نشرت وكالة الأنباء التركية ((الأناضول))تقريراً عن اللاجئين السوريين الذين يقطنون صحراء مالي وجاء في نص التقرير ::
سحابة من الغبار تغمر الأفق وتحجب الرؤية، تغطّي شبح سيارة رباعية الدفع وهي تسلك طريقا متعرّجة في منطقة “كيدال” شمالي مالي.. وما إن تنقشع تلك السحابة بفعل انخفاض سرعة العربة، حتى تتراءى وجوه لأشخاص “من ذوي البشرة البيضاء”، أثقلها الإجهاد والإنهاك.
ومع أنّ المناطق الشمالية في مالي، تعتبر، منذ أكثر من 3 سنوات، مرتعا للجماعات المسلّحة، ممّن تتنازع السيطرة عليها، إلاّ أنّ لا أحد يعترض سبيل هؤلاء اللاجئين السوريين الذين يطلق عليهم سكان تلك المناطق لقب “الأشباح”.
موسى، مقاتل ينتمي لـ “تنسيقية الحركات الأزوادية”، والتي تضمّ أبرز المجموعات المسلّحة من الطوارق، أشار، في حديث للأناضول، إلى أنّ “ما نعيشه لا يقارن بالجحيم السوري، رغم التهميش الذي تعاني منه منطقة الأزواد (شمال) طيلة العقود الماضية”، فيما قال أحد قادة التنسيقية، ويدعى ألمو أغ محمد: “أصدرنا تعليمات واضحة إلى جميع المقاتلين بمختلف الوحدات والفرق العسكرية، لتأمين اللاجئين السوريين قدر الإمكان، وعدم إيقافهم أو إزعاجهم”.
ألفا لاجئ تقريبا وصلوا، منذ أسابيع، إلى المناطق الشمالية بمالي، بحسب مصادر محلية، في ظروف محفوفة بالمخاطر، يحدوهم أمل الالتحاق بالسواحل الأوروبية، عبر الجزائر المحاذية لمالي، هربا من جحيم الأزمة السورية التي انطلقت عام 2011، وأودت بحياة مئات الآلاف من السكان، وشردت الملايين. وتقيم عشرات الأسر السورية، منذ نوفمبر/تشرين الثاني، في بلدة “عين خليل” بمدينة “تيساليت” التابعة لمنطقة “كيدال”، قرب الحدود الجزائرية.
وتعقيبا عن الموضوع، قال عطية أغ محمد، المسؤول عن قضايا حقوق الإنسان في “تنسيقية الحركات الأزوادية”، في تصريح سابق له لإحدى الإذاعات المحلية، إنّ “بعض اللاجئين يقيمون في بلدة بير بمنطقة تمبكتو، وهم أفراد من عائلات فرّت من الحرب، وتستمرّ في البحث عن مكان هادئ يشعرهم بالأمان”، مضيفا إن “تلك العائلات على وعي تام بانعدام الأمن المهيمن على الأوضاع شمالي مالي، ولذلك فإنّ أفرادها ينصتون ويترقّبون ويتقدّمون على ضوء المستجدّات”.
من جانبه، أوضح أوليفييه بير، نائب ممثل وكالة الأمم المتحدة للاجئين في مالي، في تصريحات أدلى بها، مؤخرا، للصحافة المحلية، أنّ اللاجئين السوريين قدموا من منطقة الشرق الأوسط إلى موريتانيا، والتي لا تفرض تأشيرات على الوافدين عليها، وسلكوا طرقا وعرة بهدف الوصول إلى الحدود الشمالية لمالي ومنها إلى الجزائر على أمل العبور إلى القارة الأوروبية”.
رحلة شاقّة بحسب عزيز، وهو سائق موريتاني، اعتاد نقل اللاجئين إلى مالي، قال للأناضول إنّ “هؤلاء اللاجئين يركبون حافلة من العاصمة (الموريتانية) نواكشوط باتجاه منطقة نيما الواقعة جنوب شرقي البلاد، ومن هناك يستقلون سيارات من نوع تويوتا هيليكس، باتجاه بلدة باسيكونو على الحدود مع مالي”، لافتا إلى أنّ كل شخص من هؤلاء يدفع مبلغ 11 ألف أوقية موريتانية (36 دولارا) لعبور الطريق الرابطة بين نواكشوط ونيما، وحوالي نصف المبلغ للوصول إلى باسيكونو.
وفور وصولهم الى باسيكونو، يستقبل عدد من “المهرّبين” الماليين اللاجئين، لاصطحابهم إلى بلدة بير على بعد 50 كم من تمبكتو، على متن سيارات رباعية الدفع، تسلك طرقا غير معبّدة، وذلك مقابل 15 ألف فرنك إفريقي (25 دولارا) للفرد الواحد. أما بالنسبة للذين يرغبون في الالتحاق ببلدة عين خليل، فيتم نقلهم في شاحنات البضائع.
أحد هؤلاء اللاجئين (لم يذكر اسمه)، قال، فور وصوله إلى “عين الخليل”، في تصريح له لإحدى وسائل الإعلام المستقلّة، إنّ “الأطفال عانوا كثيرا خلال الرحلة، إذ لم يكن لدينا مياه ولا طعام، والطريق صحراوية والحرارة مرتفعة للغاية”.
ومعترفة بالظروف القاسية التي يمرّ بها اللاجئون السوريون، أعربت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، عن “قلقها” الكبير إزاء هذا الوضع، وعن استعدادها لتقديم المساعدة اللازمة من أجل أن “لا يقعوا فريسة سهلة للمهرّبين عديمي الضمير وللمجموعات المتطرّفة”، بحسب أوليفييه بير.
وفي الأثناء، تشرف “تنسيقية الحركات الأزوادية” على حملة تهدف إلى تعداد اللاجئين بالمنطقة، حيث أوضح، محمد حسن، أحد المسؤولين المحليين التابعين للحركة، في تصريح للأناضول، إن من بين السوريين المتوافدين على المنطقة “يوجد مهندسون وخبراء كمبيوتر وأشخاص لديهم مستوى تعليم جيد”.
كفاءات وكوادر اضطرت للهرب من أتون أزمة لم تخمد منذ سنوات، بينها وائل، السوري الذي كان يعمل مهندسا للكمبيوتر في بلاده قبل فراره برفقة عائلته من جحيم الحرب، ليقع استقباله من قبل سكان مناطق الشمال المالي. وائل أعرب للأناضول عن شكره العميق للسكان لكرمهم الشديد، مضيفا: “ينبغي أن أحصل على وظيفة، لكن، ونظرا لصعوبة الحصول على عمل يتناسب مع اختصاصي، أنا على استعداد للقيام بأي عمل إلى أن يحين وقت الرحيل”.
وائل على وعي تام بأنّ الأوضاع قد تتّجه نحو التأزم، في ضوء الأخبار الواردة من أقاربه الذين غادروا باتجاه الجزائر غير مطمئنة بالمرة، بسبب الصعوبات التي لاقوها لبلوغ البلد الأخير، فـ “الطريق الرابطة بين مالي والجزائر أكثر صعوبة من تلك الرابطة بين موريتانيا ومالي، كما أن حتى بالنسبة لهؤلاء الذين نجحوا في الدخول إلى الجزائر لم يتمكنوا من مغادرتها حتى الآن”، مشيرا إلى أنه يصعب الوصول إلى أوروبا “في القريب العاجل”.
وبمرور الوقت، استسلم اللاجئون الذين يعيشون، منذ نحو عامين، في العاصمة المالية باماكو، والذين يقدر عددهم بحوالي ألف لاجئ، بحسب المنظمات الإنسانية، لمصيرهم، بينهم 87 شخصا فقط ممن يدخلون ضمن لائحة اللاجئين المسجّلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين بباماكو.
من جهتها، لم تصدر حكومة مالي أيّ إعلان رسمي حيال تواجد اللاجئين السوريين على أراضيها سواء كان ذلك في العاصمة أو شمالي البلاد، فيما رفض بعض المسؤولين من وزارة التضامن والعمل الإنساني وإعادة الإعمار .

 

الاناضول