معتقل سابق يروي فضائع عاش تفاصيلها في سجن الموت صيدنايا

خرج من سجون الموت بجسد نحيل لا يتجاوز وزنه خمسين كيلو غرام، أراد أن يلخص رحلته فاختزلها بكلمة واحدة ” صيدنايا قعر العالم ” … محمد شاب سوري قضى عامين و نصف بين المعتقلات
وسجن صيدنايا العسكري.
يقع السجن في قرية صيدنايا الجبلية شمالي العاصمة دمشق ويتسع لأكثر من خمسة عشر ألف سجينا.
ويُعد من أكبر وأحدث السجون السورية حيث أنهت الحكومة بناءه عام 1987 م. ويتكون من ثلاثة طوابق ويضم كل جناح في كل طابق عشرين زنزانة جماعية، ويحتوي الطابق الأول على مئة زنزانة انفرادية.
ويروي معتقلون مفرج عنهم قصصا عن عمليات تعذيب ممنهجة تفضي إلى الموت البطيء، بالإضافة إلى عمليات إعدام وتصفية لمعارضين للنظام السوري.
” المعتقل في سجن صيدنايا على موعد مع الخوف من الموت دائما” بهذه العبارات يصف الثلاثيني محمد تجربته مع السجن، ويقول إن “رحلة العذاب تبدأ منذ اللحظات الأولى لدخول السجن”.
بداية رحلة التعذيب
حيث يخضع المعتقل “لحفلة الاستقبال” عبارة عن سلسلة من المراحل تبدأ – حسب محمد- من سيارة السجن أو ما أطلق عليه السجناء اسم “براد اللحمة ” إلى البهو ، إذ يقتاد المعتقل مغلق العينين بعصابة سوداء،ويتعرض للضرب الشديد أثناء إنزاله من السيارة بطريقة وحشية”.
و “بمجرد نزوله من السيارة يؤمر بالجلوس جاثياً “وضعية السجود ” ويديه مقيدة للخلف ويرافق هذه العملية ضرب شديد بإسطوانة تستخدم في التمديدات الصحية تحدث تشوهات و رض شديد أو حتى نزيف وتمزق في النسيج العضلي “.
ولا تتوقف المعاناة عند هذا الحد، بل تمتد ممارسات التعذيب على مدار الساعة images_9يتعرض المعتقل خلالها للضغط الجسدي والنفسي، ” في أي لحظة يدخل السجانون للجناح المؤلف من عشرة مهاجع وعلى السجناء أن يأخذوا وضعية الجاثي خلال لحظات, و وجوههم إلى الجدار وأيديهم تغطي عيونهم وأي تأخر أو تلكؤ بهذه العملية , يتعرض المهجع بالكامل لعقوبات شديدة ووحشية ” كما يقول محمد.
في كل غرفة من غرف السجن حمام ومغسلة ومرحاض , مساحة كل غرفة سبعة أمتار بثمانية ,و في القبو مطعم وزنزانات لا يصلها النور , تستخدم للتعذيب , قضى فيها الكثيرون دون أن يسمع بأسمائهم , ويقبع في كل مهجع وسطيا عشرون سجينا , يمنع مناداتهم بأسمائهم , ولكل منهم رقمه الخاص .
يتحدث محمد عن وضعيات المشي والجلوس المتبعة في صيدنايا ” وضعية المشي و هو راكعا واليدين على العيون دون أن يرفع المعتقل جسده , ووضعية الجلوس وهي على شكل السجود والوجه نحو البلاط “.
أما عن المرحلة التالية من عملية الاستقبال فهي المبيت من أسبوع إلى ستة أشهر في زنزانات صيدنايا، التي يُعرى فيها المعتقلين ويأمرون بالانبطاح على بطونهم مع الضرب لدرجة ممكن أن تسبب تناثر دماءهم على الجدران, حيث يجلد المعتقل عشر جلدات تتضاعف الى مائة جلدة اذا تحرك أو استغاث”.
أقسام للموت
وينقسم السجن لقسمين أحدهما طلي بالون الأحمر للتذكير بالدماء التي سالت في السجن بعد العصيان الشهير عام 2008،و صمم على شكل شعار مرسيدس وبني من قبل المانيا الشرقية في حينها، أما القسم الثاني هو السجن الأبيض الذي بني في مرحلة متقدمة وهو منفصل تماما عن المبنى الأول .
ويعتبر السجن الأحمر الأسوأ مقارنة مع السجن الأبيض و يحتوي في طابقه السفلي على نوعين من الزنزانات ( أ ) وهي عبارة عن خمس وثلاثين زنزانة , فيها فتحات لإدخال الطعام دون حاجة لفتح الأبواب , تسمى هذه الفتحات” شراقة ” وهي موجودة أسفل الباب .
أما زنزانات (ب) هي دون فتحات يعمل السجان على إدخال الطعام من الأبواب ويرافق ذلك ضرب شديد للمعتقلين أثناء إدخال الطعام , كما أن المعتقل الذي يدخل الطعام يتعرض للجلد الشديد أثناء توزيع الطعام بسرعة عالية جدا “.
يصف محمد ظروف الاعتقال في الزنازين ويقول ” الزنزانة الواحدة عبارة عن غرفة صغيرة بحجم المرحاض ضرب اثنين , مقسومة بحائط , في الليلة الأولى يجبر نزلائها وعددهم يصل لتسعة أحيانا بالنوم في قسم المرحاض وهو قذر جدا فيضطر اثنين من المعتقلين النوم فوقه , والهدف من هذه الوضعية مع كون المعتقلين عراة دون ملابس
الإساءة الأخلاقية لهم” .
تعليمات القتل البطيء
“ويمنع المعتقلين من التحرك بالمهجع ويؤمرون بالتجمع في زاوية الغرفة وفي الليل بعد انتهاء المناوبات يستطيع المعتقلين التحرك بحرية في الزنزانة”.
أما عن الطعام يؤكد محمد أنها كميات قليلة جدا , في الحد الأقصى تصل لرغيفين من الخبز وغالبا ثلاثة أرباع الرغيف للشخص الواحد , من ثلاثة لأربعة ملاعق طعام من الرز المسلوق والمختلط أحيانا باللبن أو المرق الأحمر , ربع حبة من البطاطس , ربع البيضة , ثلاث حبات من الزيتون المشرب بطعم المازوت “.
إعدامات ميدانية
يؤكد محمد وجود حالات إعدام داخل السجن، يقول: “في ليلة من ليالي إقامتي بالسجن الأحمر سمعنا تحت الضرب والجلد أصوات عشرات المعتقلين يتم تسفيرهم وقمنا بعد حوالي ثلاثين سيارة انطلقت من ساحة السجن , وبعد أيام بدأت روائح غريبة وكريهة جدا تنتشر ، مع ظهور حشرات لم نكن نراها من قبل , وعلمنا أن عدد السيارات لم يكن بالكبير بل كانت تذهب لمكان قريب وتنفذ هذه الإعدامات لتعود وتنقل مجموعات أخرى من المعتقلين ,كما حدثنا بعض المعتقلين أن إعدامات نفذت بحق معتقلين في السجن الأبيض” .
بينما قضى سجناء موتا بسبب التعذيب أو البرد الشديد، ففي إحدى المرات صادرت إدارة السجن في برد الشتاء بطانيات السجناء لمدة ثلاثة أشهر بعد أن نام المعتقلون حين ظنوا أنهم سمعوا أمرا بالنوم ، ولم تكتفي بذلك إذ رُش المعتقلون بالماء , وأمروا بالاستلقاء على بطونهم عراة، مما أدى إلى وفاة شخصين بسبب البرد الشديد”.
معتقلون يتحولون لأرقام
ولا يوجد عدد واضح لأرقام المعتقلين داخل السجن الذي يتسع لخمسة عشر ألف سجين، إلا أن ناشطين يقولون أن العدد أكثر من ذلك خصوصا بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.
و يتكتم النظام السوري على عدد المعتقلين و في بعض الأحيان ينفي وجود أسماء معتقلة داخل السجن الذي يتعامل فيه مع المعتقلين بلغة الأرقام.
كثير من أهالي المعتقلين استسلموا و أوقفوا البحث عن أبنائهم تحت ضغط وحشية النظام وخوفا من النتائج المترتبة عند السؤال عنهم، تتحدث واحدة من عائلة معتقل : أردنا فقط أن نعلم أين أخي , هل هو على قيد الحياة وعن أي جرم يحاسب وتحت ضغطنا وإلحاحنا بالسؤال , كانت الإجابة أنه توفي بوعكة صحية , وتمّ تسليمنا أوراقه الثبوتية , وبعد أيام اكتشفنا من أحد المعتقلين المفرج عنهم حديثا أنه ما يزال على قيد الحياة وتمَ بشهادة أحد المعتقلين المفرج عنهم إبلاغنا بأنه
حوّل للمبنى الأحمر”.
أمراض نفسية ترافق المعتقلين
دكتورة علم النفس أمل حمصي تتحدث لـ ” ألوان ” عن التأثيرات النفسية على المعتقلين في ظروف غير لائقة و تؤكد ” تراكم الأمراض النفسية داخل المعتقل , كالقلق والاغتراب النفسي و الأرق , وحتى المفرج عنه تعود صور التعذيب والألم إليه من خلال أحلامه فتتحول إلى كوابيس وممكن أن تؤدي به طول مدة الاعتقال إلى صعوبات بالذاكرة والرهاب والوسوسة والهلوسة والاكتئاب”.
وقد رصدت الطبيبة النفسية أمل الحمصي أهم الأمراض التي يعانيها السجين فوجدت أن التعذيب النفسي وانتظار الموت والحبس الانفرادي ومشاهدة أو سماع أصوات التعذيب يصيب بتوتر ما بعد الصدمة “.
ومن المشاكل التي يعاني منها المعتقل عدم الاندماج بعد الإفراج عنه أو عدم التأقلم بسبب المدة التي قضاها بسجنه وما شاهده من أهوال وطبيعة شخصيته قبل السجن”.
يحتجز النظام السوري المعتقل فيوقف حياته وحياة أهله وأحبائه ويترك رفاقه للتخفي أو الهرب ويرعب كل من يشاركه المبدأ أو الموقف أو العمل دون أن يكلفه ذلك سوى نصف متر مربع من أرضنا .. لقد قيدنا معه في ذلك المكان الصغير وشلّ حياتنا وآمالنا .
“بلغ أمي حبي وقبل يديها عني , وقل لها :
” الشهداء كالأنبياء يختارهم الله ” عبارة حفرها معتقل آمن بها كل من دخل دهاليز الموت تلك .

https://www.youtube.com/watch?v=WLhqfHY1oTw

 

شبكة شام