ثمة من يقول إن من ميزات عهد دونالد ترمب في التاريخ الرئاسي الأميركي الإفراط في إصدار كتب ألّفها صحافيون وكتّاب عن الرئيس وإدارته وفضائحه. آخر هذه الكتب، وربما أشدها إزعاجًا لترمب، كتاب الصحافي الاستقصائي بوب وودورد “الخوف: ترمب في البيت الأبيض” Fear: Trump in the White House.

قلّ نظيره
قبل مضمون الكتاب، ربما تكمن أهميته الأولى في الكاتب نفسه، الذي يقول عنه تقرير نشرته “بي بي سي” إنه “من الصعب العثور على نظير لهذا الصحافي المرموق من حيث الصدقية، فهو صاحب التحقيقات الصحافية بالاشتراك مع زميله في صحيفة (واشنطن بوست) كارل بيرنشتاين، والتي أدت إلى سقوط الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون وإخراجه من البيت الأبيض. كما ألّف كتبًا عن عدد من القادة والرؤساء الأميركيين السابقين، مثل جورج بوش الابن وباراك أوباما. كما إنه بلا أدنى شك واحد من أكثر المحللين احترامًا واطلاعًا”.

في عام 2013، اصطدم وودورد بأوباما، فعلق ترمب حينها على الحادث بقوله: “البيت الأبيض في عهد أوباما هو الوحيد القادر على التهجم على وودورد، من دون أن تكون لذلك تداعيات”.

طلب اغتيال الأسد
ينسب وودورد إلى عدد كبير من مقربي ترمب ومرافقيه وصفهم له بـ”الأحمق والكذاب”. كما يقدم الكتاب، الذي من المقرر أن ينشر في 11 سبتمبر الجاري، أمثلة عن الفوضى وانعدام الإنضباط والنظام داخل البيت الأبيض في إدارة ترمب.

يقول الكاتب إن مساعدين سابقين وحاليين لترمب يخفون عنه وثائق مهمة، ويمنعونه من التوقيع عليها، أو يعملون خلافًا لأوامره، وهذا الوضع – بحسب وودورد – أشبه بالإنقلاب الإداري.

يسوق وودورد أمثلة على ذلك بقوله إن ترمب طلب من ماتيس اغتيال رئيس النظام السوري بشار الأسد بعد الهجوم الكيميائي على بلدة خان شيخون في عام 2017. يسرد وودورد: “خاطب ترمب ماتيس قائلًا ’دعنا نقتله، لنذهب إلى هناك ونقتله حيث هو، دعنا نقتل عددا كبيرا منهم‘، فرد ماتيس على رئيسه موافقًا على طلبه. لكن بعد انتهاء الاجتماع مع ترمب، أكد ماتيس لأحد مساعديه أنه لن ينفّذ ما طلبه ترمب، أي لن يقتل بشار الأسد”.

إخفاء أوراق

ينقل الكاتب عن ماتيس نفسه وصفه مدى إلمام ترمب بالقضايا الخارجية بالقول: “إنه يعادل معرفة طالب في الصف الخامس أو السادس الابتدائي”.

وبحسب وودورد في كتابه، أخفى كل من غاري كوهين، مستشار ترمب الاقتصادي، وروب بورتر، سكرتير البيت الأبيض، بعض الأوراق عن طاولة ترمب، لمنعه من التوقيع عليها. فلو وقع ترمب عليها، لكان أدى ذلك إلى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية “نافتا”، والانسحاب من اتفاقية التجارة مع كوريا الجنوبية.

ينقل وودورد عن بورتر وصفه الحال في البيت الأبيض بالآتي: “إننا نعيش كأننا نسير سريعًا على حافة الهاوية”.

يقدم الكاتب في كتابه أيضًا دلائل على هوس ترمب بروسيا، ولجنة التحقيق الخاصة التي يتزعمها مولر، في حين أن المعلومات المرفقة في الكتاب ربما تؤدي دورًا كبيرًا في الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر المقبل.

احتيال على الناس
وصف ترمب كتاب “الخوف: ترمب في البيت الأبيض” بأنه “احتيال على الناس”، كما  نشر تغريدات غرّدها وزير دفاعه جميس ماتيس ورئيس موظفي البيت الأبيض جون كيلي، نفيا فيها ما نقله وودورد على لسانهما في كتابه المثير للجدال.

تقول “غارديان” البريطانية إن الكتاب يشي بخوف وودوارد الكبير على الحقائق، واصفةً الكتاب بأنه “حساب رصين لكيفية وصول البلاد إلى هذه النقطة المذهلة”.

فكلمات وودوارد حرفية، لكن القصة التي يرويها تقشعر لها الأبدان. ورفع الأوراق عن مكتب الرئيس لأنك لا توافق على خياراته السياسة ليست إجراءً قياسيًا. كما إن تحطيم الجميع في دائرتك الضيقة ليست وسيلة فاعلة لاستثارة غريزة الولاء. والانعكاس الشخصي لمحام، مثل روبرت مولر، يحمل مصيرك بين يديه، يشبه الرغبة الحثيثة في الموت.

في الكتاب، يقوم وودوارد بتصوير الأشياء: “كانت لدى ترمب مشكلة رئيسة واحدة، فمحاميه الشخصي جون دود، وهو جندي سابق في البحرية، يعرف ما يحصل، لكنه لم يستطع أن يقول للرئيس إنه كاذب سخيف”.

في الوقت الحقيقي
بحسب “نيويوركر”، تأتي مصادر عدة من مصادر وودوارد بصفتها رسومًا كاريكاتورية لوسطاء السلطة والنفوذ في واشنطن العاصمة، يخطط بعضهم للنيل من البعض الآخر، ويناضل بعضهم لمصلحة ترمب، ويغبطون الرئيس بلا خجل، ويتذمرون من الإهانات، ويهددون بالاستقالة، لكنهم لا يفعلون ذلك في الواقع.

تقول سوزان غلاسر في “نيويوركر”: “كنت في منتصف الكتاب بعد ظهر الأربعاء عندما أوقفت الأخبار قراءتي: نشرت صحيفة ’تايمز‘ مقالًا غير معروف من قبل مسؤول كبير في إدارة ترمب، أثنى فيه على الأبطال المجهولين داخل البيت الأبيض، وهذا المسؤول كان من أعضاء في المقاومة السرية نفسها التي تم تأريخها في كتاب وودوارد”.

كان الأمر كما لو أن أحد مصادر وودوارد اختار نشر خاتمة في الوقت الحقيقي في صفحات “تايمز”. عند قراءة المقال الافتتاحي، فكرت غلاسر على الفور في مقطع مدهش من الكتاب، نقلت فيه ملخصًا لاجتماع للأمن القومي كتبه مسؤول في البيت الأبيض.

قال: “شرع الرئيس في إلقاء محاضرة وإهانة المجموعة بكاملها يعاتبهم كيف أنهم لم يعرفوا شيئًا عندما تعلق الأمر بالدفاع أو الأمن القومي”. يبدو واضحًا أن العديد من كبار مستشاري الرئيس، خصوصًا في مجال الأمن القومي، قلقون للغاية من طبيعته غير المنتظمة، ومن جهله النسبي، وعدم قدرته على التعلم، إضافة إلى آرائه التي يعتبرونها خطيرة”.