نام الناطور الأمريكي جو بايدن لهنيهات فقط في مؤتمر المناخ العالمي فأصبح حديث الشاشات. لم تتركه كاميرات التصوير، إذ راحت تحصي هَجْعَتَه ثانيةً ثانية. غفوة استعيدت معها غفواته السابقة، من بينها واحدة جاءت (أو هكذا صُوّرت) أثناء لقاء مع رئيس الحكومة الإسرائيلي، كما غفوات زعماء آخرين، من بينهم بوريس جونسون، رئيس الحكومة البريطاني.
كانت فرصتنا، كمشاهدين، لنضحك، لنشعر بالرضا أو بالشماتة، كما لو أننا نِلْنَا من جبروت ظالم لا يقهر، حاكم ثري في إمكانه أن يزيل بلاداً عن الخريطة، ويحلّ أخرى مكانها، لكنه لا يستطيع أن يغالب النعاس، رغم أنه نعاس متلفز.

لا شك أن لسان حال الكثيرين حول الأرض يقول “نوم الظالم عبادة”، مع أن نومه ليس مؤكداً تماماً، فلم يُظْهِر السيّد الأمريكي الأول أي علامات الارتخاء المصاحبة عادةً، بل سرعان ما استجاب لتصفيق المجتمعين، تماماً كما يحدث لنواب مجلس الشعب السوري، عندما يصفقون بعيون مغمضة، وبحماس كبير أيضاً.
نضحك، وننشغل نحن وكاميراتنا، من إغفاءة الرئيس الأمريكي، لكننا نعرف جيداً أنها لا تؤخر ولا تقدم، فحين ينام الرجل الثمانيني، ستبقى كاميرات وطائرات وغواصات واستخبارات وصواريخ وسفارات بلاده صاحية، تحصي على الناس نومهم وصحوهم، بمن فيهم أولئك المفعمين بإحساس النصر على نوم الرئيس.
العدل ليس سبباً وحيداً للقيلولة، تحت الشجرة (كما في حكاية الخليفة عمر بن الخطاب)، أو أمام كاميرات العالم. في الحالة الأمريكية عندما يكون الرئيس مستغرقاً في النوم تكون طائراته المسيّرة مستيقظة، تحوم في كل مكان.

السعودية بين هوليوود وبوليوود

تقارير صحافية تتحدث عن سعي السعودية وراء حلم هوليوود، ذاك الذي بدأ مع رفع الحظر المفروض على دور السينما.
يصوَّر اليوم في البلاد فيلما “محارب الصحراء”، و”قندهار”، وحسب الأخبار فإن الحماس يبلغ أشدّه مع “طموحات كبيرة لبناء مدينة العلا كوجهة سينمائية دولية”. في طريقها إلى هوليوود الخاصة بها، لا يبدو أن السعودية تخشى أي مصاعب إلا الأردن والمغرب، فهما قد يشكلان، على ما تنقل وكالة “بلومبيرغ”، عقبة ومنافسة شديدة مع مواقعهما الصحراوية.

إن كان صنّاع السينما في السعودية جادّين بالفعل للوصول إلى الحلم السينمائي الأمريكي فأقلّ ما يجب التفكير فيه هو الحرية، إلغاء الرقابة، وإطلاق يد الكتّاب والمخرجين ومخيلاتهم. فالسينما ليست موازنات مالية ضخمة وحسب، أو امتلاك استوديو صحراوي هائل الحجم، ولا مجرد رغبات كذلك، فما بالك، وكما تقول انتقادات نشطاء حقوق الإنسان، عندما يكون المقصود هو إحداث “بريق يحجب الحقيقة السياسية المظلمة”!
دون حرية، دون الاعتراف أساساً بالحقائق المظلمة لن يصل سينمائيو السعودية لا إلى هوليوود ولا بوليوود. حتى سوليوود ستكون مستحيلة.

الحكواتي التلفزيوني

يصعب أن تجد حكواتياً تلفزيونياً أكثر براعة من عارف حجاوي. لا يتوقف الأمر عند أدائه وإلقائه وخبرته اللغوية، فالمادة/ النص التلفزيوني مشغول كذلك بحرفية عالية. هذه حلقة نموذجية تبدأ من طبق طعام أرمني قدّم إليه، هو كباب بالكرز، لا يستسيغه، لأن الحلو والمالح لا يصطحبان بسرور على لسانه، كما يعلن. هو الذي انتظر ثلاثين سنة حتى قَبِل بالزبيب في طبق الأرزّ.

من هنا يبدأ الحجاوي ليتحدث عن طبق مختَلَف عليه بين الأرمن والأتراك والسوريين في مدينة عنتاب جنوبي تركيا.
الكباب بالكرز، ومدينة عنتاب، جاء ذريعة تلفزيونية شائقة للعودة إلى التاريخ؛ معاهدة سيفر بعد الحرب العالمية الأولى، ثم معاهدة لوزان التي أطاحت بما سبق. يتطرّق الحجاوي إلى ما كان أراضي سورية ومنحت لتركيا، كلواء الاسكندرون.

يتحدث عن السدّ الذي أقيم على دجلة، واستقواء الكبار على الضعفاء في حروب المياه. لا يفوته هنا الشعر، حيث يتذكر الجواهري “يا دجلة الخير”، وغزلية نازك الملائكة بالنهر. يتحدث عن سياسة التتريك والقهر الثقافي، وصولاً إلى التتريك كمطلب عند بعض اللاجئين.
بعد ذلك يعود حجاوي إلى حكاية كباب الكرز ليقول إن المعركة حوله ما هي إلا قشرة رقيقة تخفي تحتها تاريخاً قاسياً على سوريا.
وجبة كسائر وجبات هذا الحكواتي الفريد، الخبير اللغوي والإعلامي، عميق الثقافة، صاحب الحضور الآسر حقاً.

النشيد الرسمي الإسرائيلي

كعادتها، جاءت الصغيرة (ابنتي، 13 عاماً) سعيدة للغاية بتكليفها بالتمرّن على مقطوعة موسيقية جديدة لآلة الكمان. فرِحة بأن أستاذتها في الكونسرفتوار منحتها ثقتها. كنا نحن أيضاً سعداء بذلك، لا نعطي فرحتنا لأحد كلما لاحظنا تعلّق الصغيرة بعالم الموسيقى الفاتن. ذلك المساء، وقبل أن تباشر في قراءة النوتة فتحتْ الصغيرة يوتيوب وبدأنا نسمع المقطوعة إياها.
لحظة لحظة، ما اسم المقطوعة؟ يا للهول! إنها الهاتيكفاه! النشيد الرسمي الإسرائيلي.“لكنها مجرد موسيقا”، قالت البنّوتة بعد أن لمحت الذعر يملأ فضاء البيت، صار لزاماً أن نقصّ الحكاية من جديد، وفوقها أن نقدّم لها التطمينات بأن أحداً لا يمكنه أن يفرض عليها شيئاً، بل إن هناك أرشيفاً من رفض أداء حتى النشيد الوطني الفرنسي (المارسييز) من دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى المقصلة.
حاصلُه، أرسلت الأميرة بعد ساعات في بريدها الالكتروني الأول إلى أستاذتها رسالة تقول فيها: “أعتذر عن عزف المقطوعة، فأنا فلسطينية سورية”. ويفترض أن يغني ذلك عن أيّ شرح آخر.
لم نتلق جواباً حتى الساعة، لم يحن موعد الدرس التالي. وليس مهماً ما سوف يحدث. ما يهمّني أن زهرةً ولدت للتو في رأس الصغيرة من أجل قضية.

٭ كاتب فلسطيني سوري