تعاني سوريا من مخلفات الحرب التي مضى عليها أكثر من عقد، وهذه عبارة عن كرات معدنية يعتقد أطفال سوريا أنها صالحة للبيع في سوق الخردة لتنفجر في أيديهم، وتتركهم بلا أطراف أو مشوهين، وهي نفس القنابل العنقودية التي أمر الرئيس جو بايدن بتسليمها لأوكرانيا على أمل أن تحقق اختراقا في حربها ضد روسيا.

 

وفي هذا السياق، جمعت مراسلة صحيفة “نيويورك تايمز”، رجا عبد الرحيم، شهادات من شمال- غرب سوريا كشفت فيها عن حجم التهديد الذي تتركه مخلفات الحرب على الأطفال هناك. وقالت إن شقيقتين كانتا في طريقهما إلى المنزل عندما لاحظتا كرة معدنية بحجم حبة برتقال. لم تعرفا ما هي عندما التقطتاها، لكنهما اعتقدتا أن مشتري الخردة المعدنية الذين يقومون بجولات في أماكن إقامتهم في شمال غرب سوريا قد يدفعون حوالي 30 سنتا مقابل تلك الكرة، كانت قنبلة صغيرة حية من قنبلة عنقودية.

 

وقالت إحدى الفتاتين، دعاء (10 أعوام): “كانت رمادية وكانت بهذا الحجم” وهي تمد أصابع يدها اليسرى بأقصى ما تستطيع. وتتذكر كيف قامت أختها روعة (11 عاما)، بتسليمها القنبلة بينما كانت تحمل شقيقهما متعب البالغ من العمر سبعة أشهر على خاصرتها. وبعد ثانية، انفجرت ممزقة كف دعاء اليمنى وفقدت روعة عينها اليسرى وما زال وجه متعب يحمل ندوب الانفجار.

 

وتقول عبد الرحيم إن الصراع السوري المستمر منذ 12 عاما ووصل الآن إلى طريق مسدود، تسبب في دمار واسع وقتل أكثر من نصف مليون شخص بينما أجبر ملايين آخرين على الفرار من ديارهم.

ومثل النزاعات الحديثة الأخرى، فقد تركت الحرب إرثا مميتا من قذائف المدفعية والألغام والذخائر الأخرى غير المنفجرة على الأراضي الزراعية وعلى جوانب الطرق والمباني، مما يشكل تهديدا عشوائيا على الأرواح بعد فترة طويلة من انحسار القتال.

 

إلا أن الذخائر العنقودية، الأسلحة المحظورة على نطاق واسع والتي تتفكك في الجو وتطلق العشرات من القنابل الصغيرة على مساحة واسعة، هي أسلحة مميتة بشكل خاص. وقد وصفتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان بأنها “تهديد مفتوح لحياة الأجيال القادمة في سوريا”.

 

وأشارت الكاتبة للشجب الدولي، الشهر الماضي، لقرار إدارة بايدن إرسال ذخائر عنقودية إلى أوكرانيا لتستخدمها في هجومها المضاد ضد روسيا.

 

وقالت إن الغريب أن واشنطن أدانت استخدام روسيا للقنابل العنقودية والأسلحة العشوائية الأخرى في سوريا. وكان الدعم العسكري الروسي للديكتاتور بشار الأسد، حاسما في مساعدته على البقاء في السلطة، واعتمد نظامه على الضربات الجوية المكثفة والعشوائية لاستعادة الأراضي.

 

وتقول الصحيفة إن القنابل العنقودية أدت إلى مقتل ما يقرب من 1500 شخص في سوريا، بينهم 518 طفلا، منذ عام 2011، وفقا لشبكة الحقوق السورية. وتسببت الألغام الأرضية في مقتل 3353 مدنيا، من بينهم 889 طفلا.

 

أدى الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب سوريا في شباط/ فبراير إلى تفاقم المخاطر في منطقة غارقة بالفعل في أزمة إنسانية، ويقطنها حوالي 4.2 مليون شخص، أكثر من نصفهم نزحوا من أجزاء أخرى من البلاد بسبب الحرب. كان الكثير منهم يعيشون في مخيمات أو منازل مبنية على عجل.

 

وقالت الأمم المتحدة إن الزلزال قتل الآلاف في سوريا ودمر نحو عشرة آلاف مبنى وشرد نحو 265 ألفا. لجأ الكثيرون إلى الحقول المفتوحة أو على جوانب الطرق بعيدا عن المباني المتداعية.

 

ونقلت الصحيفة عن محمد سامي المحمد، خبير المتفجرات في منظمة الخوذ البيضاء للدفاع المدني السوري، عن التهديد من الذخائر غير المنفجرة: “مع كل موجة نزوح جديدة، يصبح هذا خطرا أكبر”.

 

وعمل عمال الدفاع المدني ولسنوات، في أجزاء من سوريا مثل الشمال الغربي، والتي تسيطر عليها مجموعات معارضة لنظام الأسد، بجد لإزالة الذخائر غير المنفجرة. تنتشر حقول الألغام في البلاد أيضا، خاصة في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام في السابق. لكن الخوذ البيضاء لا تملك القدرة التقنية على إزالة تلك الألغام.

 

وذكرت الصحيفة أن هالو تراست، وهي منظمة عالمية لإزالة الألغام، ستتولى هذه المهمة هذا الشهر في حقول الألغام في شمال غرب سوريا.

 

كما أشرفت وكالة الأمم المتحدة لمكافحة الألغام على تطهير حوالي 500 فدان من الأراضي الزراعية في سوريا، مما أدى إلى تدمير أكثر من 500 متفجرة.

 

ومع ذلك، في الشمال الغربي، لا توجد منطقة آمنة تماما لأن الطائرات الحربية السورية والروسية لا تزال تشن غارات جوية. فيمكن لمنطقة تم تطهيرها اليوم أن تتعرض للقصف والتلوث مرة أخرى غدا.

 

على الرغم من المخاطر، لا يزال الكثير ممن يعيشون في شمال غرب سوريا، وسط الفقر المدقع والبطالة المرتفعة، يبحثون عن الخردة المعدنية لبيعها، حتى عن القنابل والقذائف. بالنسبة للبعض، فهذا مصدر دخلهم الوحيد.

 

 

ونظمت الخوذ البيضاء مئات ورشات التعليم لتثقيف الناس حول الذخائر غير المنفجرة ويعزو السكان تراجع الإصابات في السنوات الأخيرة إلى تلك الورشات.

 

في عام 2015، لم تكن نور الحموري قد سمعت بالقنابل العنقودية. كانت تبلغ من العمر 14 عاما، وتتذكر أنها كانت عائدة من المدرسة في ضاحية الغوطة الشرقية بدمشق، التي كان يسيطر عليها الثوار المعارضون للأسد وتحاصرها قوات النظام. قالت إنها عندما سمعت صاروخا احتمت بالحائط. بعد ثوانٍ، سمعت انفجارا واعتقدت أن الخطر قد انتهى.

 

وتذكرت نور الحموري، البالغة من العمر الآن 21 عاما: “عندما واصلت طريقي، كان ذلك عندما سقطت القذيفة الثانية”، لتصف القنبلة الصغيرة [التي كانت جزءا من قنبلة عنقودية] التي سقطت أمامها على بعد بضعة أقدام وانفجرت.

 

مزق الانفجار ساقها اليمنى – مما أدى إلى تمزيق اللحم والعظام. قالت إن سائق شاحنة مارة شاهدها وهي تنزف وهرع بها إلى مستشفى ميداني قريب، حيث تمكن الأطباء من إنقاذ طرفها.

 

قالت نور الحموري عن القنابل العنقودية: “إنها تستهدف الساقين. انفجرت على الأرض، وفقد الكثير من الناس أرجلهم”. ولا تزال غير قادرة على الوقوف على ساقها المتضررة وتسافر إلى تركيا المجاورة لإجراء العمليات على أمل أن تمشي مرة أخرى يوما ما.