كانت لحظات قاسية :

-موجود …

-نعم أخي موجود

-بدي السيارة بكرا …

جاءت كلماته باردة :

-عندك فكرة خيي شقد السعر ؟

اتفقا على المبلغ الذي سيخرجه من داخل مملكة الصمت , كانت كلمات لطالما سمعها وقرأها على وتس اب عندما كان يضطر للإتفاق مع المهرب على إخراج أصدقائه الصحفيين وبعض النشطاء من مدينة حمص بعد تعرضهم أكثر من مرة للإعتقال او الملاحقة .

بدأت الرحلة من على “دوارالسيد الرئيس” – كما يحب الموالون للنظام تسميته –

في مدينة حمص المحتلة من قبل أجهزة المخابرات وميليشيات حزب الله ورجال الدفاع الوطني التي تسيطر على مداخل المدينة ومخارجها , انطلقت السيارة من على الدوار لتخترق بعض الحواجز في أحياء النظام الموالية لتصل الى الطريق السريع الواصل الى الريف الحمصي المتصل بمنطقة القلمون .

تتلقى بعض التعليمات من المهرب , تعليمات ربما تنقذك من حواجز ميليشيات حزب الله ان انزلوك من السيارة وانفردو بك للتحقيق والتحقق من شخصيتك .

تعبر بعض الحواجز بسهولة من “الخط العسكري” التابعة للنظام السوري بمجرد حركة من السائق او إشارة وأحياناً كلمة :”هاد معي”.

تستمر العجلات بنهب الارض لتصل اخيراً الى مدينة “القصير” والتي يسيطر عليها النظام بالكامل .

المدينة مدمرة وخالية من السكان إلا من بعض المحلات والبيوت التي أحتلتها الميليشيات وحواجز الجيش , نعبر القصير بيسر وسهولة وبخبرة وتمرس يخترق “المهرب “الحواجز بحنكة مظهراً على صدره وعلى “تابلو” السيارة أمشاط الرصاص الفضية التي تجذب نظر الضابط المكلف بـ “تفييش” البطاقات فبعضهم يطلب بعض الطلقات والبعض الآخر “علبة من السجائر”.

خرجنا من القصير لنصل الى آخر حواجز “الجيش السوري” والذي عبرناه بإظهار مهمة أمنية يحملها المهرب ( مهمة رسمية من العقيد سهيل الحسن) الملقب بالنمر ….

نخرج من الحاجز لنصل الى القرى الشيعية والتي تعد الامتداد السوري داخل الاراضي اللبنانية , انزل في ساحة القرية , تعليمات المهرب واضحة “لاتبتعد عن السيارة” .

عاد المهرب برفقة سيارة دفع رباعي يقوها شاب من الميليشيات التابعة لحزب الله والذي اخبرني انه مقاتل من الحزب في ريف اللاذقية .

وصلنا منطقة الهرمل بعد عبور أخطر الحواجز وهو حاجز “المخابرات العسكرية” الحاجز لبناني سوري مكلف بإيقاف الكل حتى العسكريين .

– “هلق صرت برا سوريا خيي …. فيك تسب بشار الأسد”

فعلا وصلنا منطقة الهرمل وظهر لي تل “النبي موسى” واضحاً , والمروحيات السورية والروسية تحوم فوق التل ممشطة المناطق الحدودية مابين البلدين على ارتفاع منخفض جداً .

نصل الى “محمود” رجل الـ “وتس اب” … والذي بالعادة يستلم المبلغ ليوزعه على باقي المجموعة .

…… حتى الان لم نقطع سوى منتصف الطريق .

دخلنا كرفان في منطقة الهرمل مجهز بماء وحمام بإنتظار تهريبي في اليوم التالي الى طرابلس أو بيروت …

يقول محمود :

– جهز حالك بكرا الصبح رح نزلك عـ طرابلس …. بباص جيش … لاتخاف .

صباح اليوم التالي طلب المهرب حلاقة الشعر والذقن لابدو مثل عناصر الجيش . وطلب مني لبس البدلة العسكرية ورمى لي “كيس بحارة”

– بيجي الباص بتفوت “بتندحش بين العسكر” لاتطالع الهاتف ولاترد على مكالمات .

اخترق بنا الفان المليئ بالعسكر الطريق الجبلي الوعر الواصل إلى طرابلس ماراً ببلدات قضاء الهرمل والتي تمتد على مساحة 3742 هكتار .

نخترق بلدات يونين و حوش النبي وسرعين مخترقين حواجز القرى الشيعية على الخط العسكري المجهز لميليشيات حزب الله والجيش لنصل بعد ساعتين الى حاجز “المدفون ” وهو مدخل مدينة طرابلس .

رحلة بدأت داخل أسوار مملكة الصمت والرعب وغرف الوتس آب … وانتهت في مدينة تشبه “مدن سوريا المحتلة ” الفرق ان لبنان يحتله المال وبعض القانون ورجال حزب الله … ولكنه كما يقول السوريين هنا “أرحم من أقبية الظلم والمخابرات” .