لم أترك أحداً يمكن أن يفيد برأيه في هذا الموضوع إلا واتصلت به وسألته عن تقويمه لاختيار العميد أسعد الزعبي رئيساً لوفد المفاوضات إلى جنيف. ويجب أن أؤكد أن الذين اتصلت بهم أجمعوا، بلا استثناء، على احترامهم العميق للرجل وتقديرهم لوطنيته.

يعرف عن “الزعبي” حسب شهادة الكثيرين، وطنيته وحبه لبلده وإخلاصه له وإحساسه بآلامه وسعيه المستمر لتخليصه مما هو فيه. وقد ذكر لي بعض قادة الفصائل أن الرجل شارك في التخطيط لمعظم المعارك التي جرت في حوران، بل وساهم في الإعداد لعمليات جرت في إدلب وحلب وريف دمشق.

كل الذين حادثتهم تجنبوا الإشارة إلى أمرين اثنين: أولهما، كفاءة الرجل من الناحية السياسية وقدرته الفعلية على قيادة المفاوضات، والثاني: كيف تمّ اختيار الزعبي؟ ومن الذي اختاره؟

المكتب الإعلامي للسيد رياض حجاب نشر هذا الردّ: “نحن نختار المناسب والمطلعين على معاناة الناس”.

لا أريد الإساءة للسيد حجاب، لكني أودَ أن أذكره أن أطفال الشام، فضلاً عن عقلائها، يعلمون أن المعارضة السورية بكل أطيافها لا تستطيع أن تعين شخصاً واحداً في الوفد، وأنها في أفضل الأحوال تحسن السمع والطاعة للقوى الدولية. كما أودّ أن أسأل السيد حجاب إذا كانت بسمة القضماني، عضو المحفل الماسوني، مطلعة على معاناة الشعب السوري.

يبدو لي أن السعودية لا غيرها كانت وراء اختيار الزعبي ووراء اختيار محمد علوش من جيش الإسلام، فالمسألة اليوم قد خرجت من يد السوريين وتحولت إلى “كسر عظم” بين معسكر يضم المملكة وآخر تمثله روسيا، فكما أصرت موسكو على اعتبار “جيش الإسلام” إرهابياً، دفعت السعودية باسم علوش.

إرهاصات محددة بدأت قبل مغادرة الوفود إلى جنيف، أولها انهيار جزئي للروبل كرسالة إلى روسيا، وإصرار روسي على اعتبار جيش الإسلام إرهابياً لا تقبل بمن يمثله، وأخطر من ذلك كله، وجود قوات أمريكية في الشمال السوري، وتدريب مقاتلين من الجيش الحر في درعا تحت إشراف سعودي، وإعادة النقاش حول أهمية تجهيز الثوار بأسلحة فعالة.

تؤكد هذه التحركات كلها أن القضية لم تعد بيد السوريين، وأن الآخرين هم من يقررون عنا، ويبدو لي أن إرادة الحل السياسي لم تتوفر بعد، وأن القوى الفاعلة تحضّر لمرحلة ما بعد جنيف، حتى إن بعض المتابعين يعتقد أن هناك ميلاً سعودياً للحديث عن حل عسكري أو على الأقل إظهار الاستعداد له حال فشل المفاوضات.

بالعودة إلى اختيار الزعبي، فإنني أعتقد أن نبل السيد العميد ووطنيته لا يكفيان لاختياره رئيسا لوفد التفاوض، وإننا مهتمون بأن يطلعنا الرجل على برنامجه التفاوضي وأفكاره التي سيطرحها، وهل سيقبل باندماج الجيش الحر في قوات الأسد فعلاً، وهل سيوافق على حكومة انتقالية تحتفظ بالأسد. لا نريد أن نشكك في الوفد كما لا نريد أن نوقع له “على بياض”.

ماذا يمكن أن يفعل في جنيف؟ هل يأخذ قرارات تعبر عن الشعب السوري أم سيفتح هاتفه لتلقي الأوامر الدولية والإقليمية وينفذ؟

أريد أن أنصح “أبو خالد” وقد قابلته في بعض برامج الجزيرة الفضائية، أنه قد يحرق تاريخه ويسيء إلى نفسه، بل وإلى عائلة الزعبي كلها، إن قبل بما لا يريده السوريون أو باءت المفاوضات بالفشل، إذ ستقوم الدول الراعية باتهام وفد التفاوض ورئيسه، وستعمل على شيطنته وتحميله المسؤولية كاملة هو وعائلته العريقة بل ومحافظة حوران كلها.

وسيصبح مسبة لكل سفيه، ولهذا فإنني أسأله أن لا يقع فيما وقع فيه معاذ والبحرة والجربا وغيرهم، وأن يتذكر أنه يذهب باسم السوريين لا غيرهم، فإن شك في ذلك، أو شك في مؤامرة تحاك، فليعلن انسحابه  وليحفظ هيبته ومصداقيته.

د. عوض السليمان | العصر