“العالم رسمياً خالٍ من الأسلحة الكيميائية”؛ عبارة لا يمكن تصديقها بالكامل لمجرد أنها جاءت عنواناً لخبر في الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية، بعد إعلان الولايات المتحدة رسمياً تدمير مخزونها من الأسلحة الكيميائية، قبل أيام عدة، وبذلك تكون آخر دولة من الدول الثمانية، المعلِنة عن امتلاكها أسلحةً كيميائيةً، تُدمّر أسلحتها بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية، حيث تم الوصول إلى هذا الإنجاز يوم الجمعة الماضي، في مصنع بلوغراس التجريبي لتدمير العوامل الكيميائية في كنتاكي.

 

بعد تصريف آخر صاروخ من غاز الأعصاب السارين، أعلن كينغستون ريف، نائب مساعد وزير الدفاع للحد من التهديدات والحد من التسلح، كينغستون ريف، الذي أشرف على العملية، بأن “تدمير هذا الصاروخ الفردي يعني أن مئة في المئة من الأسلحة الكيميائية المعلَنة في العالم قد تم تدميرها الآن”، وذلك بحسب ما نقلت الإذاعة الوطنية العامة.

 

سبب التأخير في التخلص من الأسلحة

 

تُعدّ أمريكا آخر دولة تتخلص من أسلحتها الكيميائية، بعد انقضاء المدة المحددة بــ10 سنوات، منذ بدء توقيع الاتفاقية عام 1993، ليتم التمديد حتى موعد 29 نيسان/ أبريل 2012. لكن برغم ذلك، تأخرت الولايات المتحدة بالإيفاء بوعدها، حتى يتم إرجاء الموعد إلى الدورة الثامنة والستين للمجلس التنفيذي للدول الأطراف الموقعة. وذلك بحسب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

 

يُرجع أستاذ القانون في جامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة، ديفيد كوبلو، سبب استغراق الولايات المتحدة الكثير من الوقت للتخلص من أسلحتها الكيميائية، إلى أن الأسلحة نفسها كان صعباً التعامل معها، إذ كانت تحتوي على مواد كيميائية قاتلة ومتفجرات محشورة في قذيفة مدفعية أو صاروخ أو قنبلة، ولم يتم تصميمها لتفكيكها، وتم تصنيع العديد منها قبل عقود، مما جعلها هشةً وغير موثوقة، لذلك كان لا بد من تطوير تقنيات جديدة خوفاً من التلوث الخطير، على حد قوله، مشيراً إلى أن البرنامج كان يعاني أيضاً من نقص التمويل وسوء الإدارة.

 

ويقول: “تغيّرت قيادة البرنامج بشكل متكرر، ولم يؤخذ على محمل الجد كما كان ينبغي، ونتيجةً لذلك استمرت لفترة طويلة، بعدما كانت أمريكا تنتهك المعاهدة لسنوات عدة”.

 

كان العراق يملك برنامجاً لصناعة الأسلحة الكيميائية عبر ثلاث مراحل منذ بداية حكم صدام حسين، حيث بدأ البرنامج بالتصنيع والإنتاج والشراء بين فترة 1981-1984، بدايةً من التجارب الأولى والتصنيع، إلى استخدام الأسلحة في الحرب العراقية الإيرانية، حيث بدأ بالعمل والتوسع بعد بدء الحرب الإيرانية العراقية، لإنتاج كميات كبيرة من الأسلحة الكيميائية لتزويد الجيش بها

الاتفاقية والمخزون

 

عام 1993، انضمت نحو 193 دولةً إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، التي تحظر استخدام الخصائص السامة للمواد الكيميائيّة الشائعة، مثل الكلور وغاز السارين وغيرهما بهدف القتل، كما تعهّدت كلّ دولة بألا تقوم تحت أيّ ظرف “بمساعدة أو تشجيع أو حث أيّ كان بأي طريقة، على القيام بأنشطة محظورة بموجب هذه الاتفاقيّة”، حينها طُلب من الدول الأطراف تدمير ذخائرها الكيميائية بحلول عام 2007، مع خيار طلب تمديد مدته خمس سنوات لمرة واحدة، بحسب مركز الحد من الأسلحة والانتشار.

 

عندما دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ، كان هناك ما يقارب من 30،072 طنّاً مترياً من المواد الكيميائية السامة المعلنة في 8،6 ملايين حاوية مطلوب تدميرها في الدول الموقعة، وإلى اليوم، تم تدمير أكثر من 98.5 في المئة من جميع الأسلحة الكيميائية المعلنة. ولا تزال مصر وإسرائيل وكوريا الشمالية خارج الاتفاقية، بينما أعلنت ثماني دول عن مخزونات أسلحة كيميائية، وهي ألبانيا والهند والعراق وليبيا وسوريا والولايات المتحدة وروسيا ودولة مجهولة يُعتقد على نطاق واسع أنها كوريا الجنوبية.

 

دول عربية استخدمت الأسلحة

 

يفتح الإعلان الأمريكي والواقع الجديد هذا، الباب أمام استعادة تاريخ عربي أسود، في ما يخص استعمال هذا النوع من الأسلحة. فهناك دول استخدمته في حروبها، العربية-العربية، أو العربية-غير العربية. كذلك، هناك أنظمة حكمت ولا تزال تحكم، استخدمت هذا النوع من السلاح ضد مواطنيها، واللائحة ليست قصيرةً، نحاول هنا استعراضها، وتوثيقها.

 

البداية من الحرب العراقية الإيرانية. عندما استخدم العراق الأسلحة الكيميائية ضد إيران بين السنوات 1980 و1988، في حرب الخليج الأولى.

 

وفقاً للوثائق التي رُفعت عنها السرّية في الأرشيف الوطني للأبحاث في جامعة كوليدج بارك، ماريلاند، فقد دعم الغرب نظام صدام حسين في استخدام الأسلحة الكيميائية خلال الحرب العراقية الإيرانية، وحينها أفادت التقارير الرسمية بأن الجيش العراقي استخدم الأسلحة الكيميائية في هجماته ضد القوات العسكرية الإيرانية والمدنيين في المدن والقرى الحدودية، حيث وقع أكثر من 30 هجوماً ضد المدنيين، وكانت هناك أيضاً هجمات كيميائية أخرى من قبل الجيش العراقي على بعض المراكز الطبية والمستشفيات الإيرانية، وفقاً لمقالة صحيفة ستار-ليدجر التي نُشرت عام 2002، وتقول إن “نحو 20 ألف جندي إيراني قُتلوا على الفور نتيجة إصابتهم بغاز الأعصاب، و5،000 شخص من الناجين لا يزالون يواصلون علاجهم، برغم أن بروتوكول جنيف حظر استعمال الأسلحة الكيميائية في النزاعات المسلحة الدولية، ولكن دَعَم الغرب الجيش العراقي في استخدام السلاح الكيماوي، لإبعاد إيران عن الانتصار”.

 

 

خلال تلك الفترة، كانت مدينة حلبجة في إقليم كردستان العراق، أبرز المدن التي تعرضت لمجزرة جماعية بالقصف الكيماوي صباح يوم 16 آذار/ مارس عام 1998، حيث قصف الجيش العراقي بأمر من الرئيس الأسبق صدام حسين، المدينة، بعد تقدّم القوات الإيرانية لاقتحام الحدود العراقية والوصول إلى حلبجة، ليوجّه نظام صدام حسين اتهامات إلى سكان المدينة بتسهيل دخول الإيرانيين، حيث راح ما بين 5 و9 آلاف ضحية من بينهم مدنيون أكراد وأطفال ونساء، وبعد الهجوم على الأكراد واجه نظام صدام حسين اتهامات دولية واسعة.

 

 

كان العراق يملك برنامجاً لصناعة الأسلحة الكيميائية عبر ثلاث مراحل منذ بداية حكم صدام حسين، حيث بدأ البرنامج بالتصنيع والإنتاج والشراء بين فترة 1981-1984، بدايةً من التجارب الأولى والتصنيع، إلى استخدام الأسلحة في الحرب العراقية الإيرانية، حيث بدأ بالعمل والتوسع بعد بدء الحرب الإيرانية العراقية، لإنتاج كميات كبيرة من الأسلحة الكيميائية لتزويد الجيش بها، وبدأ الإنتاج في مرفق الرشاد ومجمع السامراء، والتخزين في مخابئ منها المثنى في الفلوجة، بحسب مذكرة مجلس الأمن الصادرة عام 2006، والتي تسرد آلية العراق الطويلة في شراء وتصنيع الأسلحة الكيميائية.

يقول الدكتور والباحث العراقي عبد الرازق عبد الجليل عيسى، في مقالٍ كتبه في صحيفة المدى العراقية: “عام 1991، وافق العراق على قرار مجلس الأمن 687 (1991)، الذي نص على أن يوافق العراق من دون شرط على القيام تحت إشراف دولي بتدمير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية جميعها، وكل ما كان مخزّناً من العوامل الكيميائية وما يتصل بها من منظومات فرعية ومكونات ومرافق البحث والتطوير والدعم والتصنيع، ودُمِّرت في المدة بين 1992-1994 أكثر من 30،000 قطعة ذخيرة مختلفة، وبحدود 480،000 ليتر من العوامل الكيميائية، وأكثر من مليونَي ليتر من السلائف”، عادّاً أن نهج التصنيع الذي اعتمده صدام حسين أعطى مبرراً للأمريكيين لغزو العراق.

 

وفي عام 2009، انضم العراق إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وكان أكبر مخزون لمخابئ الأسلحة الكيميائية وما يتصل بها من معدّات وحطام من حرب الخليج 1991، موجوداً في مخزن “المثنى” في منطقة الفلوجة، الذي سبق أن سيطر عليه تنظيم الدول الإسلامية عام 2014، ما أثار قلق الولايات المتحدة الأمريكية، ثم تمت استعادته من قبل الجيش العراقي عام 2015، حيث اعتبرت حينها الخارجية العراقية، أن المواد داخل المخزن لا تشكل أي تهديد، ليبدأ العراق مع الانضمام إلى الاتفاقية والانتهاء من حربه ضد التنظيم، بتدمير مخازن ومعامل إنتاج الأسلحة، وتعلن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عام 2018، اكتمال تدمير العراق أسلحته الكيميائية.

 

ليبيا في تشاد وتورّط إيراني

 

سعت ليبيا طوال سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته إلى السيطرة على قطاع أوزو، الغني بالمعادن، على طول الحدود المتنازع عليها مع تشاد المجاورة. أدت هذه الجهود إلى حرب متقطعة في تشاد ومواجهةٍ مع كل من فرنسا والولايات المتحدة. في عام 1987، تفوقت القوات الليبية على القوات التشادية بعد استخدام الأسلحة الكيميائية خلال حُكم نظام معمر القذافي. وبعد 24 سنةً من الحادثة، كشف وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، عبر صفحته الرسمية على موقع تويتر، أن “الولايات المتحدة رفعت السرّية عن وثائق تتعلق باستخدام إيران للأسلحة الكيميائية والاتّجار بها خلال حرب ليبيا-تشاد”، بين العام 1978 والعام 1987، وبعد سقوط القذافي، تم اكتشاف أسلحة كيميائية عليها كتابات باللغة الفارسية. من جانبها، نفت إيران إرسال أسلحة كيميائية إلى ليبيا.

 

بعد ذلك، وبسبب الضغط الدولي، وافق القذافي عام 2003، على الانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، مقابل “التقارب” مع الدول الغربية. بحسب مقال لـbbc، بعنوان “الأسلحة الكيميائية الليبية: المكونات الأخيرة للتدمير”، عام 2016. بالرغم من ذلك، لم تُدمّر الحكومة الليبيّة مخزونها، بل لا يزال يتوافر على نحو 11.25 طناً من غاز الخردل السام بهدف استعماله ضد الدول العدوّة، أو تلك الراغبة في زعزعة الاستقرار وما إلى ذلك، بحسب رابطة الحد من الأسلحة.

 

لكن المنظمة الدولية للأسلحة الكيميائية، أشارت في تقرير صدر عام 2011، إلى أن الجماهيرية الليبية دمّرت عام 2004، مخزونها من القنابل المحمولة جوّاً، والتي يمكن استخدامها في إطلاق عناصر كيميائية، وذلك في إطار اتفاق توصل إليه القذافي مع الغرب لتفكيك برنامجه من أسلحة التدمير الشامل، كما تحدث التقرير عن أن طرابلس دمّرت عام 2010، 45% تقريباً من مخزونها من غاز الخردل، ووافقت على تدمير الباقي بحلول أيار/ مايو 2011، كما دمّرت ليبيا ما يقارب 40% من مخزونها من خردل الكبريت عام 2005″.

 

بعد الذي حلّ بليبيا، وسقوط نظام حكم القذافي، حاولت الهيئات الدولية التعاون مع المسؤولين الليبيين لضمان التزام ليبيا بعقودها بموجب المعاهدة. في هذا السياق، تعاون المجلس الوطني الانتقالي مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بشأن تدمير جميع الأسلحة الكيميائية في البلاد، وستقوم المنظمة بشكلٍ دوري بالتحقق من ذلك، لتتوصل ليبيا عام 2016، إلى إزالة ما تبقّى من أسلحة كيميائية من أراضيها بهدف تدميرها.

 

حققت مصر تقدماً واضحاً في مجال تصنيع الغازات الحربية والسموم وأقامت العديد من المصانع للغازات الحربية في غرب القاهرة والدلتا، وتشير تقارير الـCIA و الـMI6، إلى أن مصنع أبو زعبل للكيماويات هو الواجهة الرئيسية لبرنامج مصري ضخم لإنتاج الأسلحة الكيميائية

مصر وحرب اليمن

 

تُعدّ مصر الدولة الوحيدة التي لم تنضمّ حتى اليوم إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وهي أول دولة شرق أوسطية حصلت على تلك الأسلحة، من تدريب ومواد أولية، كما امتلكت الأسلحة الكيميائية مع تدشين مفاعل ديمونة في إسرائيل في عام 1958. وتُعدّ هذه الأسلحة من أبرز الأسلحة الإستراتيجية في الجيش المصري، وذلك بحسب موقع الدفاع العربي، حيث استخدمت مصر في حرب اليمن عام 1967، غاز الخردل في ضرب المتمردين في شمال البلاد، وكان أول استخدام للأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط، وكان عبارةً عن غاز الفوسجين والخردل، وأدى إلى مقتل 14،000 شخص.

 

ووفقاً لموقع “الدفاع العربي”، حققت مصر تقدماً واضحاً في مجال تصنيع الغازات الحربية والسموم وأقامت العديد من المصانع للغازات الحربية في غرب القاهرة والدلتا، وتشير تقارير الـCIA و الـMI6، إلى أن مصنع أبو زعبل للكيماويات هو الواجهة الرئيسية لبرنامج مصري ضخم لإنتاج الأسلحة الكيميائية، بالإضافة إلى مصانع ومعامل خاصة بالجيش المصري لا يُسمح بدخول المدنيين إليها، مع إمكانية تحويل بعض خطوط الإنتاج في المصانع الكيميائية الدوائية والمبيدات الحشرية في مصر لإنتاج غازات الحرب.

 

وتُعدّ الصحراء الغربية “من أهم مناطق تكديس الذخائر الكيميائية، حيث تحتوي على المخزن الرئيسي لمستودعات الذخائر الخاصة بالجيش المصري عن طريق شبكة من الأنفاق، لم تستطع الأقمار الصناعية تحديدها إلى جانب بعض المناطق في غرب قناة السويس”، وهذا الكلام أكده مدير مكتب الرئيس الأسبق حسني مبارك، الدكتور أسامة الباز، عام 1999، في تصريح قال فيه إن “مصر قادرة على ردع إسرائيل وتملك الوسائل الكافية لتحقيق هذا الردع”، عادّاً أن “برنامج إسرائيل النووي وبرامجها لتطوير الأسلحة الكيماوية والبيولوجية تفتح طريقاً قوياً في المنطقة وعلى رأسها مصر لضرورة امتلاك الأسلحة والوسائل لحماية سيادتها والحفاظ على أمنها القومي”، وقد عقبت على ذلك التصريح جريدة هآرتس الإسرائيلية بقولها إن “مصر تهدد بتسلح كيماوي بيولوجي كردّ على السلاح الذرّي الإسرائيلي”.

 

بشار الأسد ضد السوريين

 

كشف رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فرناندو آرياس، عام 2021 أمام الأمم المتحدة، أن “نظام الرئيس السوري بشار الأسد استخدم الأسلحة الكيميائية المحرّمة دولياً، ما لا يقلّ عن 17 مرةً، خلال الحرب الأهلية السورية”، مشيراً إلى أن “الخبراء حققوا في 77 ادعاءً وخرجوا بنتائج أكدت تلك ‘الحقيقة المزعجة’ التي تأتي على الرغم من انضمام سوريا إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عام 2013، حيث تم استخدام غاز السارين والخردل والكلور خلال النزاع في سوريا، ما أدى إلى رد فعل دولي، خاصةً هجمات الغوطة عام 2013، وقد أكد مفتّشو الأمم المتحدة استخدامه”.

 

كشف رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فرناندو آرياس، عام 2021 أمام الأمم المتحدة، أن “نظام الرئيس السوري بشار الأسد استخدم الأسلحة الكيميائية المحرّمة دولياً، ما لا يقلّ عن 17 مرةً، خلال الحرب الأهلية السورية”

في ذلك الوقت، أنكر الرئيس السوري وجود أسلحة كيميائية، إلا أنه بعد ضغط دولي عليه نتجت عنه مبادرة روسية أمريكية لتدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا تقودها روسيا، عاد وظهر عام 2013 في مقابلة تلفزيونية مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية، قال فيها إنه يوافق موافقةً كاملةً على التخلص من مخزونه من الأسلحة الكيميائية، لكنه أكد أن العملية معقّدة، وقد تأخذ سنةً أو أكثر، وتحتاج إلى مليار دولار وتضرّ بالبيئة، وقابل ذلك نفيه المتواصل استخدام الأسلحة ضد المعارضة.

 

وفي آب/ أغسطس 2016، ألقى تقرير عن الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية باللوم الصريح على الجيش السوري، في إلقاء أسلحة كيميائية (قنابل الكلور)، على بلدات تلمنس في نيسان/ أبريل 2014، وسرمين في آذار/ مارس 2015، والخردل في بلدة ماريا في آب/ أغسطس 2015، كما استخدمه في بلدة اللطامنة شمال سوريا بحسب بيان وزارة الخارجية الأمريكية. في المقابل، اتهمت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الحكومة السورية بشن هجمات كيميائية عدة، ما أدى إلى انضمام سوريا إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وبدء تدمير الأسلحة الكيميائية السورية.

 

وبحسب رابطة الحد من الأسلحة الكيميائية، انضمت سوريا عام 2013، إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وأعلنت عن مخزونها وحددت خطةً لإزالتها بعد فترة وجيزة.

 

وكانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قد أعلنت أن مخزون سوريا المعلَن والبالغ 1،308 أطنان مترية، من عامل الخردل الكبريتي والسلائف الكيميائية قد دُمّر بحلول كانون الثاني/ يناير 2016، وتم تنفيذ عمليات التدمير على متن سفينة البحرية التجارية الأمريكية “كيب راي”، وفي أربع دول هي فنلندا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. ومع ذلك، لا تزال التقارير تُظهر استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، مما يثير تساؤلات حول دقة إعلانها الأوّلي.

 

وفي تموز/ يوليو 2020، اعتمد المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، قراراً يتناول استمرار حيازة سوريا للأسلحة الكيميائية واستخدامها، داعياً الحكومة السورية إلى الإعلان عما تبقّى من مخزونها الكيميائي وحل أي تناقضات في ما يتعلق بإعلان مخزونها الأولي في غضون 100 يوم، أو بحلول منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2020، لكن سوريا لم تفعل ذلك.

 

أول استخدام للأسلحة الكيميائية

 

بدأ استخدام الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك الكلور والفوسجين وغاز الخردل، في الحرب العالمية الأولى. فمع حلول شهر كانون الثاني/ يناير سنة 1915، أقدمت ألمانيا على تجربة بعض الغازات السامة قرب منطقة بوليمو في بولندا ضد القوات الروسية، لكن لم يحقق هذا الهجوم الأول النتائج المرجوة، فبسبب الطقس البارد تجمّد الغاز السام موقعاً عدداً ضئيلاً من القتلى في صفوف الجيش الروسي.

 

وفي 22 نيسان/ أبريل سنة 1915، قادت ألمانيا هجوماً مهماً غرب بلجيكا ضد القوات البريطانية والفرنسية، عُرف بمعركة “إيبر الثانية”، استخدمت فيه غاز الكلور السام، ما تسبب في القضاء على فرقتين عسكريتين فرنسيتين.

 

وتتالى استخدام غاز الكلور في الحرب، حتى عام 1918، ونتيجةً لهذا الأمر، تم وضع بروتوكول جنيف، الذي يحظر الهجمات بالأسلحة الكيميائية، وتم التوقيع عليه في عام 1925، لكن بالرغم من ذلك، عملت نحو 25 دولةً على تطوير أسلحتها الكيميائية خلال الحرب الباردة، وذلك بحسب مكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، إلى أن وصل الأمر إلى اتفاق دولي نتج عنه اعتماد اتفاقية الأسلحة الكيميائية، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1997، والتي تطالب الدول بتدمير مخزوناتها وتحظر استحداث أو إنتاج أو استخدام الأسلحة الكيميائية.

 

تلت هذا الحدث، عقود من المواجهة في الحرب الباردة (1945-1991)، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بحسب الموسوعة البريطانية. حينها بنت الدولتان مخزونات هائلةً من الأسلحة الكيميائية، لكن انتهاء الحرب الباردة أجبرتهما على الموافقة على حظر جميع الأسلحة الكيميائية من الأنواع التي تم تطويرها خلال الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة.

 

أمريكا وتاريخها الحافل

 

للولايات تاريخ طويل مع الأسلحة الكيميائية، من خلال استخدامها في الحروب أو في تجارب على البشر، وفي مجالات التدريب، حيث يُعتقد أنها ألقت 20 مليون غالون من المواد الكيميائية بنفسها من الأسلحة الكيميائية المُحرّمة خلال حرب فيتنام، من 1955 وحتى 1973، بحسب PBS الأمريكية، ولسنوات عديدة تم استخدام تلك الأسلحة من قبل الفيلق الكيميائي للجيش الأمريكي لإجراء تجارب سرّية لمعرفة كيفية تشتت الجزيئات الكيميائية في الغلاف الجوي، وفقاً لموقع History Collection، حيث تم وضع الرشاشات على المساكن والمدارس وحتى المركبات، ومن بينها مجمع Pruitt-Igoe السكني، الذي كان 70% من سكانه البالغ عددهم 10 آلاف، هم من الأطفال دون سن 12 عاماً. حينها قيل للناس إن الجيش كان يختبر شاشةً دفاعيةً من الدخان في حال وقوع غزو روسي، لكن كشفت الوثائق التي رُفعت عنها السرّية لاحقاً، أن المواد التي أُطلقت على المنطقة “منطقة عشوائية مكتظة بالسكان”، كانت سلاحاً كيميائياً مصنوعاً من كبريتيد كادميوم الزنك ومركب يُعرف باسم FP2266 يُعتقد أنه مشعّ، وتم الكشف عن الاختبار في عام 1994، على أنه تم في الفترة من 1963 وحتى 1965.

 

روسيا وصناعة الاغتيالات

 

وأعلنت روسيا عن أكبر مخزون من السلاح الكيميائي بنحو 40،000 طن متري في سبع ترسانات في ست مناطق فيها، وكانت ترسانتها تتكون في الأصل من خلائط VX و sarin و soman و mustard و lewisite و mustard-lewisite و phosgene، وبحسب مركز الحد من الأسلحة والانتشار، أكملت روسيا رسمياً تدمير ترسانة أسلحتها الكيميائية في عام 2017، وذلك بعد مصادقة المسؤولين الروس في عام 1997، على اتفاقية الأسلحة الكيميائية.

 

ووفقاً لقناة بي بي سي البريطانية، فإنه في 27 أيلول/ سبتمبر 2017، أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن روسيا أكملت تدمير ترسانة أسلحتها الكيميائية، لكن منذ ذلك الحين وقع هجومان كيميائيان على الأقل أُلقي باللوم فيهما على موسكو، الأول كان هجوم سالزبوري في آذار/ مارس 2018، حيث تم تسميم الضابط والمنشق السابق في المخابرات السوفياتية، سيرجي سكريبال، مع ابنته باستخدام غاز الأعصاب نوفيتشوك، وفي ذلك الوقت، أنكرت روسيا مسؤوليتها وتوصلت إلى أكثر من 20 تفسيراً مختلفاً لمن كان بإمكانه فعل ذلك، وبالرغم من ذلك، خلص المحققون في منظمة حظر الأسلحة إلى أن الهجوم كان من عمل ضابطَين من المخابرات العسكرية الروسية GRU.

 

أما الاستخدام الثاني فكان في آب/ أغسطس 2020، حيث تم تسميم الناشط الروسي البارز أليكسي نافالني، لكنه نجا من الموت بأعجوبة، لتنتج عن ذلك أزمة دبلوماسية بين أوروبا وروسيا، طردت في خلالها أوروبا أكثر من 450 دبلوماسياً من السفارات الروسية في دول أوروبا.

 

وبعد تلك الحوادث، ومع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، تتخوف كل من واشنطن وكييف من استخدام روسيا للأسلحة الكيميائية في أوكرانيا، ويأتي ذلك بعدما ذكرت وزارة الدفاع الأوكرانية في 13 نيسان/ أبريل عام 2022، أنها تتحقق من مزاعم بأن روسيا ربما استخدمت أسلحةً كيميائيةً في مدينة ماريوبول الساحلية في جنوب أوكرانيا، وهو ما عدّته موسكو معلومات مضللةً لأنها دمّرت آخر مخزوناتها الكيماوية عام 2017، وفقاً للسفارة الروسية في واشنطن التي اعتبرت أن متطرفين أوكرانيين يستعدون لترويج مسألة استخدام أسلحة كيميائية.