جيد أن يوجد يوم عالمي لمساندة ضحايا التعذيب في السادس والعشرين من شهر يونيو/ حزيران من كل عام حتى نتذكر هؤلاء، ولو ليوم واحد فقط، وندرك حجم الجحيم الذي عاشوه وكوابيس الذكريات لدى الناجين منهم.

في تقريرها السنوي الثاني عشر عن التعذيب في سوريا، تقول «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» إنَّ ممارسات التعذيب في سوريا مستمرة منذ 12 عاما دون محاسبة، وإن حصيلة الذين قتلوا بسببه بلغت 15281 شخصاً منذ آذار/ مارس 2011 وحتى حزيران/ يونيو الحالي بينهم 198 طفلاً و113 سيدة.

«نصيب الأسد» من بين هؤلاء كانت لنظام الأسد فهو المسؤول، وفق التقرير، عن مقتل 15039 بينهم 190 طفلاً و94 سيدة، لكنه ليس الوحيد فتنظيم «داعش» مسؤول عن مقتل 32 بينهم طفل و14 سيدة، و«هيئة تحرير الشام» عن مقتل 34 بينهم طفلان، فيما قتل بنفس السبب على يد «قوات سوريا الديمقراطية» 94 شخصاً بينهم طفلان وسيدتان، فيما قتل 53 بينهم طفل وسيدتان على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة، كما سجل التقرير مقتل 29 شخصاً بينهم طفلان وسيدة على يد جهات أخرى لم يحددها بالضبط.

المصيبة لا تقف عند هذا الحد، فقد جاء في التقرير أن ما لا يقل عن 155 ألف شخصٍ مازالوا قيد الاعتقال والاحتجاز التعسفي في سوريا من قبل أطراف النزاع، يتحمل النظام مسؤولية 88 ٪ منهم. وغالبيتهم العظمى منهم معتقلون سياسيون على خلفية الحراك الشعبي، وجميعهم يتعرضون لأشكال عدة من أساليب التعذيب على مدى سنوات عديدة.

وقد أثبت التقرير أنّ جميع القوى المسيطرة في سوريا قد مارست التعذيب ضد خصومها، وبأن هذه الممارسات ما زالت مستمرة حتى الآن، موصيا مجلس الأمن والأمم المتحدة بإيجاد آلية لإلزام كافة أطراف النزاع، وبشكل خاص النظام السوري، لوقف هذه الممارسة المشينة، والكشف عن أماكن جثث الضحايا وتسليمها للأهالي، عارضا في نفس الوقت قائمة جديدة لأبرز أسماء المتورطين لدى النظام السوري في جريمة التعذيب، مع التذكير بأنه وفقاً للقانون الدولي الإنساني يتحمل القادة والأشخاص الأرفع مقاماً مسؤولية جرائم الحرب التي يرتكبها مرؤوسوهم.

المفارقة العجيبة أن الحكومة السورية سنّت نهاية مارس/ آذار العام الماضي قانونا لتجريم التعذيب رأت منظمة العفو الدولية «أنّه لا يقدّم إنصافاً لضحايا التعذيب السابقين، ولا يشمل أي تدابير حماية للشهود أو ضحايا التعذيب، ولا يذكر ما إذا كانت أسر ضحايا التعذيب ستتلقّى تعويضات، في حالة وفاتهم. والأهمّ من ذلك، لم يذكر أي إجراءات يمكن اتخاذها لمنع حصول التعذيب في مراكز الاحتجاز والسجون في المستقبل».

وقد كانت نفس المنظمة قد ذكرت في تقاريرها المختلفة حالات «تعذيب لا يمكن تخيله» وفق تعبيرها، حيث استعرضت شهادات عديدة لسجناء سابقين التقت بهم «عن دوامة لا تنتهي من التعذيب» فقد ذكر الضحايا أنهم «تعرضوا للضرب بخراطيم بلاستيكية، وقضبان مصنوعة من السيليكون، وعصي خشبية، والحرق بأعقاب السجائر، وأُجبِر آخرون على الوقوف في الماء وتلقي صدمات كهربائية، كما تعرض رجال ونساء إلى الاغتصاب والتحرش الجنسي، فيما تلقت نساء تهديدات بالاغتصاب أمام أقاربهم بهدف انتزاع اعترافات منهن».

ولأن المصائب لا تنتهي فرادى للشعب السوري المغلوب على أمره، فقد ذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقرير لها نهاية أبريل/ نيسان الماضي أن «حرس الحدود الأتراك يُطلقون النار عشوائيا على المدنيين السوريين على الحدود مع سوريا، ويُعذّبون ويستخدمون القوّة المفرطة ضدّ طالبي اللجوء والمهاجرين الذين يحاولون العبور إلى تركيا» مطالبة الحكومة التركيّة بضرورة «فتح تحقيق ومحاسبة حرس الحدود المتورطين في هذه الانتهاكات» وهو التحقيق الذي ليس معروفا بعد ما إذا كان قد فتح أم لا.

وعدا حالات محدودة من محاكمات جرت في أوروبا لبعض المتورطين القلائل في التعذيب فقد بقي كل الجلادين من مأمن من أية ملاحقة أو محاسبة، ففي أبريل/نيسان 2020 مثلا بدأت محكمة ألمانية في مدينة كوبلنز جلسات استماع لمسؤولين سابقين اثنين في المخابرات السورية، بتهم متصلة بجرائم ضد الإنسانية، وقد كانت تلك المحاكمة، الأولى في العالم المتعلقة بالتعذيب الذي رعته الدولة في سوريا. ووفق الادعاء فإن أحد هذين المسؤولين أشرف في الفترة بين نيسان/أبريل 2011 وأوائل سبتمبر/أيلول 2012، على تعذيب 4 آلاف شخص على الأقل أثناء الاستجواب بالإضافة إلى 58 جريمة قتل، وحرمان من الحريات، واغتصاب واعتداء الجنسي في الفرع 251 للمخابرات السورية. ولنا أن نتخيّل ماذا ستكون الحصيلة إذا مثل للمحاكمة مئات غيرهم.

سيقول كثيرون إن سوريا ليست الوحيدة في ممارسة التعذيب المعيبة والتي ما زالت متفشية في أغلب الدول العربية، وهذا صحيح لكن الأصح كذلك أن لا دولة عرفت هذا العدد من ضحايا التعذيب وعلى امتداد فترة بهذا الطول. من يدري فقد نحتاج يوما، على غرار مؤشرات دولية عديدة مختلفة، إلى مؤشر عربي للتعذيب لنرى لمن ستكون «الريادة».

؟

؟

؟

؟