منذ ستة أشهر، ومع تصعيد الدولة الإسلامية لأعمالها الوحشية في جميع أنحاء العالم من استهدافٍ للمساجد وذبح المدنيين في الأراضي الخاضعة لسيطرتها، قرر بعض عناصر المجتمع الشيعي في باكستان إيقاف المتشددين قبل أن يتمكنوا من ترسيخ وجودهم في البلاد وذلك من خلال نقل المعركة إلى الشوارع التي تمزقت بفعل الحرب في سوريا.
كما وقال زعيم شيعي بارز، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: ” كنا نتوقع استجابة ضعيفة، إلا أننا وجدنا أن العديد تواقون للسفر إلى سوريا ومحاربة الدولة الإسلامية”. ويضيف بأن المجتمع كان قد دعا المحاربين من المساجد في المناطق ذات الأغلبية الشيعية حول إقليم خيبر باختونخوا، لاسيما منطقة كورام وهانغو وبيشاور عاصمة الإقليم، لحشد قواهم” وأردف قائلاً: “اتصل بنا أكثر من خمسين شخصاً بعد إعلاننا الأول وأخبرونا بأنهم على أهبة الاستعداد للقتال”.

وقد قرر الزعماء، بعد أن تحمسوا نتيجة هذه الاستجابة، أنه لضمان النجاح يجب أن يدربوا قواتهم قبل إرسالها إلى سوريا من خلال إيران التي يزعم بأنها ستكفلهم. كما وأخبر أيضاً مجلة نيوزويك “Newsweek”: ” هذه حرب مختلفة كلياً عن الحروب التي اعتدنا عليها، فقد كانت حربنا في أفغانستان حرب عصابات (ضد طالبان)، وكان اعتماد المقاتلين فيها على العبوات الناسفة”. وأضاف:” بينما تدور المعارك في سوريا في شوارع المدينة وتتطلب من المقاتلين أن يكونوا قادرين على التعامل مع الأسلحة الهجومية الصغيرة والثقيلة وأن يتمتعوا بمهارات التصويب الجيد والأهداف الدقيقة”.
وحسب قول السكان المحليين، فقد سافر ما لا يقل عن سبعة من شيعة الباكستان إلى سوريا عن طريق إيران في الدفعة الأولى، إذ أتم خمسة منهم التدريب وانضموا إلى الخطوط الأمامية، بينما أصيب اثنان بالإعياء ما اضطرهما للانسحاب. كما ولاقى أربعة مقاتلين من هؤلاء الخمسة حتفهم ولازالت حالة الخامس غير مؤكدة.

وأفاد الزعيم المذكور: “إن هذا الأمر أوهن عزيمة أولئك الراغبين بالوصول إلى سوريا”. وأضاف بأن طهران تقوم بتعويض أسر القتلى ورعايتهم. مضيفاً أن “بأن هنالك دفعة ثانية مؤلفة من 15 شخصاً وصلوا إلى إيران أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول، إلا أنه ليس من الواضح بعد فيما إذا كانت قد أرسلت هذه الدفعة إلى سوريا”
وقد أخبر مسؤول رفيع المستوى يعمل في الشرطة، ويتخذ من بيشاور مقراً له، مجلة نيوزويك “Newsweek” بأنهم كانوا على دراية بمغادرة أعضاء من المجتمع الشيعي إلى سوريا وبأنه حاول إيقافهم. إذ قال، شريطة عدم الكشف عن هويته: ” قمنا باحتجاز العديد من الناس، إلا أنه ليس من الممكن لنا أن نمنع الجميع من السفر إلى إيران، فالناس في هذا الإقليم غالباً ما يذهبون هنالك للحج وليس بمقدورنا أن نفترض بأن جميعهم ذاهبون إلى سوريا للقتال ضد الدولة الإسلامية”.

وأفاد تقرير صادر عن وكالة رويترز في شهر ديسمبر/ كانون الأول، بأن مئات الباكستانيين كانوا يقاتلون الدولة الإسلامية في سوريا وساهموا في الدفاع عن حكومة بشار الأسد، حليف إيران. ويزعم التقرير بأن نشاط هذه المجموعة وتمركزها قد ازداد في شهر يوليو/ تموز من العام 2015، وذلك في الوقت الذي تحمس فيه أيضاً المجتمع الشيعي في باكستان لإرسال المزيد من المقاتلين خارج البلاد.
وقد أقرت حكومة باكستان بوجود مناصرين للدولة الإسلامية في البلاد، غير أنها تؤكد بأن هذه الجماعة المتطرفة لا تتمتع بوجود منظم. كما وتم العثور في أنحاء باكستان على شعارات ولافتات وبعض الأعمال الأدبية الحاقدة الداعمة لمنظمة الدولة الإسلامية منذ مدة ترجع إلى عام 2014. وقد قام قسم مكافحة الإرهاب في ولاية البنجاب، في العام الماضي، بالقبض على ما يقارب الخمسين شخصاً يشتبه بارتباطهم بتنظيم الدولة بالإضافة إلى مسؤولي استخبارات فيدراليين زعموا بأنهم كانوا يستقصون عن وضع المتطرفين المشتبه بهم في إقليم خيبر باختونخوا. وفي ديسمبر/ كانون الأول، اعتقلت شرطة كراتشي ستة نساء ادعت بأنهن كن يقمن بتجنيد نساء أخريات بالنيابة عن تنظيم الدولة. كما ويعتقد أيضاً بأن ثلاثة نساء، وبرفقتهن اثني عشر طفلاً، كانوا قد فرّوا إلى سوريا للالتحاق بمسلحي دولة الخلافة المزعومة.

وفي حين يعتمد تنظيم الدولة في المقام الأول على تجنيد المتشددين من السنة، يفضل وكلاء طهران تجنيد الشيعة المتطرفين. وقد أدى ذلك التجنيد من كلا الطرفين إلى تجديد الخطر المتعلق بالاضطرابات الطائفية في باكستان كما اتضح من خلال ارتفاع عدد الاعتداءات التي يشنها المسلحون على الأقليات في البلاد.
كما لقي أكثر من عشرين شخصاً مصرعهم وجرح ثلاثون آخرون في انفجار قنبلة وسط سوق كورام في باراشينار في شهر ديسمبر/ كانون الأول. وتبنت جماعة عسكر جنجوي المعادية للشيعة مسؤولية الاعتداء، مضيفة أن ذلك جاء رداً على العنف الذي تمارسه كل من سوريا وإيران ضد المسلمين السنة. وأفاد متحدث باسم المتشددين في رسالة وجهها إلى وسائل الإعلام المحلية قائلاً :” نحن نحذّر الآباء في باراشينار بأنه في حال لم يوقفوا أبناءهم من القتال (في سوريا) فإنهم سيلقون المزيد من الهجمات”.

ووفقاً للزعيم الشيعي، فإن بعض الجهات المحتملة لرعاية المقاتلين في إيران قد أثنوا الكثير منهم عن السفر إلى سوريا عقب المآسي التي شهدوها من قبيل انفجار باراشينار. كما وأضاف بأنه بدلاً من ذلك، فقد أُعلم سكان منطقة كورام والمناطق المجاورة لها بأن يدافعوا عن أوطانهم بأنفسهم.
وقد عاد بالفعل بعض من أولئك الذين كانوا ينشدون المجد من القتال وكان رجب علي وعلي خان اثنان من المسلمين الشيعة الذين ذهبوا إلى إيران العام المنصرم للتدرب على القتال ضد تنظيم الدولة. ويقول علي وهو أحد سكان منطقة كورام: “دخلنا إيران عبر بالوجستان ومكثنا هنالك مدة عشرة أيام، كنا نبتغيإاتمام تدريبنا قبل التوجه إلى سوريا لبدء محاربة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية”.

بيد أن الجهات الراعية لكلا الرجلين عمدوا إلى تشجيعهم على العودة إلى باكستان فقد أخبروهم بأنهم بحاجة إلى خدماتهم في الوطن. ويقول علي: “أخبرونا بأن نوظف تدريبنا للدفاع عن أنفسنا وعن شعبنا في مواجهة القوات المناهضة للشيعة ( في باكستان)”. وأضاف أيضاً: ” كان ذلك خيبة أمل لنا لاسيما أننا أردنا أن نقاتل إلى جانب إخوتنا في سوريا، لكننا عملنا بنصيحتهم (وعدنا)”.
وحسب قول المحلل العسكري محمد سعد، وهو عميد متقاعد، فإنه لأمر شائع من قبل إيران أن تستخدم وكلاء عنها من دول أخرى لخوض معاركها في سوريا. فيقول: “هنالك العديد من الناس من منطقة كورام يقاتلون ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وليست باكستان هي الدولة الوحيدة القريبة من ذلك الهرم الشيعي في إيران، بل هنالك العديد من رجال الدين الشيعة من مختلف أرجاء العالم بما فيهم المملكة العربية السعودية والبحرين وحتى سوريا على مقربة منه كذلك”.

وحذر المحلل من أن حروب الوكالة بين المتطرفين السنة والشيعة في منطقة الشرق الأوسط قد تؤثر على باكستان قريباً إن لم تقم الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة. كما وقد قال: ” إن التجنيد لصالح تنظيم الدولة الإسلامية أو ضدها يشكل خطراً كبيراً على باكستان ومن الممكن أن يلحق الضرر بأمننا الداخلي”. وفي نهاية المطاف، حذر أيضاً من أن الناجين من هذه المعارك سيعودون إلى الديار، فيقول: “سيتعلم جميعهم كيفية شن الحروب، ما قد يستمر على الأرجح في باكستان”.
وقد تم تغيير أسماء المقاتلين العائدين وذلك حفاظاً عليهم.

المصدر: نيوزويك
ترجمة: السوري الجديد