على الرغم من عودة الحياة إلى إقليم ناغورني كاراباخ بعد أسابيع من القتال، وحتى التهدئة الأخيرة في ليبيا، إلا أن ملف المرتزقة الذين زجّت بهم تركيا لإذكاء نار الحرب في كلا البلدين مازال عالقاً.

فقد تعرض مقاتلون سوريون لـ”الاستغلال” من أطراف دفعت بهم للقتال كمرتزقة في ليبيا وكاراباخ، خصوصاً عبر سرقة الأموال الذين وعدوا بها قبل السفر، وكذلك حرمان عائلاتهم من تعويضات في حال إصابتهم أو مقتلهم.

“أجور بالدولار”.. وعد على الثلج

وكشف تقرير لمنظمتين حقوقيتين، نشر الخميس، أنه منذ نهاية العام 2019، أرسلت تركيا آلاف المقاتلين السوريين للقتال كمرتزقة لصالح أطراف تدعمها في ليبيا وكاراباخ، فذهب هؤلاء مقابل وعود برواتب بالدولار أو تعويضات لعائلاتهم، خصوصاً من الفصائل الموالية لأنقرة، والمتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في شمال سوريا.

كما أجرت منظمتا “المركز السوري للعدالة والمساءلة” و”منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” دراسة حول مسار “الاستغلال الاقتصادي لتجنيد المرتزقة” في سوريا عبر شبكات من السماسرة والمجموعات المسلحة.

 فوجدتا أن تركيا اعتمدت بشكل رئيسي على مقاتلي الفصائل الموالية لها في شمال وشمال غرب سوريا، لدعم حكومة الوفاق في ليبيا، ودعم القوات الأذربيجانية في كاراباخ.

وأشار التقرير أيضاً إلى أن الشكل الرئيسي الذي اتخذه هذا الاستغلال هو السرقة المنهجية للأجور، حيث تعرض المقاتلون الفرديون للاحتيال بانتظام من كبار الشخصيات في ميليشيا تسمي نفسها “الجيش الوطني السوري”، والذي تنضوي فيه الفصائل الموالية لأنقرة.

بعد الاحتيال.. طرد

نقل التقرير عن مقاتل اتهامه فرقة السلطان مراد، الموالية لأنقرة، بالاستيلاء على أجره ورفاقه. شارحاً أنهم قضوا 3 أشهر دون أموال، وبعدما طالب كل منهم بسلفة قدرها 300 دولار، أعطوهم 100 فقط واحتفظوا بالباقي.

كما وثق تقرير آخر في كاراباخ، سرقة الأجور رغم تدفق التمويل التركي، حيث نقل عن سمسار أن تركيا عرضت رواتب شهرية قدرها 3 آلاف دولار وتعويضاً بقيمة 75 ألفاً للعائلات في حال وفاة المقاتل، إلا أن الجماعات المسلحة كانت دائماً ما تخرق العروض وتعطي المقاتلين رواتب تتراوح بين 800 و1400 دولار. كما أنها دفعت أحياناً كثيرة الرواتب بالليرة التركية لا الدولار.

وقد تأكد المسؤولون عن البحث من أنه سواء في ليبيا أو في كاراباخ، فإن سرقة الأجور وقعت على عائلات المجندين عبر حجب التعويض المالي عنهم إن كان جزئياً أو كلياً بعد مقتل أبنائهم، كما لم يُمنح جرحى المعارك كامل أو أجزاء من تعويضاتهم.

السر يمكن بطريقة الاحتيال

ووفقاً للمعلومات، وكون تلك السرقات كانت تُعد مصدراً رئيسياً للمال، فقد تنافست كل من الجماعات المسلحة على تسجيل أكبر عدد من المقاتلين.

كما وصل الأمر إلى طرد فصائل سورية لمقاتلين من صفوفها ومن أماكن سكنهم لمجرد رفضهم السفر.

فيما ساهم خفض الأجور أو التعويضات في زيادة مستوى الجريمة، حيث دفع كثيرون إلى السرقة والنهب والتعفيش ومصادرة الملكيات، وتحدّث أحدهم لوكالة فرانس برس، عن توثيق اتجار بالجنس وخطف في ليبيا.

دعوات لمحاسبة المتورطين

إلى ذلك، أكد المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة محمد العبد الله في بيان، أن مشاركة مرتزقة سوريين في القتال في الخارج تؤدي إلى إثراء وتقوية بعض الجماعات المسلحة الأكثر إجراماً في سوريا نفسها، لا سيما الجماعات المدعومة من تركيا في الشمال الغربي.

بينما دعا المدير التنفيذي لـ”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بسام الأحمد، المجتمع الدولي إلى “محاسبة الدول والشركات والجماعات المسلحة الأكثر مسؤولية عن تجنيد المرتزقة”، وفق تعبيره.

الجدير ذكره أنه على الرغم من تقدم ليبيا رويدا نحو ترميم مفاصل الدولة التي تصدعت على مدى السنوات الماضية، إلا أن ملف المرتزقة مازال عالقاً ويؤرق مجلس الأمن الدولي الذي يوليه أهمية قصوى.

وتحرص مجموعة A3+1 وهي الدول الإفريقية الثلاث في مجلس الأمن تونس وكينيا والنيجر، بالإضافة إلى جزر سان فنسنت والغرانادينز في الكاريبيان، على خروج المقاتلين الأجانب من بلد هام في القارة الإفريقية، فضلا عن نزع السلاح وتفكيك الفصائل المسلحة والميليشيات والدمج الكامل للقوات المسلحة في جيش نظامي حكومي موحد يمثل البلاد بأكملها.