تشهد مناطق سيطرة النظام السوري إغراقاً بالبضاعة الإيرانية فيما يظهر التغلغل الواضح للدولة التي باتت تسيطر على العديد من القطاعات الاقتصادية والحيوية في المحافظات السورية.

وتعمل طهران عبر مؤسساتها العسكرية والأمنية والحكومية إلى جانب ميليشياتها المحلية والأجنبية على تعزيز حضورها الاقتصادي بما يسمح لها بإحكام السيطرة على مقدرات السوريين وثرواتهم.

ويؤثر هذا الإغراق المباشر للبضائع الإيرانية في الأسواق السورية على المنتج المحلي وأسعاره وأسعار تصديره، وسط تسهيلات كاملة من النظام السوري.

ورغم غلاء البضائع الإيرانية مقارنة بالمصنعة محلياً تعفى هذه البضائع أيضاً من الرسوم الجمركية ما يضاعف من الخسائر المترتبة على الاقتصاد السوري بشكل عام.

؟

سيطرة إيرانية على السوق السوري

؟

وبشكل دوري توقع الوزارات والمؤسسات الرسمية الإيرانية اتفاقيات اقتصادية وتجارية واستثمارية مع النظام السوري، لا يمكن معرفة تفاصيلها الكاملة، حيث لا يكشف عن بنودها.

ولا تملأ المنتجات والبضائع الإيرانية رفوف المتاجر والمحال السورية فقط، بل كذلك الحال بالنسبة لدول تسيطر إيران على قرارها السياسي مثل لبنان واليمن وحتى العراق.

وقال حسن شمشادي، أمين غرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة، إنه “تم تسجيل أكثر من 1390 شركة إيرانية هناك بعد انتهاء الأزمة في سوريا وإحلال السلام النسبي، كما تظهر الإحصائيات، لكن لا توجد أكثر من 10 أو من 20 شركة نشطة فعلياً في سوريا”، بحسب موقع “الاستراتيجية المعاصر” الإيراني.

ورصد موقع “تلفزيون سوريا” انزعاج تجار وصناعيين سوريين من إغراق الأسواق السورية بالمنتجات الإيرانية على حساب المنتجات المحلية، خصوصاً ما يتعلق بالمنتجات الغذائية.

؟

البضائع الإيرانية تغزو سوريا

؟

وقال الحاج أبو الهدى (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) صاحب أحد المحال التجارية بدمشق، إن البضائع الإيرانية تغزو سوريا بشكل غير منطقي، ولا أظن ذلك محض مصادفة، فالإيرانيون يشترون بيوت الدمشقيين منذ سنوات عديدة، فإغراق أسواقنا بالبضاعة الإيرانية أسهل بكثير.

وأضاف أبو الهدى لموقع تلفزيون سوريا، أن العديد من المنتجات في الأسواق اليوم هي إيرانية، ومعظم الناس لا تفرق اليوم بين البضاعة خصوصاً الغذائية منها لعدم توفر بضاعة دول أخرى بالأسواق.

وأشار إلى أنه يحاول العثور على أي منتجات بديلة لمحله التجاري، سواء مصنوعة في سوريا أو لبنان أو الصين أو الهند أو المهربة من تركيا، لأنه قرأ على مواقع التواصل الاجتماعي أن البضائع الإيرانية غير جيدة لأنها لا تطابق الشروط العالمية ولا تخضع لمراقبة جيدة.

ولفت إلى أنه قرأ منذ فترة أن هناك دعوات في العراق لمقاطعة البضائع الإيرانية التي تدخل إلى العراق عبر تجار مدعومين من ميليشيات عراقية ممولة من إيران.

؟

مراكز تجارية

؟

وفي تشرين الأول من عام 2020، افتتحت إيران مركزاً تجارياً يحمل اسم “إيرانيان” تبلغ مساحته أربعة آلاف متر مربع، ويقع بالمنطقة التجارية الحرة في قلب دمشق، ويتكون من 12 طابقاً، طابقان مخصصان منه للمعارض، والطوابق المتبقية سيتم من خلالها تقديم خدمات الشحن والنقل والاستشارات القانونية والمصرفية والتأمين.

واشترت طهران المركز التجاري في منطقة التجارة الخارجية بدمشق، ويتميز بموقع مميز بسبب وجود الشركات الإيرانية والأنشطة الاقتصادية في المنطقة.

وعند افتتاحه كان المركز الإيراني يحتوي على 24 شركة إيرانية تمارس أنشطتها التجارية في سوريا، وبعض تلك الشركات على صلة وثيقة بالحرس الثوري الإيراني.

؟

المنتجات الإيرانية تهدد الصناعة السورية

؟

من جانبه قال أبو علي (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) أحد الصناعيين في مجال صناعة البسكويت بريف دمشق، إن البسكويت والشيبس المصنع في إيران يغزو سوريا حرفياً، وهم ينافسون بشكل قوي بالسوق السورية بسبب الإعفاء من الرسوم الجمركية بما يصل لـ 100 بالمئة على بعض المنتجات أحياناً.

وأضاف الصناعي السوري لموقع تلفزيون سوريا، أن الصناعي السوري اليوم في أسوأ أحواله، ولا نستطيع الحديث بخصوص ذلك إعلامياً ولا حتى على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكّد على أن الصناعي السوري مضطر لدفع إتاوات شهرية حتى يتمكن من استمرار عمله ما يعني زيادة في الكلفة الإجمالية، وندفع أيضاً أجرة وصول الكهرباء عبر ما يسمى الخط الماسي أو الذهبي والذي نستطيع عبره تشغيل المكنات والأجهزة.

ولفت “أبو علي” إلى أن المصانع الكبرى لديها مواردها الخاصة من علاقاتها مع أجهزة الأمن وشخصيات وازنة في النظام السوري، أما المصانع الصغيرة فعلى أصحابها الدفع للضباط الصغار حتى يبقى الإنتاج مستقراً.

وأوضح أن السوق في مناطق سيطرة النظام السوري، يمكن أن يستوعب أي مستثمر اليوم، لندرة المستثمرين الجادين، ولكن ما يخشاه المستثمرون هو الفساد بالدرجة الأولى، وعدم وجود بيئة اقتصادية آمنة، إلى جانب المخاطر المترتبة من الجرأة في دخول المنافسة.

وبخصوص البضائع الإيرانية، أكّد أن إيران هي الكاسب الأكبر من استمرار الأزمة الاقتصادية في سوريا، فهي تورد بضائعها بدون جمارك ما يعني ضعف المرابح على الأقل، والبيع حتى لو كان يسعر بالليرة السورية وليس بالدولار، فالعملة السورية أفضل وضعاً من التومان الإيراني بأشواط، بسبب العقوبات الأميركية على طهران.

؟

اتفاقيات طويلة الأمد

؟

ولا يقتصر الأمر على الوضع الاقتصادي، فإيران التي أبرمت اتفاقيات تجارة حرة مع النظام منذ عام 2012، لا تستورد من سوريا إلا ما تراه قد يفيد اقتصادها، كما أنها تسببت بخسائر هائلة على تجار الخضراوات والفواكه الذين يصدرون إلى العراق عبر إغلاق المعابر بقرار سياسي منها.

وتعمل كذلك تصدير المخدرات من خلال البضائع السورية، ما جعل سمعة أي منتج مصنع داخل سوريا مشكوكاً فيه، فالتجار في بعض دول الخليج وخصوصاً في السعودية والكويت فسخوا العديد من عقود تجارية مع تجار سوريين خوفاً من إخفاء مخدرات فيها.

وعلى ذلك علق الصناعي “أبو علي” بالقول: إن الاقتصاد السوري متأثر بشكل كبير من التغلغل الإيراني في سوريا، والصناعة السورية مهددة، قد تكون لدي خبرة جيدة بالاقتصاد بحكم دراستي للمجال، ولكن ما أعرفه أن أي دولة تفقد تحكمها بالاقتصاد المحلي لا يمكن أن تحسن أي وضع مستقبلاً.

وفي تقرير لصحيفة “دنياي اقتصاد” الإيرانية، فإن طهران صدرت بضائع وسلعاً بقيمة 243 مليون دولار إلى سوريا عام 2022، فيما استوردت بنحو 28.5 مليون دولار من سوريا، في خسارة واضحة للاقتصاد السوري.

ويبدو أن هذه الأرقام لم تعجب القيادة الإيرانية الجديدة في عهد إبراهيم رئيسي، الذي كان أول رئيس إيراني يزور سوريا بعد الثورة السورية، عام 2023.

وعمل رئيسي خلال زيارته على توقيع اتفاقيات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد شملت التجارة والنفط والطاقة والهندسة والإسكان والنقل بالسكك الحديدية والجوية والمناطق الحرة والاتصالات والتكنولوجيا والإغاثة بعد الزلزال.

؟

؟

؟

؟

؟