم، وما يثقل الهمّ على القلب إظهار حياة الترف التي تعيشها حيواناتهم المحظوظة والتي ينفقون على تربيتها مبالغ خيالية، والعجيب أنهم يتفاخرون بذلك، ويتنافسون على اقتناء أغلى سلالات القطط والكلاب، ويظهرون مشاعر التعاطف والحب لحيواناتهم، بينما يقفلون شبابيك سياراتهم ويشيحون بوجوههم عن أطفال يبيعون حفاةً عراةً على الإشارات.. قلوبهم تحنّ على الحيوان وتقسو على الإنسان.. هل من تفسير لهذا التناقض؟

ولا يتردد بعض المشاهير في استعراض بذخ حياتهم والرخاء الذي ينعمون به دون أن يمر ببالهم لحظة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للفئات التي تتابعهم وتلاحق بشغف أخبارهم.

وتخطر ببالي تلك الإعلامية المشهورة، وهي تطلّ على جمهورها من بيتها الفخم وتدعو متابعيها، وخاصة الفتيات لدخول عالمها السحري.. غرفة متخمة بالملابس من أرقى الماركات العالمية لمشاركتها الرأي في اختيار فستان ترتديه في مناسبة ما، والسؤال الذي تردد بذهني ألف مرة: هل خطر ببالها أن معظم الفتيات المعجبات والمتابعات لها يقفن أمام دولابهن يائسات لا يملكن رفاهية الاختيار بين أكثر من ثلاث قطع؟

سيدتي.. لقد ساهمتِ في تعكير مزاج مئات الفتيات في ذلك الصباح؛ لأن الظروف لم تسمح لهن بامتلاك ولو جزء بسيط مما تحويه غرفتك السحرية.

تلك الفنانة تُمسي وتصبح على جمهورها ومعها السر المكنون وراء جمالها بمجموعة من أغلى الماركات العالمية للمكياج في العالم، وتجتهد بإتقان دورها الدعائي المطلوب منها من قِبَل القائمين على هذه الشركات، فهي تحصد ملايين الدولارات من وراء تلك الإعلانات، بينما تقع المتابعات لها في دوامة البحث عن سبل لشراء تلك الماركات السحرية التي ستجعلهن جميلات مثل تلك الفنانة.

وطبعاً غلاء تلك الماركات يحصر عدد القادرات على شرائها، أما فئة “العين بصيرة ولكن اليد قصيرة” فتتوهج نار الغضب على أوضاعهن المادية وعلى أهلهن الذين لم يستطيعوا توفير وضع مادي يجعلهن قادرات على شراء ما يُردن، مما يولد لديهن الشعور بالنقص أمام المرآة التي تعكس بشاعتهن مهما بلغ مقدار جمالهن.

وبينما تكبر الفجوة بين العالم الافتراضي المكوّن من مجموعة من مشاهير الفن والرياضة والأثرياء الغارقين حتى الثمالة بترفهم، وعالم الواقع المكون من شعوب تحرقها نار الغلاء، وشعوب غارقة بالدماء، وشعوب هاربة من جحيم الحروب باحثةً عن خيمة في مكان ما، وشعوب بطونها خاوية يعيشون بلا طعام ولا ماء، يكبر السور الواقعي بين هؤلاء وأولئك..

ناس ينعمون بحياة رغيدة تستمتع بكل مفاتن الحياة، وناس يراقبون أولئك الغارقين في صلفهم وترفهم الفاحش ولا مبالاتهم من خلف شاشات هواتفهم، تفاصيل حياة لا تشبه أبداً تفاصيل حياتهم.

ماذا تفعلون بنا أيها المشاهير المترفون؟

شباب ناقم على نفسه وعلى أهله وعلى مجتمعه.. شباب تافه لا يهتم إلا بالمظاهر والجمال والموضة.. شباب يحلم بالحصول على المال ونيل الشهرة ولو بأي ثمن.. شباب اعتنق عقيدتكم الحياتية حتى أصبح يفضّل الانتحار على أن يعيش حياة لا تماثل حياتكم.

وأطفال أحلامهم لم تعد وردية ولا بسيطة.. أطفال أحلامهم تفوق واقعهم، يحلمون ببيوت فارهة وسيارات فخمة وملابس بماركات عالمية وأحدث إصدارات الهواتف الذكية والشهرة والسفر.

أعزائي المشاهير.. إذا سمحتم اخفضوا صوت بَذَخِكُم، عِيشوا حياتكم، استمتعوا بما أنعمه الله عليكم بصمت.. لا نريد أن نشارككم تفاصيل حياتكم، لا نريد أن نعرف ماذا تأكلون وإلى أي البلدان تسافرون، لا نريد أن نرى حدائق بيوتكم ولا أثاثها ولا ديكوراتها، لا نريد أن نعرف ماركات ملابسكم ولا أنواع عطوركم ولا موديلات سياراتكم.

نريد أن نتأقلم برضا مع واقعنا.. نريد أن ننعم بسلام داخلي مع أنفسنا.. نريد أن نعيش بتصالح مع وجوهنا مع أجسامنا مع محيطنا.. نريد أن نعيش حياتنا البسيطة بسعادة القانع بكل ما وهبه الله له من نعم.

لا نريد أن نموت وعيوننا فارغة مهما امتلأت.. لا نريد أن نموت وعيوننا جاحظة لم تشبع من دنيا صُنعت لكم أنتم.