قامت السينما التسجيلية للحرب السورية على اعتقاد جامع بين صانعي أفلامها، بإعتبار الصورة – الصوت وثيقة أرشيفية وتاريخية، في الآني تنقل الحدث السياسي والاجتماعي، وفي التاريخي تحفظ الحدث السياسي والاجتماعي للذاكرة.

وهكذا يبدأ فيلم “لسه عم تسجل” بمشهد لأحد شخصياته الأساسية، “سعيد” وهو يقدم دورة تصوير لمتدربين من دوما، فيقول فيها:

“الصورة خط الدفاع الأخير ضد الزمن، الصورة التي نلتقطها الآن هي وبعد خمسين عاماً، وثيقة مستمرة عن هذه اللحظة، اللحظة التي التقطت فيها”.

هكذا يعلن أحد صانعي فيلم “لسه عم تسجل” عن علاقة الصورة والوثيقة، إحدى المزايا الأساسية للسينما التسجيلية للحرب السورية.

اشك أن للمكان في السينما التسجيلية أهمية محورية، فما بالنا إن كانت هذه الأفلام عن مناطق تعيش تحت الحصار وفي الحرب؟

لقد حاولت السينما التسجيلية للحرب السورية أن توثق الأمكنة، بكل ما تحمله الأمكنة من أحداث، وعوالم صوتية سمعية، وموضوعات، وقصص.

مثلاً فيلم “مسكون” (2014، لواء يازجي) نقل حال الحصار من منطقة برزة في دمشق، و”أرض المحشر” (2017، ميلاد أمين) يلعب هذا الدور مع مدينة حلب،  أما فيلم “حب تحت الحصار” (2015، مطر اسماعيل) فيركز على حصار ريف دمشق، والآن “لسه عم تسجل” هو عن مدينة دوما في ريف دمشق أيضاً.

أراد صانعو الفيلم له أن يبدأ من لحظة خروج مدينة دوما عن سيطرة القوات الحكومية، وإدارتها من قبل الثوار.

هي حكاية منطقة إذاً، دوما في ريف دمشق، يبدأ الفيلم في لقطاته الأولى بالجثث، بتراكم الجثث في المنطقة، وفي محاولة السكان تكفينها ودفنها، ما يشعره المتفرج بداية صادمة وقاسية في الفيلم.

في إحدى المشاهد المتعلقة بالتعامل مع الضحايا، يحاول مصور ومذيع أن يقفا إلى جانب براد الجثث ليصورا تقريراً يخبر عما يجري للإعلام، لكن المذيع كلما أراد التفوه بكلمة يختنق ويمنعه الغثيان من التلفظ بما يريد.

أما الحدث السياسي والاجتماعي الذي تعايشه مدينة دوما، ويوثقه الفيلم، يبدأ مع خروجها من سلطة القوات الحكومية، وتحوّل جزء كبير من أبنائها إلى حمل السلاح، وتعرضها للقصف من طائرات الميغ الحربية، مما يجعل الجوع واحدة من الموضوعات التي تتكرر في الفيلم، حتى السيجارة تحت الحصار أصبحت تعد رفاهية ومتعة بحاجة إلى التوثيق والتصوير فنرى في مشهد شخصيات ثلاثة تتقاسم السيجارة الواحدة حتى آخر نفس.

هكذا يصبح التدخين فعلاً سينمائياً ضد الحرمان.